اسماعيل عبد الله: لم يكن لهذه السعادة أن تكتمل لإنجاز هذا الحلم لولا نساء ورجال حملوا الأمانة المسرحية بكل ما تحمله من نبل وخير وحب…
رغم قساوة الظروف مدججين بالأمل في أن القادم أفضل…
كلمة الأمين العام للهيئة العربية للمسرح في حفل افتتاح فعاليات الدورة 2 لمهرجان السودان الوطني للمسرح
ها نحن نلتقي مجددا في مقرن الخرطوم بأرض السودان بوابة العرب على أفريقيا وبوابة إفريقيا على الوطن العربي، حيث يتعانق النيل الأزرق مع النيل الأبيض وهما يجرفان معهما إرثا حضاريا وثقافيا غنيا ينهل من العمق الإفريقي الزاخر بالطقوس والتقاليد المتنوعة والكثيفة ويرتشف من الحضارة العربية وكنوزها البشرية والفكرية والمادية.
ها نحن نلتقي في رحاب السودان حيث الفرجة وتذوق الفنون، حيث حب الحياة بأشكالها وتقلباتها غناء ورقصا، إرتجالا وتقمصا، وحيث ثقافة التلقي والمشاركة الجماهيرية من سمات الشعب السوداني المتجدرة في العادات والتقاليد، في الأعياد والمناسبات، في الإحتفالات الصوفية والدينية وفي حلقات الذكر والإنشاد والمناجاة وفي ليالي السمر وحلقات الحكي الشعبية.
وها نحن نلتقي في حضرة أبي الفنون، هذا الفن النبيل الذي وجد نفسه وضالته في هذا المناخ السوداني المفعم بالحياة وفي هذه الممارسات الطقوسية؛ الإفريقية العربية الخاصة بأهل السودان القديم، وفي هذه المناطق الأثرية السودانية التي تعتبر من أوائل الحضارات الإنسانية في تاريخ الجنس البشري والتي أثبتت البحوث والدراسات أصولها الدرامية .ولعل الأثر الكبير الذي تركته مسرحية “المك نمر” على الجمهور السوداني لخير دليل على تغلغل المسرح في المجتمع السوداني وكيف لا والملايين كانت تحفظ ولا زالت مقولات هذه المسرحية الشعرية التي تدعو إلى لم شمل السودانيين والتي تقول:
جعلي ودنقلاوي وشايقي ايه فايداني
غير ورثة خلاف خلت أخوي عاداني
خلو البينا يسري مع البعيد والداني
يكفي النيل أبونا والجنس سوداني
واسمحوا لي في ظل هذه الأجواء المسرحية الإحتفالية البهية أن أنقل لكم تحيات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى لاتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، حاكم الشارقة، الرئيس الأعلى للهيئة العربية للمسرح الذي يتابع عن كثب مجريات هذا المهرجان وكل رجائه أن يتكلل بالتوفيق وأن يساهم في إعادة الروح والدينامية للمسرح السوداني في ظل مبادرته السامية الرامية إلى خلق حراك مسرحي عربي من خلال إحداث مهرجانات وطنية للمسرح بكل من البحرين، الأردن، المغرب، موريتانيا، فلسطين، العراق، لبنان، اليمن والسودان.
وبعد نجاح الدورة الأولى في السنة الماضية التي حققت أهدافها، ها نحن اليوم نشهد استمرار هذا المنجز الثقافي والفني الهام بإطلاق الدورة الثانية لمهرجان السودان الوطني للمسرح بعزيمتكم وإصراركم، بعشقكم وإيثاركم، وهي الدورة التي تأتي تكريما لأحد رموز المسرح السوداني الفاضل سعيد، هذا الفتى الذي كانت خطواته الأولى نحو التأليف والتمثيل من فرقة الكشافة برعاية عبد الرحمن المهدي كأصغر عضو فيها والذي ولج عالم المسرح بعد أن نفد وصية أستاذه خالد أبو الروس الذي قال: “يا بني لا أريدك أن تمثل الآن….. ولو مثلت الآن فلن تتعلم، ونحن في حاجة للممثل المتعلم” وكم هي حاجتنا كبيرة للمسرحيين المتعلمين في هذا الزمان.
وستكون هذه الدورة زاخرة بالعروض المسرحية التي تأهلت للمهرجان بعد منافسة شريفة على مستوى مناطق السودان والتي سمحت للمسرحيين أن يبرزوا قدراتهم وملكاتهم الإبداعية وأن يخلقوا ذلك الرواج المسرحي الذي نبحث عنه بالأقاليم والمدن البعيدة. فحظا سعيدا للفرق المؤهلة وحظا أوفر للباقين.
وإذا كانت للإبداع مكانة هامة في هذه الدورة فإن حضور البحث والدراسة والنقد سيكون بارزا من خلال الندوات ومن خلال الإصدارات العشرة الجديدة التي أصدرتها الهيئة العربية للمسرح والتي ستعزز الخزانة السودانية والعربية والتي تتناول مختلف القضايا المرتبطة بالمسرح بأقلام نخبة من الباحثين والنقاد السودانيين. وسعادتنا في هذه الدورة مضاعفة بفعل تجديد التعاون المثمر والبناء مع وزارة الثقافة والإعلام في الحكومة الجديدة وبفعل التفاعل الإيجابي لمعالي الوزير الأستاذ فيصل محمد صالح مع هذا المشروع المسرحي المتكامل الذي يحمل في طياته إلى جانب مهرجان السودان الوطني للمسرح، النية في إحداث مركز للفنون الأدائية الذي يهدف إلى تعزيز منظومة التكوين والتدريب بالسودان وتشجيع الدراسات و البحث و التوثيق وتطوير آليات التعاون مع المؤسسات الرسمية و الأهلية المسرحية.
هذا علاوة على السعي إلى تدعيم هذا التعاون بشراكة استراتيجية مع وزارة التربية والتعليم إيماناً من الطرفين بضرورة المساهمة في بناء أجيال جديدة واعية وذلك من خلال تفعيل استراتيجية تنمية المسرح المدرسي في الوطن العربي خدمة للمسرح المدرسي في السودان متعلماً ومعلماً ومحيطاً اجتماعياً عبر دورات لتأهيل الإدارات المدرسية المختلفة لتهيئة البيئة المدرسية الملائمة للنشاط المسرحي.
ولم يكن لهذه السعادة أن تكتمل لإنجاز هذا الحلم لولا هذه الثلة من بنات وأبناء هذه الأرض الطيبة من نساء ورجال حملوا الأمانة المسرحية على أكتافهم بكل ما تحمله من نبل وخير وحب وساروا بها إلى الأمام رغم قساوة الظروف مدججين بالأمل في أن القادم أفضل وأن على المسرح، كما كان دائما، أن يلعب دوره الطلائعي في التغيير والبناء والتطوير. فإليكم جميعا ألف تحية وسلام.
وقبل الختام لابد من تقديم آيات الشكر والعرفان لكل من انخرط في هذا الأفق الواسع للخلق والإبداع من حكومة ومبدعين ونقاد وإعلام وجمهور ولكل من تجاوب مع هذه الرغبة الجامحة لإعادة الوهج لأبي الفنون بالسودان الحبيب، وأخص بالشكر والتقدير وزارة الثقافة والإعلام وأعضاء اللجنة العليا وإدارة المهرجان ولجان الإختيار ولجنة التحكيم وفريق العمل التنفيذي للمهرجان الذين كان لهم الأثر الكبير في الوصول إلى هذه المحطة الهامة، وكذا كل الفرق المسرحية بالتراب السوداني التي كابرت وثابرت من أجل أن تكون في الموعد.
ولأننا تعلمنا أن نبادل الوفاء بالوفاء فلا بد أن نشيد بالجهود القيمة والمتابعة الحثيثة لابن السودان الوفي لأب المسرحيين السودانيين الروحي الأستاذ والمعلم والأب الدكتور يوسف عيدابي الذي تعذر عليه الحضور لظروف مرتبطة بعمله.
فالشكر لجميع من ساهم في دعم وتثمين هذه المبادرة، وتعالوا جميعا لننشد معاً أنشودة الحياة، أنشودة التجديد والتجدد، أنشودة الخلق والإبداع، ونردد مع صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي مقولته الشهيرة (لنجعل المسرح مدرسة للأخلاق والحرية).
(المصدر: إعلام الهيئة العربية للمسرح)