«عندي سمكة ذهبية» مسرحية عرضت أخيراً ضمن فعاليات معرض الشارقة الدولي للكتاب، جسدت الغربة والاغتراب المكاني والذاتي، ذلك الاغتراب الذي يجعلك تعيش تفاصيل حالة انفصام الشخصية لتتعايش مع كل الشخصيات التي باتت تسيطر على حياتك الواقعية.
وتمكنت الفنانة اللبنانية يارا بونصار والفنان السوري إيلي يوسف، من السيطرة بأداء مذهل على خشبة المسرح، فكانت النقلات بين المشاهد سلسة مترابطة، وما يحسب للفنانين ذلك التناغم والتجانس بينهما الذي يدل على التفاهم الواضح أثناء تجسيد الشخصيات.
إذ لعبت يارا شخصية فتاة عاشت تجربة الغربة مع الذات قبل المكان خصوصاً أنها متوحدة ومنطوية على نفسها جراء ما تعرضت له من إصابة بواسطة رصاصة استقرت في حوضها، ما شوّه حركتها، وجعلها محط أنظار من حولها فمنهم من يرمقها بنظرة الشفقة ومنهم من ابتعد وتركها في وحدتها تعاني في صمت. في الجانب الآخر من الذاكرة التي لاتزال صامدة رغم تغيرات الحالات التي تواجهها، إلا أنها تعرف الرجل الذي شاركها أيامها الأخيرة قبل أن يتركها نائمة ويختفي، فكلماته الداعمة والمشجعة لها لاتزال ترن في أذنيها وتفاصيل المشهد الأخير ومشاهد عاشتها مع ذلك الشخص بقيت تستحضرها، حتى بات حضوره يشكل لها عنصراً من الأمل والألم.
أداء متميز تمكنت الفنانة اللبنانية يارا بونصار والفنان السوري إيلي يوسف، من السيطرة بأداء مذهل على خشبة المسرح، فكانت النقلات بين المشاهد سلسة مترابطة وما يحسب للفنانين ذلك التناغم والتجانس بينهما، والذي يدل على التفاهم الواضح أثناء تجسيد الشخصيات.
|
من هنا بدأت المسرحية، من مشهد في ذاكرة يارا القابعة أمام ماكينة الخياطة المهترئة في ذلك المنزل القديم الذي ما عاد يستهويها مثل ذي قبل خصوصاً بعد رحيل حبيبها، فهنا الأقمشة الخضراء التي توضع على البنايات القديمة الآيلة للسقوط، وهناك في زاوية أخرى كميات كبيرة من القماش نفسه خصصته يارا للخياطة وليس بعيداً الفستان المصنوع من القماش ذاته.
تستحضر يارا حبيبها وتحاول اعادة اكتشافه من جديد خصوصاً بعد أن تركها وفضل الغربة التي جعلته شخصاً آخر ابتعد عن المجتمع وعن واقع الحياة التي عاشا كامل تفاصيلها، والتي قيدها بنفسه في دفتر مذكراته الذي فرغ من كتابته في آخر يوم نوى فيه الفراق والرحيل عن كل شيء يربطه بالوطن بحثاً عن الدعم والانتماء الجديد.
تتوالى المشاهد وتحاول يارا تذكير إيلي ببعض الذكريات التي خطها بقلمه لم يستطع تذكرها، وكأنها أفكار شخص آخر عجز عن تذكرها واحتار كيف هو من دونها، وتتعاقب حوارات الذاكرة بين الاثنين حتى إن الاخير بات يخبرها عن نجاحات اللبنانيين الذين تركوا بيروت وتلقوا دعما من حكومات المهجر، لدرجة أنهم أصبحوا مخترعين من بينهم كريم الذي اخترع مشروعاً لمسح الذاكرة جربه على السمكة الذهبية التي تبين أن لها ذاكرة.
وبلقطة اخراجية مميزة، خرج الممثلون من خشبة المسرح وتوجهوا للجمهور واشركوه في الاجابة عن سؤال الهوية والوطن والانتماء، هنا تجردت بونصار من شخصية المسرحية كذلك الحال بيوسف، الذي عرضت معاناته مع الانتماء والاغتراب النفسي والمكاني الذي يعيشه، إذ على الرغم منه أنه ولد وعاش نحو 32 عاماً في لبنان إلا أنه سوري الجنسية، فعندما يذهب نادراً إلى سورية يقال عنه إنه إيلي اللبناني كذلك الحال في لبنان إذ لولا لهجته اللبنانية التي تسعفه كثيراً في تخطي تلك الأمور التي يمكن تسميتها بالتفرقة، فهو يعاني عندما يبحث عن وظيفة او اجراء معاملة فهو سوري مقيم في الاراضي اللبنانية ويعيش انفصاماً في الشخصية حرمه الشعور بالانتماء.
أما بونصار فقد عرضت للجمهور رصاصة ولدت لديها عقدة من أصوات الانفجارات والقنابل التي حصدت أرواح الكثير من الأبرياء من بينهم بونصار التي عاشت بإعاقة في جسدها وتحديداً حوضها الذي تشوه وأثر في حركتها وتنقلها.
في نهاية العمل تجد بونصار أنها كانت في صراع مع ذاكرتها التي تحن بين الحين والآخر لأشخاص أثروا في حياتها، فلا وجود لإيلي الذي تركها ورحل ولم يعد منذ ذلك الوقت، لتقف عند نقطة أن لديها سمكة ذهبية كناية عن الذاكرة التي ترافقها أينما ذهبت. وقالت بونصار لـ«الإمارات اليوم» إن «مسرحية عندي سمكة ذهبية عرضت لأول مرة العام الماضي، إذ تم التحضير لها من 2011، الجميل أن النص والاخراج والتمثيل من قبلي أنا وإيلي يوسف، وتعود المسرحية أساساً إلى فكرة وجودنا في مجتمع بأكثر من شخصية فيشعر الشخص بأن لديه حالة من انفصام الشخصية والعمل قائم تماماً على التخيل، إذ لا وجود أصلاً لإيلي في واقع حياة بونصار إنما في خيالها وعقلها الباطن كانت تتمنى أن تلتقي به».
لافتة إلى أن «موضوع التغرب يعيش تفاصيله الكثير من الناس فالحكاية لامست الكثير من المشاهدين الذين لديهم ذلك الشعور باللاانتماء، ونحن نستعد حالياً لتقديم هذا العرض في أكثر من مسرح وأولها مسرح في سويسرا، إذ تربطني بإيلي علاقة عمل منذ تسع سنوات نعمل معاً في الاخراج والكتابة». وتقدمت الفنانة بعتب بسيط يتعلق بغياب الجماهير عن مشاهدة العرض، إذ إن القاعة كانت تضم أطفالاً يفترض عدم وجودهم لأن العرض مخصص للكبار، كما أنه يفترض حضور المسرحيين والمهتمين بالفن المسرحي للاطلاع على التجارب المسرحية الأخرى والخروج من القالب المحلي.
- سوزان العامري – الشارقة