على ضوء مجموعة من المعطيات يمكننا ان نحدد نجاحات مهرجانات المسرح من عدمها .. فهناك الكثير من المهرجانات التي لاتموت ابدا وقد اثبتت نجاحها مع طول عمرها .. انها تكبر ولا تهرم .. بينما هناك الكثير ايضا من المهرجانات التي تموت مبكرا بالرغم من كل محاولات القائمين عليها واخلاصهم في نواياهم ومحاولاتهم الحثيثة لبث الروح فيها دون جدوى .. الذي ينعش المهرجانات ويحييها على المدى الطويل والذي يعطيها طاقة الشباب وعنفوان التالق هو التخطيط المبكر والمشورة والاستشارة من ذوي الاختصاص و التجربة ومشاركتهم والمداولة معهم في المستجدات وحلول العقبات … والذي يميت المهرجانات ويقبرها مبكرا هو التخطيط نفسه ولكن الاناني والمريض الذي يُوقِع في تكرار الاخطاء والخصومات وفتح الجبهات مع الاخرين مما يشغل ادارته بقضايا جانبية تتسع حتى يبدو المهرجان فيما بعد وكانه مهرجان مشاكل لا مهرجان مسرح وتراه يتوقف عند دورته الاولى او الثانية او الثالثة على اكثر تقدير
ان من اسباب النجاح لمهرجانات المسرح هو ان تختار عروضا مهمة وكبيرة ومحترفة ومتنوعة . جيدة في مضمونها وجديدة في شكلها .. فيها شئ من الاناقة المدهشة والموضوع الجاذب .. خصوصا العروض التي كتب عنها النقاد واكثرت الصحف الكبيرة في تناولها .. فهكذا عروض ينتظرها الجمهور ويتلهف ويتدافع لمشاهدتها ,, الجمهور الذي هو السبب الاخر من اسباب النجاح .. فمن المؤكد ان اول غايات المسرح هو الجمهور الذي بدونه لا داعي ابدا لاقامة اي عرض مسرحي ناهيك عن المهرجانات . الجمهور سيكون ممتنا ويتواصل معك ومع مهرجانك ان وفرت له سبل الراحة والايجابية في كل شئ من دخوله الى قاعة العرض وحتى مغادرته .. ان يدخل بنظام محدد ويستلم دليل العرض ويجد مقعده في قاعة مكيفة يديرها تشريفات يتحلون باللطافة والكياسة والابتسام .. وان تبدأ العروض في توقيتاتها ولا تتاخر عن موعدها الذي اعلن في وقت مسبق وفق اعلانات احترافية واضحة في جميع وسائل الاعلام المتوفرة سواءا المجانية او المدفوعة والتي يفترض ان تصل الى اغلب شرائح المجتمع , ومن الرائع ان تعقد معهم صداقات مستمرة لكسبهم اليك لدوارتك المقبلة او عروضك المستلقة في موسم الفرقة .. من خلال تسجيل ايميلاتهم وارقام هواتفهم او حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي وان تبعث لهم رسائل بريدية تخبرهم فيها بمواعيد العروض والاحداث المرافقة مثل الندوات وحفلات توقيع الكتب ..
يعتمد كل هذا على التمويل الجيد وجهات الدعم التي ترى فيه توافقا مع اغراضها الثقافية والانسانية التي تساسست من اجلها سواء كانت منظمات او مؤسسات دولة او كوسيلة اعلانية للاعلان عن بضاعتها عن طريق نشر بوسترات او مقاطع فيديو او صوت او صور .. ومع اهمية الدعم المالي للمهرجان الا انه لا يحصل بسهولة ولا بسرعة ولكن ثقة الداعمين تتأتى من الاصالة والعراقة .. فكلما تقادمت دورات المهرجان كلما زادت الثقة به وزاد التفاعل معه وابح القائمون عليه ( ادارته ) يحددون المبالغ الكبيرة والتي تريحهم فيما بعد وتساعدهم في استمرار الدورات وتراكمها واطالة عمر المهرجان والتجديد المستمر لفقراته التي تساعد في ادامه شبابه
اذن بامكاننا ان نقول ان اهم اسباب نجاح المهرجانات المسرحية كخلاصة لما تقدم هو التخطيط – اختيار العروض – استقطاب الجمهور – الاعلان الجيد والمبتكر – تعدد مصادر الدعم
هذا ما ارى جله وقد توافر متحققا في مهرجان العراق الوطني للمسرح .. فقد تم التخطيط له مبكرا ووضعت له خطة متكاملة مع خطط بديلة متعددة تمت بمشاورة الكثير من الفنانيين العراقيين من خلال اجتماعات تشاورية مستمرة .. بينما كلفت لجنة مؤلفة من اكاديميين متخصصين خرجوا جوالين لاختيار افضل العروض المتوفرة والتي جذبت جمهورا جيدا بالرغم من الظرف الصحي بسبب الجائحة الذي اخذت تدابير وقائية مشددة من قبل ادارته تستمر طيلة ايامه السبعة .. بينما توفرت له جهات داعمة مخلصة كان اهمها واكبرها هو الهيئة العربية للمسرح التي طالما سعت وتسعى لديمومة المسرح العربي سواءا بالدورات الوطنية او دورات المسرح العربي ..