تحية لها في يومها العالمي مستشارة في مؤسسة (باربا فارلي) العالمية للمسرح ..
نورا أمين .. مشعل بروميثيوس في فضاء مسرحنا العربي والدولي ..
يوسف الحمدان
لحضور الفنانة الكاتبة المخرجة الباحثة المصرية العالمية نورا أمين ، المنسق العام لمهرجان شرم الشيخ الدولي الرابع ، وهج الألق الثقافي المعرفي المؤثر والخلاق على الصعيدين العربي والدولي ، فهي نحلة خلايا الوعي المتعطش لرؤى واتجاهات المسرح النوعي والمغاير في العالم ، إذ رحلتها مع هذه الثقافات بدأت طبعا قبل انطلاق هذا المهرجان بفترة طويلة ، وهو الأمر الذي تشكلت معه رؤية باحثة استقصائية خلقية ثاقبة وعميقة لدى نورا أمين ، وسمت شخصيتها وفكرها في وقت مبكر ، مما أهّلها لأن تكون واحدة من أقرب من تناسجوا وعايشوا هذه الثقافات في أوربا وتعرفوا على رموزها وقاماتها المسرحية والفكرية والثقافية ، وأصبحت لها مكانة ثقافية وعلمية بينها وفي محل ثقة كبيرة برؤاها ونتاجاتها المسرحية والأدبية والثقافية المتعددة والمتنوعة .
هذا الاكتناز المعرفي الخلاق لدى نورا أمين ، أسهم في إضاءة أفضية المعرفة والخبرات المسرحية الفاعلة والمؤسسة بمهرجان شرم الشيخ الدولي الرابع والذي بدأ منذ وطأت قدماها مطار شرم الشيخ ، إذ ما إن أرخت حقائبها بسرعة بغرفتها في فندق الهيلتون ، حتى استأذنت الضيوف لاستقبال المفكر المسرح الإيطالي الدنماركي الكبير يوجينيو باربا ، الذي سيصل فجرا هو وزوجته الممثلة الكبيرة جوليا فارلي ، وقد سبق ذلك بنفس المطار وبنفس الليلة ، أنْ حررت نورا حقيبتي من قيود الفقد التي ستقلها في جهة أخرى لولا تدخلها اللطيف والرقيق وإقناع رجال أمن المطار بأن هذه الحقيبة لي وأنها المنسق العام للمهرجان ، فتقبل رجال الأمن هذا اللطف الذي عهدته في نورا منذ معرفتي بها بمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي عام 1988، وأفرجوا عن حقيبتي ، وظلت برفقتنا هي والفنانة إنجي البستاوي الرئيس التنفيذي للمهرجان والتي هي أول من استقبلنا بعد خروجنا من المطار ، حتى استقبالنا من قبل الفنان المخرج مازن الغرباوي بفندق الهيلتون.
وما إن اكتمل ضيوف المشاركات الدولية ، حتى بدأت نورا أمين في مهمتها اليومية معهم للمرافقة والتنسيق للندوات والمؤتمرات والورش المسرحية طوال أيام المهرجان ، بجانب تعريفها للضيوف العرب على المشاركين الدوليين ، مساهمة منها في تعزيز العلاقات الثقافية والمسرحية فيما بينهم وخلق جسور معرفية للتواصل المسرحي أو الثقافي أو الورشي معهم مستقبلا ، فمهمة نورا أمين تتجاوز حدود التنسيق لتقف على ضرورات التناسج الثقافي وقدرته على تقريب فهم رؤانا للمسرح وتنوع اتجاهاته وآفاقه ، خاصة وأنها إحدى المسهمات الرئيسيات والفاعلات في مركز برلين الدولي لتناسج الثقافات الفرجوية ، ولها في هذا الشأن تجارب معملية وبحثية ، بجانب دورها في تسهيل مهمات الكثير من المسرحيين العرب للإنخراط في البحوث والورش التي ينظمها المركز .
في هذا المهرجان المسرحي الشبابي الدولي الحيوي روحا ورؤية ، يكون لدى الباحثة الدولية نورا أمين مهمة ربما تتجاوز أهميتها مهمة التنسيق ، وهي الترجمة ، ترجمة الرؤى والأفكار الثقافية والمسرحية الصعبة والتي تحتاج إلى مترجم على قدر من الثقافة الموسوعية والمصطلحية والمفاهيمية ، وقد تمكنتُ من حضور كل الفعاليات الدولية التي استقطبها المهرجان، وكم أسهمت نورا أمين بإضاءة الكثير من الرؤى والأفكار التي ترجمتها وكما لو أنها محاضراتها هي، أو هي من يتبناها، وقد أسقطت هذه الروح المخلصة وبحب علينا نحن الحضور المتلهف والمتعطش لفهم واستيعاب ما يدور في رؤوس هؤلاء المفكرين المسرحيين المؤسسين، وحركت الكثير من الأسئلة المرجئة في رؤوسنا ، لنجد أنفسنا على تماس مفرح حقا مع هؤلاء المفكرين الذين كنت تحلم برؤيتهم أو الجلوس معهم أو الاستماع إليهم أو التعرف على طرق عملهم في المسرح، وكل ذلك كان بفضل الباحثة الدولية نورا أمين التي تتقن أكثر من لغة وتقدمها بطلاقة من ولد وعاش مع هذه اللغة، فهي ليست في رأيي وسيطا لنقل معرفة ما من شخص ما أو من بلد ما ، بقدر ما هي صنو لهذه اللغة، تشربتها وتشبعت بها ، حتى باتت لغتها ، وحتى بتنا نحن المصغين إليها وكما لو أننا جزءا لا يتجزأ منها .
نورا أمين اختصرت الكثير من المسافات والأزمنة ، بترجمتها الخلاقة رؤى وأفكار المبدعين المشاركين الدوليين في هذا المهرجان ، وبذلك تمكنت من أن تجعل من هذه الندوات والمحاضرات واللقاءات والورش ، فعلا موازيا للعروض المسرحية المشاركة في المهرجان ، وليس مصاحبا كما جرت العادة في الكثير من المهرجانات ، الأمر الذي جعلني أحرص في كل صباحات المهرجان وحتى أماسيها على الحضور سعيدا مبتهجا إليها ، خاصة وأن نورا أمين نفسها تتملك جاذبية خاصة في هدوء وجهها وصوتها وضحكتها الطفلية التي ترسم أهلتها على عينيها البريئتين المتأملتين ، وهي خاصية أخرى تدفعك للتركيز على كل ما يقال ويباح في هذه اللقاءات بنفس أو شهية منفتحة .
ولي أن أفتخر بأن هذه الباحثة الدولية، هي عربية شكلت في كوننا العالمي اسما مهما ويفتخر به الأوربيون أنفسهم ، وقد لاحظت ذلك في أغلب الندوات التي كانت تترجمها ، حيث اسمها يأتي في مقام مهم لديهم، خاصة وأنها على تماس مع ثقافات متعددة وجدت متسعا لها في دراساتها وبحوثها وترجماتها التي أصدرتها، ومن بينها : الفضاء المسرحي في المجتمع الحديث ليانيس كوكس ، والمسرح المعاصر ، ثقافة وثقافة مضادة، ومسارح آسيا، ومنهج أوجستو بوال في المسرح، والمسرح المواطن، بجانب ترجمة نصوص مسرحية وقصص عالمية .
فكم هذا الإنجاز العالمي مهم يا ترى بالنسبة إلينا كمسرحيين عرب ؟ وهل يمكن تجاوز هذا الدور الذي لعبته نورا أمين في ثقافتنا المسرحية العربية ؟ ألم يكن هذا الإنجاز حصيلة وحصاد تجربة شبابية أدركت مبكرا كيف يمكن لها أن تشكل حضورا مهما وفاعلا ولافتا ومؤثرا على الصعيد العالمي ؟ كيف يمكن الآن لشبابنا المسرحي أن يستثمر هذه التجربة الاستثنائية لنورا أمين على الصعيد الثقافي مثلما استثمر الأفق الذي رسمه الفنان والمخرج الشاب مازن الغرباوي عبر تأسيسه ورئاسته لمهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي من خلال مشاركاته المسرحية ؟
هي نورا أمين .. مشعل بروميثيوس في فضاء مسرحنا العربي والدولي .. فمحبة بلا حدود معلمتي التي أزاحت بوعيها الخلاق الكثير من النوافذ الموصدة في رأسي ..
____________________________
يوسف الحمدان – البحرين