مسرح الطفل في اليمن: أهم أشكال المقاومة الثقافية في عصر الاستعمار!
تجربة مسرح الطفل في اليمن- دراسة بحثية
هايل علي المذابي
سنتناول أمرين في هذه الدراسة البحثية لهذه التجربة الأول ظهور مسرح الأطفال في اليمن وبداياته وكيف كان شكلا من أشكال المقاومة الثقافية في عصر الاستعمار وكذلك أهم من اشتغلوا به، ثم تجربة اليمن في مسرح الدمى.
أولاً / ظهور مسرح الطفل في اليمن وبداياته:
ظهر مسرح الأطفال في اليمن من خلال تجربة المسرح المدرسي ومسرح العرائس والقرقوز. ومن ثم، فقد ظهر المسرح المدرسي في البداية في عدن منذ منتصف الثلاثينيات، ثم تطور وازدهر في الأربعينيات والخمسينيات. وأول ظهور في مدينة عدن عام 1942م بمسرح الأراجوز علي يد الفنان المسرحي شمسان الملقب (حمبص) والذي بدء في كتابة الأعمال المقدمة بواسطة هذا النوع من فنون المسرح الدمى المتحركة في اليد وقد برع هذا الفنان بتقليد الأصوات وتحريك الدمى هو وزميلة علي حسن الملقب (علي حسن طز البيسة) كان هذا المسرح الخشبي الحفيف الصغير المتنقل يقدم عروضه في مواقع الاحتفالات والمناسبات للمتفرج الصغير، وحتى الكبار يشاهدون هذا العروض المسلية والممتعة والهادفة والشيقة.
ومن المسرحيات التي قدمت في تلك الفترة كانت ذات طابع تاريخي وديني وإسلامي وفكاهي وكانت موجهة للأطفال كمسرحية (غزوة اليرموك، فتح القادسية، مصرع كليوباترا، حلاق بغداد، طارق بن زياد، قصص جحا، صقر قريش). وكل هذه المسرحيات المتنوعة كانت تقدم آنذاك على مسارح مدينة عدن عاصمة اليمن الجنوبية قبل فترة التوحيد.
وتشير المصادر بأن الفنان المسرحي المبدع أبا بكر القيسي قد تبنى فكرة تقديم الدروس التربوية والأخلاقية للأطفال من خلال مسرح يتفق مع عقول الأطفال ويراعي مستوياتهم وعقولهم ويمثلها ممثلون أطفال وكان ذلك في عام 1976م من خلال وزارة التربية والتعليم في عدن لتكون النواة الأولى لتأسيس مسرح الطفل في اليمن، وكانت مسرحية (المسيرة الكبرى) الغنائية للشاعر الغنائي والكاتب المسرحي زين عيدروس هي باكورة أعمال مسرح الطفل – والتي قدمت عام 1977م من قبل ممثلين أطفال من رياض الأطفال، وقد لحنها الفنان / أحمد محمد ناجي وأخرجها أبو بكر القيسي. وبعدها قدم عمله المسرحي الثاني بعنوان (أروى والتاريخ) وهي مسرحية شعرية غنائية من تأليف زين عيدروس وإخراج القيسي وتتحدث عن فترة حكم الملكة أروى بنت أحمد الصليحي أو كما يسميها البعض بلقيس الصغرى في زمن الدولة الصليحية.
ويجدر الإشارة إلى أن القيسي قد قدم قبل هاتين المسرحيتين للكاتب زين عيدروس مسرحية هي (الصرخة)، وهي مسرحية شعرية غنائية قدمتها مجموعة من طلبة مدرسة الزحف الأحمر – وتتناول صور العهد البائد.
وبعد مسرحية أروى والتاريخ) أخرج القيسي عام 1977م أبريت (زائر الأرض) وبعد ذلك قدم مسرحية غنائية استعراضية بعنوان (الذكرى) وهي من تأليف عبده بعيص وأحمد الحمزي وقام بتلحينها الفنان حسن فقيه وإخراج القيسي.
وكان القيسي قبل ذلك أي قبل عام 1968م قد قدم للأطفال وقبل أن يتوجه كلياً لمسرح الطفل مسرحية (الأميرة والأقزام السبعة) وهي مسرحية اسطورية شعرية غنائية للكاتب عبده بعيص والحان أبو بكر زين عرسي.
وبعد مسرحية (الذكرى) أخرج القيسي للأطفال مسرحية (بطاقة دعوة).
وفي عام 1978م أخرج القيسي مسرحية (النحلة ذات الطوق الأحمر) لعبد المجيد القاضي ولحنها أحمد محمد ناجي، وكانت بحسب الآراء من أنضج اعمال مسرح الطفل نصاً وأداءً- وهي مسرحية رمزية تصور مجتمع الزنابير وتوصل بأسلوب مبسط وبعرض شيق فكرة أهمية التعاون والتكاتف والعمل الذي يجعل التغلب على مختلف الصعاب والعقبات وقهر التحديات أمراً في غاية السهولة، وفي المسرحية ظهر الأطفال الذين مثلوها بأزياء مبتكرة كما يقول الاستاذ سعيد عولقي – تمثل النحل والزنابير… وكان أداؤهم جيداً كما كان التصميم للديكور والإخراج موفقاً إلى حدٍ كبير، وقد اشتركت هذه المسرحية في المسابقات الفنية المدرسية بمحافظة عدن ونالت الجائزة الاولى (كأس المحافظة) واختيرت لتمثيل المسرح المدرسي ومسرح الطفل في المهرجان الثالث لوزارة الثقافة والسياحة بعدن ونالت شهادة تقدير على عرضها.
أديب قاسم:
في عام 1979م قدم مسرح العرائسي من إخراج أبو بكر القيسي مسرحية (الأسد والفأر) وهي من تأليف أديب قاسم نعمان وعرضت خلال اليوم العالمي للطفل في العديد من المدارس ورياض الأطفال والمراكز الثقافية – وقد لحن أشعارها الفنان أحمد محمد ناجي وتتناول بشكل غنائي موسيقي الحكاية المعروفة بين الأسد والفأر وغرور القوي والاستهانة بالضعيف في مغزى رمزي واضح.
كما قدم القيسي للكاتب أديب قاسم مسرحية (فرفور الأسمر وعين الشمس) وهي مسرحية شعرية غنائية للأطفال وقد لحنها الفنان أحمد محمد ناجي، وتتناول بأسلوب رمزي من خلال حوار فرفور وفرفورة قضية وحدة اليمن والعراقيل التي كانت تعترض طريقها وحتمية اللقاء بينهما.
محمد عبد القادر بامطرف:
الكاتب المسرحي والمؤرخ اليمني الكبير محمد عبد القادر بامطرف كتب المسرحية للصغار والكبار ومن أهم أعماله التي كتبت خصيصاً للأطفال مسرحية (نزهة العيد) وقد قدمتها فرقة الطلائع اليمنية بمحافظة حضرموت عام 1979م بمناسبة عام الطفل العالمي وأخرجها مبروك بشير بن عسله، وقد وصفت صحيفة 14 أكتوبر في عددها الصادر يوم 29 نوفمبر 1979م هذه المسرحية بأنها (النموذج الناجح من أدب الأطفال في الكتابة المسرحية).
عبد الكافي محمد سعيد:
كما للكاتب المسرحي اليمني الكبير عبد الكافي محمد سعيد إسهاماته البارزة في مجال الكتابة المسرحية للأطفال، وتمثلت إسهاماته بكتابة أربع مسرحيات هي (الوردة)، وقد بثت من إذاعة القاهرة، ومسرحية (العصفور) وقد اختيرت إلى جانب المسرحية الأولى لمسرح الطفل العالمي، ومسرحية (الغول)، و(مأرب والسدود).
أحمد العلواني:
ومن أعماله المسرحية التي ألفها للأطفال مسرحية (الشرارة) وأخرجها أبو بكر القيسي – وتدور أحداثها حول انطلاقة ثورة 14 أكتوبر 1968م.
سميرة عبده علي:
فرقة المسرح الوطني بصنعاء قدمت مسرحية (الصندوق) من إعداد سميرة عبده علي، من إخراج الدكتور عبد الله الكميم، وقد ألف أغنية المقدمة عبد الكريم المتوكل – فيما ألف بقية الأغاني الأستاذ عمر حسين البار، ولحنها حسين فقيه، وجسد ادوارها إلى جانب الممثلين الكبار – عبد الكريم المتوكل – علي جياش – يحيى إبراهيم – عبد الكريم الأشموري – محمد علي قاسم – سحر الأصبحي – هزاع التعزي – وكل من الممثلين الأطفال: وفاء العمري – سلمى محمد علي قاسم – نشوان العمري – صفاء العمري – صفاء العمري – كاميليا عبد الجليل – نجوى الجبري – ياسمين عبد الجليل – نوال محمد علي قاسم – إشراق علي.
ثانياً / تجربة اليمن في مسرح الدمى والعرائس
كانت اليمن تحت وطأة الاحتلال البريطاني في جنوبه من عام 1834م- وحتى 1967م وكان ثمة سياسة تجهيل متبعة في كل المحميات المحيطة بعدن فبنيت المدارس والمعاهد التعليمية في عدن وليس سواها وسمح بدخولها لمواليد عدن أما مواليد غيرها فيلتحقون بالمكاتب التقليدية، ولم يكن شمال اليمن أفضل حالاً من جنوبه فالإمامة فرضت الجهل والتخلف والانغلاق وكانت المدرسة الوحيدة هي المدرسة العلمية وكتاتيب لتعليم القرآن الكريم وكانت هناك فقط مدرستان في صنعاء وتعز.
وفي ظل ذلك الوضع تفشت الأمية في شمال اليمن وجنوبها ودعت الحاجة إلى ظهور أنواع أدبية وفنية جديدة على الساحة تعبر عن الواقع والطموح لدى كل يمني حر ومن هنا كانت البدايات الأولى لمسرح الدمى المبتكر وتحديداً في الجنوب حيث مثل أهم أشكال المقاومة الثقافية في عصر الاستعمار..
أما الظهور الثاني لمسرح الدمى في اليمن فكان بعد تحقيق الوحدة وكان تطبيقيا تقليديا خلاقا وتحديدا في العام 2000م قدمته مؤسسات مجتمع مدني وقدمته مدارس تربوية ونفذت برامجه وأنشطته ودوراته التدريبية وورش العمل الخاصة به من قبل منظمات خارجية وملحقيات وسفارات أجنبية داخل اليمن ولم يهتم كثيرا بالشكل بقدر ما اهتم بالموضوع.
أولاً / الابتكار في مسرح الدمى في التجربة اليمنية وصناعة الوعي:
لم يدخل مسرح الدمى اليمن بشكله المنظور اليوم، إلا أن بعض ملامحه وجدت بشكل بدائي على يد شخصيات يمنية من أبناء عدن، لا أحد يعلم كيف تعلموا هذا الفن فعرفت عدن “شمسان حمبص” و (أبو شنب) و(أبو تمزة) وكانوا يتقنون ملاعبة الدمى وعرضها في المناسبات الدينية والأعياد وزيارة الأولياء وموالدهم والتنقل مابين عدن ولحج بحسب المناسبات وكانوا يقدمون العديد من القصص باللهجة الدارجة وبشكل فكاهي ومن واقع الحياة اليومية مما جعلهم يجذبون الصغار والكبار لمسرحهم على الرغم أنهم كانوا أميين. وكما يذكر فإن هؤلاء كانوا يقدمون في عروضهم بعض القصص باللهجة الدارجة وبقالب فكاهي يستهوي الصغار والكبار وكانت منتزعة من واقع حياة الناس البسطاء الذين يعيشون حياتهم في الأسواق والشوارع، وكان مؤدو هذا الفن يمتلكون قدرات خارقة على تحويل المبكيات أو معاناة الفقراء إلى مضحكات شأنهم شأن المبدعين فكانوا يبتكرون كل جديد.
وقد كان الابتكار في مسرح الدمى آنذاك وليد الحاجة إلى وسيلة تعبير شعبية لها القدرة على التأثير والنفاذ إلى قلوب وعقول العامة بما يتوائم مع ثقافتهم ووعيهم وهذه الشخصيات (حمبص) و (أبو شنب) و(أبو تمزة) وغيرهم كانت شخصيات مجهولة في الحقيقة تتلمذت على أيدي شخصيات اجتماعية معروفة وأساتذة أرشدوهم على حقيقة الوعي بأهمية الوعي الشعبي، وهم الذين جعلوهم أيضاً يناقشون قضايا المجتمع وهمومه والخروج برأي يتعلم منه الناس إدراك المعاناة اليومية التي يعانيها أبناء البلد من سياسة المستعمر وأتباعه (1).
كانت دمى حمبص وهؤلاء محرضة دائما على المستعمر ولسان هم الوطن فجاءت مدفوعة من سياسيين ومثقفين كبار في عدن خصوصا حين كانت الجريدة غائبة والإذاعة غائبة ولاسبيل لإيقاد جذوة الثورة في نفوس المواطنين إلا من خلال الابتكار في هذا الفن الشعبي الذي كان يقابله في شمال اليمن الشعر الشعبي ولا نستبعد أن بدايات الإستقلال في جنوب اليمن من الاستعمار الانجليزي بدأت بظهور مسرح الدمى في ساحات الجنوب.
وبالنظر إلى محتوى أصحاب هذا الدور الكبير على هذا الصعيد من حيث قواهم المحركة فهم وبلا أدنى شكٍ شكلوا محرك قيادي لمختلف الفئات بكل انتماءاتها الفكرية السياسية والشعبية، بهذا المعنى أصبح واضحاً التناسب بين الوعي والعفوية بكل ما يحمله هذا التعبير من معنى غيّر تصورات كثيرين عن النضال وأساليبه على صعيد الدعاية والتحريض وخلق البلبلة بغرض محاربة الأفكار الاستعمارية وإعادة توجيه عقول الناس باتجاه الضحكة الساخرة والنكتة الساخنة، إضافة إلى ما حققه هذا الشكل بغض النظر على تهريجه أحياناً فقد أظهر (الأراجوز) قدرته الإبداعية الخاصة على تحدي آلة القمع الاستعمارية، وهنا يمكن أن نستذكر بعض العبارات التي يرددها الأهالي بعد (طز البيسة) بائع التباتيك الجوال – على أكثر من صعيد ومنها ما هو على صلة بالسياسة التي أخذت بالتبلور في المجتمع العدني آنذاك ومنها ما أسهم في خلق حالة من الوعي بالمفاهيم الاجتماعية، ويمكن أن نستدل على هذا الموضوع من طريقة الاستجابة الجماهيرية لتلك النكات التي أصبحت لها دلالة ومغزى يتوجب تحليله بشكل مختلف عن الأساليب التي مضت عليها التجارب التعبيرية الأخرى، وفي هذا السياق نذكر – على سبيل المثال لا الحصر – ((يا مُسلِّم يا سلام الحمامة أكلت الطعام، وكله على السنبل يا رنبل، فُك البوك يا بن بوك فين كنتِ يا مليحة فين كنتِ مستريحة ونصراني في عانة عانتين نصراني ملعون والدين، والطير إذا يحبك با يهبلك، وإذا الطير ما يحبك ما بيهبلك!)) (2).
وحيث أنّ هذه المقولات لم تبتعد في مراميها عن مجمل المقولات التي طرأت على الظروف العامة بحيث أصبحت أية عبارة أو حركة كفيلة بانتزاع الضحكة بصورةٍ لا تخلو من الدهشة.
وحتى لا نبتعد كثيراً دعونا نعود إلى الأراجوز الذي أخذ يرسخ معنى جديد للأطفال على نطاق واسع في أحياء عدن وشوارعها، وكيف أصبحت عربة بائع (التباتيك) (3) معبرة عن اهتماماتهم من زوايا مختلفة وقد وجد هذا النوع ترجمته الثقافية بإقبال الأطفال عليه من كل الأعمار.
لكننا هنا نود التعرض لأحد عوامل انتشار فن (الأراجوز) والذي يكمن على وجه التحديد في نضج العامل الذاتي وتنامي الوعي بين أوساط الشعب وتبلور العملية التربوية التي شكلت نقلة نوعية تاريخية في الفكر والممارسة على مستوى التحولات البنيوية والنوعية.
ولسنا نبالغ إذا قلنا إنّ هذه العوامل لها آثارها المرحلية في استلهام الجديد وتبديل ما هو قائم لكل ما رافق تجربة الكبار برؤية جديدة تعترف بحق الطفل وتمنحه خصائصه الملائمة بصورةٍ مباشرة.
هذا جزء من المخطط الفني للكبار وجزء من محاولة تقديمه للصغار؛ لأنّه لو عدنا إلى الأربعينات ستكون هناك المرأة العاصية التي لا تسمع الكلام والدوارة والعسكري والرجل العاطل والجارة النقمة أو النمامة، وبالتالي يمكن أن يكون هناك طفل مشاغب وآخر شره في النهاية، نجد أنّ (الأراجوز) له تنميطاته أي قيمه النمطية وهي جزء من المجتمع في ذلك الحين والحكاية الصالحة للأسرة وللأطفال بينهم.
غير أنّ التراجع الواضح (للأراجوز) بعد مدة طويلة من النجاح بسبب عددٍ من المستجدات جعل من الفن الذي لا يقبل بديلاً له مشروعاً غير مكتمل وعندها يبقى السؤال الأهم كيف استطاع (الأراجوز) كنتاج شعبي أن يدير ظهره للثقافة الشعبية بعد عشرين عاماً من تجسيده على أرض الواقع فتحول إلى مجرد مظلة للخدع المضروبة، ويقيناً أنّ قدرة الحاوي الهندي على قطع رأسه من (الترقوة) وحمله بين يديه، خدعة بصرية مقنعة صحيح أنّها لم تقلل من قيمة التجرِبة المحلية بكل ما توصل إليه عبدالرحيم (أبو شنب) و(حمبص) من مهارة شكلت ظاهرة فنية مشهورة آنذاك ولكنهم أدركوا تماماً أنّ ما قام به الحاوي الهندي كان أدهى بكثيرٍ؛ لأنّه فصل رأسه عن جسده وحمله بين يديه (ذلك هو الفرق وتلك هي الخارقة) واعتقد أنّ هذه وتلك كانت مفقودة بشكل واضح في التجربة المحلية.
وبالطبع الأراجوز مثلما أثار الإعجاب بقدر لا يستهان به تراجع إلى الوراء بالقدر نفسه، فلم يكن هناك تلفزيون بعد ولا برامج أطفال تعترض طريق نجاحه، ولكن من أسباب تراجعه أمام شعبية (البالب فيكشن) أو الكوميكس (COMECS) لذات السبب فتخلص الناس من تحيزهم للعرائس و(الناظور) أو صندوق الدنيا بعد أن خصصت دور العرض جزءاً من عرضها يومياً للرسوم المتحركة أو الرسوم الكارتونية باعتبارها حدثاً جديداً أدى في نهاية المطاف إلى إعفاء (الأراجوز) وتباتيك البائع الجوال من مهامهم وخصوصاً بعد دخول التلفزيون إلى عدن في بداية الستينات وقد انعكس ذلك سلباً على تراجع جماهيرية الكركوس وغيره من الألعاب الشعبية التي أصبحت عروضه موسمية واقتصرت على تقديم نمر قديمة ومكشوفة وبالتالي توقف الابتكار وندر أيضا في مسرح الدمى.
وكانت تعرض بعض الدمى من خلف ستار صغير يلعب بها الفنان “حمبص” بأصابعه ويحركها كيفما أراد مصاحباً حركتها ببعض العبارات التي كان يمثلها بصوته المتلون وبموهبته الفطرية. فعرف اليمنيون مسرحية “السيد حمبص” التي كان صاحبها يمتلك كل الوسائل التمثيلية والترفيهية وكان يستخدم وسائل مسرحية بدائية ويمارسها بطريقة ارتجالية أمام عامة الناس في الشارع أو في الموالد والمناسبات (الزيارات) فكان يحمل أدواته على ظهره ويتجول بها في أماكن التجمع في الشوارع والأسواق وكانت هذه الأدوات بما يسمى (بصندوق الدنيا) أو شيئاً مصغراً لمسرح خيال الظل….
كان حمبص يضفي عليها بشخصيته البارعة وموهبته الفطرية رونقاً يلفت إليه الأنظار وحيثما كان يعرض (بضاعته) كان يحصل على أجر زهيد يدفعه الناس الذين يتجمهرون أو يتجمعون من حوله لمشاهدة العرض… وكثير ما اشتهر بتقديم نمر المحاكاة أو التقليد للشخصيات الأخرى من أقوالها وأفعالها لإضحاك الآخرين ونقدهم على حد سواء. فتطبع بها فنه وراجت زمناً جعلت منه شخصية معروفة للكبار والصغار في كل حي وشارع، هذا المسرح الجوال الذي أوجده حمبص في مدينة عدن كما يذكرنا مع الفارق بمسرح “تيسيس الايكاوي” عند الإغريق…وبمختلف أشكال وأنواع المسرح الجوال في مصر ودول المغرب العربي وبعض الدول العربية والهند وغيرها وبالإضافة إلى مسرح حمبص الجوال أوجد حمبص أيضا ما عرف بمسرح “الكركوس” وبطله حمبص…، والكركوس كلمة مأخوذة من الأراجوز “القرقوز” وهو اسم مأخوذ من التركية وتعني “الدمى المتحركة” …
ولا تتوفر مع الأسف أي صورة توثيقية لمسرح حمبص في ذلك العهد لدى جهات التوثيق في اليمن أو لدى المستعمر ربما لأنها كانت محرضة على المستعمر وتستغفله من جهة وشحة أدوات التوثيق آنذاك لدى اليمنيين من جهة أخرى.
أما مسرح الدمى الذي افتتح في عام 1982م في عدن فكان تجربة الاستاذ أبو بكر القيسي والاستاذ عبدالله شرف فلم يحقق النجاح المطلوب لعدم وجود مسرح بالمعنى المطلوب لأنه يحتاج الى الديكور المسرحي والدمى والصور والاضاءة الجيدة التي تجذب المتلقي خاصة عندما تكون التراث والاسطورة والحكاية الشعبية فيها الكثير من الخيال المحبب للصغار والكبار ولا يوجد لها مثيل في أدبنا الواقعي مثل جو الأميرات والساحرات والجنية والحيوانات الناطقة والطيور وغيرها من الصور الخيالية التي تحتاج الى الدعم المادي من قبل الدولة مثلما وجدا الكثير من العراقيل منها عدم توفر الدمى والاعتماد على شخصية واحدة فقط إلا أنها كانت شخصية مبتكرة وهذه الصورة التي نشرتها صحيفة 14 اكتوبر عن مسرح الدمى حينها وشخصية بشبوش وأبو الريش التي ابتكرها القيسي وزميله شرف.
(1) عبدالرحيم (أبو شنب) حاوي مشهور من أبناء كريتر كان مقره الدائم أو عشَّته الخاصة بعروض (الأراجوز) تُقام بجانب قبة الهاشمي في مدينة الشيخ عثمان.
(2) – وعلى حسين طز البيسة وتابعه حمبص من أبناء مدينة الشيخ عثمان و(علي حسين) بائع تباتيك جوال
(3) والتباتيك تعني عربة اليانصيب التي تحتوي على عرائس وألعاب وفناجين وأقلام وفرافير.
ثانياً / التطبيق الخلاق في تجربة اليمن في مسرح الدمى:
إثر المرحلة الأولى لظهور ونشأة مسرح الدمى في اليمن توقف هذا النوع من المسرح وتوقف الابتكار فيه لأسباب ذكرناها آنفاً ثم يعود تطبيقيا تقليديا خلاقاً في هيئة تتوائم مع متغيرات العصر واحتياجاته شمالا وجنوبا أي بعد تحقيق الوحدة وتحديدا في العام 2001 م.
وكانت ملامح أول تجربة تطبيقية لمسرح الدمى في اليمن عام 2001م من خلال ورشة إعداد لصناعة الدمى اقامتها في محافظة تعز منظمة ((ديا)) الفرنسية بإشراف السيدة ((فرانسواز)) خبيرة صناعة الدمى بالمسرح الفرنسي تطوع لهذه المهمة فريق مسرحي يمني مكون من أربعة فنانين شباب و هم المخرج أحمد علي جبارة و الفنان ورسام الكاريكاتير رشاد السامعي و الممثل سامي حداد إلي جانب شخص الرابع لا يحضرني اسمه من طلاب قسم اللغة الفرنسية في جامعة تعز..
و بدأت دورة التحضير و الإعداد لتقديم مسرح دمى متجول بحضور ثلاثة من الخبراء الفرنسيين و قد بدأت المجموعة صناعة المسرح و عناصر العرض المكون من بعض الأدوات و الأشياء المستخدمة في حياتنا اليومية تم توظيفها و تحويلها إلي دمي تحركها الأسلاك الحديدية في الظل و من خلال أول نص مسرحي كتبه المخرج احمد جبارة و تم تعديلها من قبل الخبير الفرنسي ((إلفيه)) ليكون أول نص لمسرح الدمى بعنوان ((أغنية الماء)) التي تجسده فكرة بسيطة تحكي عن طفلين يخرجان للبحث عن شلال سحري ، و بما إن هذا الفنان المسرحي يحاكي قضايا الطفل كان لابد من الاستفادة القصوى من تجربة تلك المسرحية التي كتبت بتعاون مشترك بين الفريقين الفرنسي و اليمني ما يجعل الفريق المتدرب أكثر قدرة على مواصلة المشوار و مستفيدا من تجربه الأصدقاء الفرنسيين و خبرتهم في هذا المجال ، و فعلا بدأت فرقة مسرح الدمى اليمنية بالعمل و تجهيز عروض مسرحية تقوم بإنتاجها بنفسها و بشكل مستقل ، بعد أن غادر الخبراء..
ودأبت منظمة “ديا” الفرنسية منذ ذلك الحين في دعم الفرق والمؤسسات وتدريبها في مجال مسرح الدمى ومن ضمن ذلك الحملة التي نفذها فريق مسرح الدمى المتنقل التابع لجمعية الوادي الجديد الاجتماعية الخيرية بمحافظة تعز في العام 2010م بتقديمها للعروض التوعوية في عدد من مدارس مديرية باب المندب، وهدفت إلى نشر الوعي بين أوساط طلاب المدارس في المناطق المستهدفة لمشروع الأمن الغذائي للصيادين والمجتمعات الساحلية وكذلك التوعية بأهمية النظافة وغير ذلك في مديريتي باب المندب والمخا الذي تنفذه منظمة ديا الفرنسية بدعم من الاتحاد الأوروبي واستفاد منها أكثر من ألف وخمسمائة طالب وطالبة حيث تم تدريب الفرقة المسرحية على استخدام عروض الدمى بواسطة مدربين وبدعم من ديا الفرنسية بهدف إبراز إبداعات وقدرات المهمشين وجعلهم فاعلين في المجتمع بدلا عن النظرة السلبية الموجهة ضدهم حيث وهناك شباب مبدعون الا إنهم بحاجة لمن يساعدهم على إبراز مواهبهم.
في عيد الأضحى من العام 2007م نظم نادي الهودج للسيدات مع وزارة الثقافة اليمنية مهرجان لمسرح الدمى وكانت بادرة هي الأولى من نوعها وقدم فيه قطاع المسرح التابع لوزارة الثقافة عروضا تطبيقية خاصة لمسرح الدمى من تأليف الاستاذة نجيبة حداد وكيل وزارة الثقافة لقطاع المسرح و الفنون الشعبية في محاولة لتعزيز التفاهم الثقافي اليمني حرصت أيضاً على عدم استخدام أي دمى أجنبية وإنما محاكاة كل ما يتعلق باليمن ابتداءً بالنصوص وانتهاءً بالدمى التي ظهرت بالزي التقليدي اليمني.
- كذلك ومن ضمن التطبيقات الخلاقة في التجربة اليمنية لمسرح الدمى تجربة فرقة ” ثراء ” التي ظهرت على الساحة المسرحية اليمنية والتي نفذت منذ العام 2008م العديد من الفعاليات وورش العمل والعروض الخاصة بمسرح الدمى فشاركت بواسطة عروض مسرح الدمى للتوعية بأهمية القراءة في مشروع صيف القراءة منذ العام 2008 حتى العام 2010م وبالتعاون مع منظمة كير الدولية في العام 2010م تم تدريب20 معلمة ومربية حول تقنيات مسرح الدمى والدمى وكانت المخرجات 3 إعمال مسرحية،، وفي العام 2011م وبالتعاون مع منظمة اليونيسيف وفريق حماية الأطفال في المناطق الصديقة عمل فريق ثراء كمدربين في مسرح الدمى لمدة ثلاثة أشهر من 1 يوليو2011م إلى 1 ديسمبر2011م جراء الأزمة السياسية. وفي العام 2012م دربت الفرقة 20 معلمة حول تقنيات استخدام مسرح الدمى من 3-13 نوفمبر2012م بالتعاون مع مركز الإيمان لصعوبة النطق والتعلم وكانت المخرجات 3 إعمال مسرحية. ودربت في العام 2013 م 25 تربوي حول تقنيات استخدام مسرح الدمى والدمى والحكي ضمن إطار مشروع المركز الصديقة للأطفال في أربع مداريات (أرحب- نهم- الحمية الداخلية- الحمية الخارجية) من 5-10 يناير بالتعاون مع مبادرة حماية الأطفال واليافعين- أمانة العاصمة صنعاء ومنظمة اليونيسيف. ودربت الفرقة بالتعاون مع مبادرة حماية الأطفال واليافعين- أمانة العاصمة صنعاء ومنظمة اليونيسيف العاملين في مشروع المركز الصديقة للأطفال على تقنيات مسرح الدمى المرحلة الأولى 9مارس 2013م. وغير ذلك كثير من البرامج والأنشطة في مجال مسرح الدمى.
- في العام 2007 م في عدن تحديداً ومن التطبيقات الخلاقة في تجربة اليمن في مجال مسرح الدمى احتضنت روضة البراعم النموذجية في مديرية المعلا الملتقى السنوي لرياض الأطفال الذي ضم جميع رياض الأطفال في محافظة عدن، وقدمت فيه العديد من الأعمال المسرحية الخاصة بالأطفال
كان أبرزها مسرحية (الديك ذو القرن الأحمر) التي عرضت بواسطة الدمى المتحركة وهي من تأليف لينا جميل وتحكي قصة خوف جميع الطيور من الاقتراب من الدجاج لاعتقادها أن الديك لديه قرن أحمر حاد، فتطلب الطيور من الصقر أن يخلصها من هذا الخوف فيذهب الصقر إلى عند الديك، فيعرف منه أن ما يملكه هو عرف لين وليس قرناً أحمر حاداَ، فيقوم الصقر بالهجوم على إحدى الدجاجات ويطير تاركاً الديك يصيح.. وهنا تكمن الحكمة من هذا العمل فكان الابتكار موضوعيا أما دمى المسرحية فكانت محاكاة..
- في عدن أيضا عقد منتدى الهيصمي الثقافي ندوة بعنوان: «مسرح الطفل والدمى» شددت على ضرورة إنشاء مسارح مدرسية في عدد من المدارس النموذجية، بالتنسيق مع وزارتي الثقافة والتربية والتعليم، وإيجاد قنوات تواصل بين إدارة المسرح المدرسي وإدارة ثقافة الطفل بوزارة الثقافة، والجهات المهتمة بأدب ومسرح الطفل، لإعادة الاعتبار للمسرح المدرسي كونه يمثل النواة الأساسية للارتقاء بالمسرح اليمني بشكل عام.
- ومن التجارب التي تضاف إلى رصيد مسرح الدمى في اليمن مهرجان مسرح الدمى التوعوي الأول لمدارس أمانة العاصمة في العام 2013م في صنعاء الذي نظمه الاتحاد العام لشباب اليمن وشمل ما يربو على 22 مدرسة، وبحضور ومشاركة أكثر من 17000 طالب وطالبة من مختلف المراحل الدراسية وكانت النماذج فيه جميعها محاكاة وتقليد.
- أيضا ضمن التطبيقات الخلاقة في مسرح الدمى في التجربة اليمنية قدمت إذاعة fm شباب العديد من الأنشطة والأعمال المسرحية في مجال مسرح الدمى ومثلها فرق أخرى شاركت في مهرجان صيف صنعاء وقدمت أكثر من مسرحية في مسرح الدمى كفرقة (ألوان) التي يترأسها ويديرها منير طلال و التي قدمت ثلاث مسرحيات (الدرر للملكة الصغيرة) و(عكبور خارج القصر) التي شاركت في مهرجان قرطاج للعام الماضي، ومسرحية (القط صديق الفئران) وذلك في العام 2013م وفي العام 2009م قدمت فرقة (شباب اليمن) المكونة من 7 أطفال بقيادة المخرج المسرحي شوقي الخمري مسرحية رحلة الى وادي الضباب تناولت بقالب فكاهي ما يتميز به الوادي من مكنونات جمالية وسياحية.
- المدارس الأهلية في أمانة العاصمة كان لها نصيب من التطبيقات الخلاقة التقليدية في مسرح الدمى فقدمت مدارس الرشيد عروضاً توعوية لطلابها مستخدمةً الدمى من أجل ذلك كما نلاحظ في الصور التالية:
- أيضاً قدمت مدارس (منارات صنعاء الدولية) عروضاً متعددة في مجال مسرح الدمى لطلابها لأغراض توعوية تضاف إلى التجربة كما نشاهد في هذا الفيديو (1).
- كما نظم مركز التربية المدنية والديمقراطية «YDEC» في ملتقى المرأة للدراسات والتدريب « TRFW» بالتعاون مع DEN تحت شعار «المسرح ودوره في التحول الديمقراطي في اليمن» فعاليات مسرحية لمسرح الدمى وخيال الظل وذلك على ساحة مدرسة محمد على عثمان وقاعة اتحاد نساء اليمن بمحافظة تعز والمسرحيتان موجهتان لطلاب رياض الأطفال والمراحل الأولى من التعليم الأساسي وتهدفان لنشر الوعي وتعزيز السلوك نحو أسس الديمقراطية الأربع الخصوصية – السلطة العدالة – المسؤولية» نفذها فريق من الأطفال المدربين على توعية الطلاب بمفاهيم المواطنة والديمقراطية وجاءت هذه المبادرة ضمن خطة استراتيجية بدأ المركز بتنفيذها منذ العام 2004م.
- مؤسسة إبحار للطفولة والإبداع قدمت العديد من الأنشطة والبرامج والأعمال التي ساهمت بشدة في إثراء الساحة المسرحية – مسرح الدمى تحديداً – بما قدمته وتقدمه من مسرحيات من جملتها حملة التوعية بمخاطر الإيدز 2007م في محافظات الجمهورية اليمنية وبالتعاون ومشاركة منظمة اليونيسف وبرنامج حماية الأطفال في مركز الطفولة الآمنة عبر مسرح الدمى بحيث يعكس الأطفال ما عرفوه عن مخاطر الإيدز في مسرحيات يقومون بالإعداد لها ابتداءً من صناعة الدمى وعمل النصوص المسرحية وحتى تنفيذ المسرحية بتقنياتها الفنية والمختلفة فالبرنامج يرتكز على عدة محاور أساسية في تقنيات مسرح الدمى منها صناعة الدمى وتحريكها وكتابة السيناريو المسرحي وصناعة الديكور والمؤثرات المسرحية.
- كما أقامت إبحار بالتعاون مع منظمة اليونيسيف وباستضافة من مركز الخدمات الاجتماعية الشاملة في عدن 2007م فعاليات الدورة التدريبية الخاصة بتقنيات مسرح الدمى المتجول بهدف تدريب 20 طفلاً من أطفال الشارع والأحداث على تقنيات مسرح الدمى المتجول من صناعة وتحريك الدمى وكتابة السيناريو المسرحي وصناعة الديكور والمؤثرات الصوتية المسرحية.
- وبالتعاون مع الملحقية الثقافية والاعلامية بالسفارة الامريكية فعاليات مسرح الدمى المتجول في مدينه صنعاء وباستضافة من مؤسسة الرحمة للتنمية الانسانية تلقى الأطفال ضمن الدار مجموعه من بناء القدرات في مجال مسرح الدمى من ضمنها تحريك الدمى والسيناريو المسرحي و الاضاءة والديكور والمؤثرات الصوتية المسرحية لمدة عشرة ايام ليتوج العمل بعرض مسرحي لعرض أربع مسرحيات حول قيم التسامح والسلام الاجتماعي و العنف ضد الأطفال والنظافة والاسعافات الاولية تم عرضها في يوليو 2009م
مراجع:
– عولقي، سعيد، سبعون عاماً من المسرح في اليمن – دار الجاحظ للطباعة – دمشق 1983م.
– مطهر، عبد الرحمن، كتاب مهرجان تكريم رواد المسرح اليمني 6/ابريل 2006م – وزارة الثقافة – صنعاء.
– حداد، نجيبة، الطفل في اليمن واقع وافاق- الثقافة اليمنية رؤية مستقبلية – ج 1 وزارة الثقافة والسياحة 1991م.
– الراعي، علي، المسرح في الوطن العربي، سلسلة عالم المعرفة.
المصدر
هايل علي المذابي