من بين ما يزيد على 600 عرض مسرحي عربي تميز نحو 50 عرضا لمخرجين ومخرجات من تونس وسوريا والمغرب.
شهد المسرح العربي خلال سنة 2018 تطورا هاما خاصة من حيث عدد الأعمال المقدمة، ودخول مسارح جديدة إلى دائرة الفعل المسرحي المؤسس، مثل المسرح الخليجي، وعودة الألق إلى المسرح المصري، بعد غرقه سابقا في التجارية، ويبقى العنوان البارز هو الحضور اللافت للمسرح التونسي والمغربي والسوري، وهي مسارح تعتبر الأكثر عراقة عربيا. وساهمت في هذا الحراك المسرحي عوامل عديدة لعل أبرزها وفرة المهرجانات واهتمامها بالتجديد النوعي.
حافظت العروض المسرحية التونسية، التي قدّمت خلال العام 2018، على تصدرها إبداعيا للمشهد المسرحي العربي، فكان لها حضور بارز في العديد من المهرجانات المسرحية، سواء تلك التي شاركت في المسابقات الرسمية، وحازت على أغلب الجوائز الرئيسية المخصصة لأفضل عرض متكامل، أو أفضل إخراج، أو ما يعادلهما من جوائز ذات تسميات مختلفة، أو التي عُرضت خارج المسابقات، مثل عرض “خوف” للفاضل الجعايبي وجليلة بكار، “ثلاثين وأنا حاير فيك” لتوفيق الجبالي، “ذاكرة قصيرة” لوحيد العجمي، “جويف” (يهودي) لحماد الوهايبي، “الشقف” لسيرين قنون ومجدي أبومطر، “الرهوط” لعماد المي، و”فريدم هاوس” للشاذلي العرفاوي.
أما من البلدان العربية الأخرى، فقد تميز، من بين ما يزيد على 600 عرض مسرحي، نحو 50 عرضا لمخرجين ومخرجات من سوريا والعراق والأردن ولبنان ومصر والمغرب والإمارات والبحرين وفلسطين، نذكر منها، تمثيلا لا حصرا، العروض السورية “تصحيح ألوان” لسامر محمد إسماعيل، “حفلة على الخازوق” لزيناتي قدسية. والعروض العراقية “تقاسيم على الحياة” لجواد الأسدي، “رائحة حرب” لعماد محمد. كما نجد العروض الأردنية مثل “سلالم يعقوب” للحاكم مسعود، “قالب كيك” لمجد القصص.
كما تميزت العروض اللبنانية “حرب طروادة” لروجيه عساف، “وهم” لكارلوس شاهين، “حكي رجال” للينا خوري، والعروض المصرية “الطوق والأسورة” لناصر عبدالمنعم، “سنووايت” لمحسن رزق، “دراما الشحاذين” لمحمد الرخ. والعروض المغربية “الخادمتان” لجواد الأسدي، “صولو” لمحمد الحر، “الخريف” لأسماء هوري وغيرها.
ومن العروض التي تميزت هذا العام أيضا المسرحيات الإماراتية “غصة عبور” لمحمد العامري، “الذاكرة والخوف” لسعيد الهرش، والعرضين الفلسطينيين “مروّح ع فلسطين” للبرتغالية ميكائيلا ميراندا، و”من قتل أسمهان” لنزار زعبي.
لكن مراجعة جميع هذه العروض أمر مستحيل في مقال لصحيفة يومية، لذا لا بدّ من الكتابة عن عدد منها في سياق الوقوف على حصاد المسرح العربي لعام 2018.
تفوق تونسي
يستكمل الثنائي فاضل الجعايبي وجليلة بكار، بعرض مسرحية “خوف”، إنتاج المسرح الوطني التونسي، وأداء فاطمة بن سعيدان ونعمان حمدة ولبنى مليكة ومروى المناعي وغيرهم، ثلاثية ما آل إليه واقع المُجتمع في تونس بعد الثورة، وقد كان العرض الأول بعنوان “تسونامي” (2013)، والثاني بعنوان “عُنف” (2015).
من عمق الصحراء تهبّ عواصف رملية تغزو البلاد وتدفن المباني والعباد تحت كثبان الرّمال. مخيّم كشّافة صغار يرافقهم قدماء ينجو منهم عشرة من الهلاك فيحتمون بأطلال مستشفى مهجور فارّين من خطر الموت، لكن مصيرهم يتغير بعد تلاشي قيم التآخي والتضامن، وبعد طغيان الجوع والعطش.
رصد الجعايبي وبكار في هذا العرض انسداد الأفق، والهلع الذي أصاب التونسيين بعد صعود الإسلاميين، الذين استباحوا تونس، حيث لا نرى على المسرح إلا شخصيات مشوهة متصارعة.
أما المخرج عماد المي فقد عمد إلى تشريح أفكار خلناها تحظى بهالة من القداسة والفهم الواحد والمعنى الواحد، مثل فكرة الحقوق وفكرة الوطن والبيانات والمواثيق الرسمية التي اعتقدنا لسنوات طويلة أنها غير قابلة للشرح والتفسير والتأويل.
وقد فاز العرض التونسي بالجائزة الذهبية لمهرجان الأردن المسرحي في نوفمبر الماضي. كما فاز عرض “ذاكرة قصيرة” للمخرج التونسي وحيد العجمي بجائزة أفضل عمل متكامل من مهرجان أيام قرطاج المسرحية الذي أسدل الستار على دورته العشرين.
ومن العروض التونسية الهامة كذلك نجد مسرحية “فريدم هاوس” نص وإخراج الشاذلي العرفاوي وتمثيل كل من محمد حسين قريع وشاكرة الرماح ومنى التلمودي وعبدالقادر بن سعيد وشكيب الرمضاني ومنصف بن مسعود.
“فريدم هاوس” كوميديا فانتازية سوداء تروي قصة جنرال عسكري قرر القيام بانقلاب مبكر على النظام السياسي القائم قبل بقية الطامعين في السلطة، لكن منظومة الحكم كانت قوية فعاقبته عقابا شديدا، بإدخاله إلى مستشفى الأمراض العقلية، متهمة إياه بالجنون.
العودة إلى الكلاسيكيين
لم يجد روجيه عساف أفضل من أن يستحضر أساطير الدم اليونانية مجسدة في مسرحيات ثلاث هي “إيفيجينيا في أوليس” و”الطرواديات” ليوريبيدس، و”أجاممنون” لإسخيليوس، ليركّب منها عرض “حرب طروادة”، الذي عرضه في مسرح دوّار الشمس ببيروت، بأداء 12 ممثّلا شابا، منهم جوزف زيتوني، فاطمة الأحمد، نزهة حرب، هادي دعيبس، ماريليز عاد، ساني عبدالباقي، بشارة عطا الله، عبدالرحيم العوجي، وأحمد غزال، ويمعن من خلاله في تشريح تلك الأساطير وإسقاطها على أحداث زمننا العربي الدموي الفادح، الذي يصعب على أي كاتب لملمة أشلائها في نص درامي واحد.
ويسلّط العرض البصري الأردني “سلالم يعقوب”، للحاكم مسعود، وإنتاج كوارتز الدولية للإعلام، الذي فاز بثلاث جوائز في مهرجان “رم” المسرحي بعمّان، ويتكون العرض من مشاهد متتالية مكثفة تحكي قصة يعقوب، وتقطعها حوارات مختزلة تؤكد وتعزز الفعل المسرحي، والأداء المتقن القائم على لغة جسد عالية التقنية ومنفعلة كما لو كانت تجمع كل الثقافات في رداء واحد، لتشرح قصة يعقوب والعلم، وحالة السلب التي تعرض لها في خضم التحديات المحيطة.
في تجربته الإخراجية الجديدة لمسرحية جان جينيه الشهيرة “الخادمتان” مع الممثلتين المغربيتين جليلة التلمسي ورجاء خرماز، التي عرضها في مهرجان طنجة الدولي للفنون المشهدية، أحسّ جواد الأسدي بأنه كما لو كان يخرج النص للمرة الأولى وذلك للجهد المخلص والمثابر الذي قام به الفنانون تمثيلا وسينوغرافيا وتأليفا
موسيقيا وترويجا إعلاميا وتنظيما، والحضور الكثيف للمسرحيين والفنانين والإعلاميين المغاربة والتلفزيون المغربي بمتابعته للتجربة.
يروي العرض قصة خادمتين (كلير، وسولانج) تتسللان ليلا إلى حجرة سيدتهما، وتقومان بسرقة ملابسها وزينتها وأحذيتها تمهيدا لقتلها. ويركّز العرض على موضوع السيد والعبد من خلال تصعيد شعري للجمل الحوارية التي ينشئها الصراع.
من العروض البارزة هذا العام كذلك مسرحية “وهم” من إعداد وإخراج روجيه عسّاف، وتتحدث عن الحب بلا مواربة، طارحة مجموعة من الأسئلة الصعبة من خلال أربعة أصدقاء، ثم تتوالى المفاجآت بعد ذلك.
قصة العرض تجريبية أرادها صاحب النص الأصلي، المخرج والكاتب والممثل الروسي إيفان فيريبايف، قصة تخلط المباشر الواقعي بالمتخيّل والمتذكّر.
المسرحية، مستوحاة من التراجيديات اليونانية، ويقدّمها عساف بكتابة جديدة تتناسب مع الزمن الذي نعيشه، وكان قد قال في مقابلة سابقة لـ”الجمهورية”، إنّ “المسرح اليوناني غنيّ بشكل يناسب كلَّ الظروف، خصوصا هذا الموضوع بالذات”.
مسرح اجتماعي
من العروض الهامة كذلك نجد العرض السوري “امرأة وحيدة” المأخوذ عن نص عالمي لداريو فو وفرانكا راما، والذي سبق وأن قدّم على منصة المسرح السوري عام 2010 من إخراج الفنانة السورية أمل عمران وأداء الممثلة ناندا محمد.
فكرة المسرحية تتحدث عن سيدة تركها زوجها لضربات الزمن، من خلال الظروف التي تحيط بها، ليبدأ طرح الأسئلة عن المسؤول عمّن وضع المرأة في هذه الحالة؟ المجتمع، الرجل، الدين، الضعف، الحاجة… فمن ناحية يحاصرها الفراغ الذي سببه الزوج والإحساس بالوحدة، وكذلك العوز المالي والديون التي تتفاقم عليها يوما بعد يوم.
كما قدمت مسرحية “الطوق والأسورة” المصرية ضمن فعاليات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي على مسرح السلام كعرض اختتامي. ومسرحية “الطوق والأسورة”، مأخوذة عن رواية ليحيى الطاهر تحمل نفس العنوان، وقد قام الدكتور سامح مهران، بصياغتها لتناسب الشكل المسرحي، بينما أخرجها ناصر عبدالمنعم. تدور أحداث المسرحية حول فهيمة الشابة الفقيرة الحالمة، وتلعب دورها مارتينا عادل، (وهي ممثلة شابة حصلت مؤخرا على جائزة أحسن ممثلة صاعدة في المهرجان القومي للمسرح)، تتزوج من الحداد (يلعب دوره الفنان نائل علي)، ولكن هذا الزواج لا يثمر أطفالا، لأن الحداد رغم بنيته القوية يعاني من العجز الجنسي، ولكنها تموت في نهاية المسرحية كنهاية حتمية لشابة عاشت القهر والهوان وفقدان الأمل.
وفي سياق مشروعه المسرحي التجريبي، الذي بدأه منذ ما يزيد على عقدين، عرض المخرج المسرحي البحريني عبدالله السعداوي مسرحية “منزل فوق غيمة” في الصالة الثقافية بالمنامة، وهي من تكييف حسين عبدعلي عن راوية بالعنوان نفسه للقاص والروائي البحريني محمد عبدالملك.
يقتحم السعداوي في هذه التجربة المسرحية، من خلال علاقة زوجين انطفأت جذوة الحب بينهما بسبب ضغوط الحياة العصرية، عالما سرديا مونولوجيا مركبا، وموغلا في تفاصيل ودقائق الذات المثقلة، والمتورطة بأعباء الشك والهزيمة، والعزلة الفادحة، والقلق المأزوم بمتاهات هذه الذات.
واقع الأوطان
كما قدم المخرج العراقي عماد محمد عرض مسرحية “رائحة حرب” على مسرح السلام في القاهرة، ضمن فعاليات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبى والمعاصر. مسرحية اشترك في تكييف نصها الكاتبان مثال غازي (من العراق)، ويوسف بحري (من تونس) عن رواية “التبس الأمر على اللقلق” للروائي الفلسطيني أكرم مسلّم.
تطرح المسرحية فكرة الالتباس السياسي والديني والاجتماعي في المجتمع العراقي والعربي، وما حدث لاحقا من حروب وتطرف وإرهاب جاءت نتيجة لهذا الالتباس. بمعنى أن كاتبيها التقطا فكرة الالتباس فقط من الرواية، وتجاوزا كل التفاصيل التي تسردها، باستثناء ما يتعلق بحادثة قتل الجدّ لزميل له في الجيش.
تعديلات عديدة طالت نص عرض المسرحية، وينتهي العرض بنزول ثلاث شاشات تحمل صور الدماء والقتلى والضحايا، بينما يقف الجَدّ في المنتصف، ويقرر الحفيد والجدة الفرار.
ومن العروض التي تعالج الواقع العربي أيضا العرض المسرحي التونسي الكندي “الشقف”، الذي يتناول قضية الهجرة.
يدور عرض “الشقف” (وكلمة الشقف تعني باللهجة التونسية الدارجة المركب البائس)، فوق قارب صغير تتقاذفه الأمواج في رحلة بحرية خطيرة، يلخص ثمانية أفراد عرب وأفارقة خلالها الأوضاع الدامية والقمعية التي تتهددهم في بلادهم، لتبدو هجرتهم غير الشرعية فرارا من اغتيال معنوي باتجاه ضفة موت آخر.
العمل كان حلما للمسرحي والمخرج التونسي عزالدين قنون بأن يقدم مسرحية تتناول قضايا اللاجئين والمهاجرين بما تحمله من حكايات ثرية مشحونة بالآلام والآمال والخلفيات الإنسانية والمجتمعية الحاشدة، وعلى الرغم من أن الموت لم يمهله برحيله في عام 2015، فإن حلمه قد تحقق ورأى النور من خلال عرض “الشقف”، من تأليف وإخراج ابنته سيرين قنون، واللبناني الكندي مجدي أبومطر. ومن المسرحيات الهامة كذلك نجد مسرحية «الذاكرة والخوف» للإماراتي سعيد الهرش التي فازت بجائزة أفضل عرض متكامل، وبجائزة أفضل ممثلة، (لبنى حسن) وجائزة أفضل ممثل ( محمد جمعة علي) وجائزتي أفضل «سينوغرافيا» و«إخراج» (سعيد الهرش).
مسرحية «الذاكرة والخوف» للمخرج سعيد الهرش، هي نص معد من مسرحية «الملك لير» للكاتب الإنكليزي وليم شكسبير. والمسرحية هي قصة ملك يقرر بعد أن تقدم به العمر وأصبح في حدود الثمانين أن يقسم مملكته بين بناته الثلاث، وأن يعطي لكل واحدة منهن بمقدار حبها له.
خلال ذلك يجد المشاهد نفسه أمام وطن يستهان به من حاكمه فيورّثه إلى بنتيه فيما ترفض الثالثة مؤكدة أن الوطن لا يقبل التقسيم.