نحن ازاء دراما اجتماعية بواقعية رمزية كتبت في السبعيينيات من القرن الماضي ممزوجة بفكاهة سوداء عن النزاع الاسري وعن فشل العلاقة بين الزوجين وعن محنة الانسان النزيه بالاحرى الموظف التقليدي المنتمي لزمان مضى ..عن الموظف المخلص والمتفاني في عمله والذي ينتظر الترقية وعن الرتابة والروتين والفشل في صناعة الحياة والتردد ….
نحن اذن امام تصارع قيمي ليس مع الزوجة وحسب وانما مع البنية المجتمعية وتحولاتها منذ السبعيينيات وحتى اليوم.. وطبعا ومنذ ذلك الزمن وحتى اليوم صارت هناك تحولات سياسية ومجتمعية واقتصادية حاسمة في العالم وفي مصر حيث اخرج هذا العمل ومنه انطلقت رؤيا الكاتب محمود ذياب… بل ان التغيير والتحول المجتمعي قد خضع لأيقونة هذا العصر ومحركاته الاساسية وهو هذه الثورة الاتصالية التقنية، فتبدل المجتمع وتبدلت قيمه وحتى الزواج كمشروع اسري صار التفاوض حوله الكترونيا بدءا من الاعجاب ومن ثم الحب ومن ثم الزواج كل ذلك يجري عبر الميديا والسوشيال ميديا وثمة تحولات خطيرة بعد ان تحول اقتصاد دولة مصر من النظام الاشتراكي اقتصاديا الى الانفتاح والاستثمار انذاك …
وفي هذا النص يتحول الزوج بعد سلسلة احباطات ومخاوف وتهديدات من ترقيات العمل وتاخرها ومن احوال الشركة ومصاعبها ومن صبره على اهانات زوجته وصبر زوجته عليه كذلك الفراغ والانتظار اللذان يجعلاه يمضي الوقت لانتظار جاره ضابط الشرطة ليلعب معه البوكر او الكوتشينة ..هذا الموظف المخلص والنزيه يتعرض للاهانة على يد زوجته بسبب تردده وخوفه وعدم فاعليته وعدم وجود طفل يملا عليهما حياتهما فتقول له زوجته انت مهرج وجبان …لكنه بعد حين يصرخ ويقول :في هذا العصر لايكون الانسان فارسا الاوبيده قنبلة حيث تحول النص والعرض معا في لحظة وصول الطرد على شكل صندوق وفيه جثة بلا راس ثم لاحقا طرد ثاني وفيه الراس فيدخل الزوج في حالة هياج وهذيان وهنا ولاول مرة وبعد تردد وخوف يقرر المواجهة والمقاومة ويذهب الى مركز الشرطة للابلاغ عن الجثة وكانه يبلغ عن جثته هو وعن نفسه واحباطاته …..
وهنا نتسائل، هل ان المخرجة سماح السعيد قد توصلت الى المغزى الشعري ورمزيته في هذا النص لتحوله الى بنية مجاورة تكسر يقين السرد..؟
أقول نعم. ولكن كيف عالجت هذه الرمزية في نسق العرض؟ هذا هو المهم. فالفكرة مهمة في العرض، لكن الاهم هو كيفية معالجتها فلو اخذنا النسق الادائي سنكتشف انه يميل الى الواقعية التي درجنا عليها في العروض المصرية التواصلية المالوفة لدينا، من خلال اداء الممثلين ومن علامة الزي الشعبي في حين ان النسق النصي يحتل المساحة الابرز في اشتغال المخرجة واظن ان ثمة زواج كاثوليكي بين المؤلف والمخرجة اذ هي كما هو واضح من سياق العرض قد اكتفت بتفسير النص واخلصت له …وفي المعادل الصوري اكتفت ب ديكور لبيت محلي تقليدي كمقطع عرضي للبيت شباك وابواب وكراسي وصناديق فضاء استاتيكي غير منتج كما ان الاضاءة كاشفة فيضية لاوظيفة لها في هذا الجو النفسي المتوتر …..
وبشكل اوسع فالمنظومة السمعية اكتفت بالملفوظ وحققت ايقاعا سمعيا هو بديل عن المعادل البصري الميال الى الثبات والاستقرار والتوتر الهاديء
واظن ان مثل تلك المعالجة في تقديم الملفوظ وبناءه لايختلف عن مسرحيات شويكار وفؤاد المهندس حيث اطلالة الممثلين ومحبة الجمهور لهم هو العامل الحاسم في التواصل والتفاعل وبناء عرض اقرب للجماهير
تحية للجهود المبذولة في ايصال رسالة العرض واهدافه، تحية لمصر وشعبها ومسرحها .
قراءة العرض كاظم النصار
مهرجان اربيل الدولي للمسرح من 10الى 16/12