صراع الأجيال، صراح المستقبل والماضي صراع الذاكرة والرغبة في التجديد، صراع وتشتت وتلظّ
هو سمة مسرحية «البيت» للمخرجة كارولين حاتم من لبنان، عمل يغوص في تفاصيل الحياة اليومية التي نعيشها ومنها اخرج عملا مسرحيا دراميا بسيطا وناقدا لمواضيع الإرث والعادات والتقاليد والعنوسة.
«البيت» مسرحية تجمع الهزل والجدّ تناقش فكرة الاسرة وسهولة تفككها عند التصادم والصراع وشارك في تقديمها كلّ من يارا أبو حيدر وجسي خليل وطارق يعقوب.
الزواج؟ العادات؟ هل هما سرّ قوة المرأة؟
تعيقنا التقاليد، تكبلنا الذكريات، تتحكّم فينا كلمات «العيب» و«الحرام» و»الحياء»ّ والمجتمع وكلّ الأفكار المسبقة، لأننا نساء فالكلّ ينظر الينا بعين الاتهام، الجميع يتّهمنا بجرائم الشرف و التهوّر و الخروج عن الملة، حتى قتل الوالدين وان كنّا طفلات لا نفقه شيئا، هكذا تصرخ الممثلة بالتلميح حينا وبالتصريح أحيانا لتنقد المجتمع اللبناني ومنه كلّ المجتمعات العربية فحتّى ان اختلف الدين او الطائفة او العرق تبقى النظرة للمرأة عينها.
منزل عتيق تدور فيه الحكاية، ثلاثة اخوة، بنتان وولد، يختلفون حدّ التناقض، يتصارعون لأجل فرض سيطرة «الانا» وفكره على البقية، اول صورة تتمثل في اشعال نادية لشمعة الأربعين بعد وفاة الام ثمّ ينطلق الصراع في الخطاب بين الاختين صراع أساسه اختلاف في طريقة التفكير.
أولى الاختلافات تتجسّد في اللباس فنادية الكبرى (يارا أبو حيدر) لازالت تلبس اسود الحداد على أمها في حين لبست ريم (جسي خليل) المتردة الألوان واستعدت للخروج و السهر، ثانيها بقاء نادية طيلة عمرها مع والدتها رغم اختناقها من كثرة المشاكل مقابل ريم التي استقرت لوحدها لتتنفس وتبحث عن منافذ أمل جديدة، ثالث الاختلافات احترام نادية لشعائر دينها المسيحي الذي يمنعها من إقامة علاقة حبّ مع شاب من دين او طائفة أخرى، في المقابل ريم احبت شيعيا وتحدّت كلّ الأعراف الدينية.
خطاب الاختين يكشف الكثير من التناقضات التي تعيش على وقعها المرأة اللبنانية والعربية، تناقضات تكبّلها عن الحياة أحيانا، تناقضات وعوائق باسم العادة و العرف والدين تصل إلى حدّ الشقاق بين الاخوة وصراعهم لإثبات صحة موقف «الانا» امام الاخر.
نادية تمثل الماضي وريم تمثل المستقبل، صراع بينهما صراع الذكريات و الرغبة في التجديد، صراع ابدعت في تجسيده الممثلتان اذ تركت لهما المخرجة كامل الفضاء للعب الدرامي، كلّ تقمصت الشخصية والبستها من روحها لتقنع المتفرج، كلّ منهما على حق فلكلّ منهما وجهة نظر واختلافهما هو اختلافنا جميعا في بيوتنا وافكارنا واوطاننا، اختلاف في الفكرة أدى الى صراع بين الشقيقتين في المحاكم و الأوراق صراع ربحته ريم بعد صدور قرار من الدولة بهدم البيت ليتضح نهاية العمل ان الشقيقة الصغرى هي من اعادت فتح الملف لأنها تريد طمس كل ذكريات الماضي وتحرير شقيقتها من قيود الذكريات.
بين صورة الفتاة الخانعة الطيعة والأخرى المتمردة الرافضة تدور الحكاية، بين امرأتين لم تتزوجا وواحدة تعتبر ذلك عاديا والأخرى تراه فشلا تمرر بعض الشيفرات والرسائل لتدعو المرأة للعيش والانطلاق الى الحياة فوحدها تصنع سعادتها والزواج ليس ترياقا للسعادة الازلية.
هل يصنع الحياد وطنا؟
محايد لا يريد المشاكل، فقط العيش بسلام بعيدا عن صراعات اختيه ونقاشاتهما المتواصلة، جدّ محايد لا يفكر بشيء عدا راحة باله وهدوئه النفسي، شخصية لأخ سلبي (طارق يعقوب)، وحيد والديه بعد بنتين دلال ولا شيء اخر، هو انموذج عن الكثير من رجال بيروت والرجال العرب عموما، يبحث عن مصلحته دون الرغبة في خوض المعارك او النقاشات، يدعي حبّ الجميع والانصياع للجميع؟
شخصية مركبة أبدع تجسيدها الممثل طارق يعقوب
الشخصية الذكورية السلبية انموذج عن ظاهرة منتشرة في كل الارجاء ظاهرة سيطرة المرأة وجرأتها امام تراجع الرجال عن المواقف السيادية وعدم رغبتهم في الخوض في الشأن العام، في المسرحية ريم تأخذ المبادرة تدافع عن حقها تشتكي الى المحكمة تتحدث عن ذكريات مازالت تحرقها بينما شقيقها «ما بدّي مشاكلكم ولا راح أكون بينكم» كما يقول هو فقط يريد ان يعيش ، فهل يصنع الحياد استقرار؟ هل يصنع الحياد قرارات جريئة وهل يصنع الحياد وطنا؟
في «البيت» الديكور يحيل المتفرج الى بيت تقليدي، زينة بسيطة وضوء خافت وموسيقى حسب الحالات النفسية للشخصيات، السينوغرافيا لم تكن عنصرا بارزا في العملية امام المساحة الأكبر للمثلين ولعبهم الدرامي، عمل يقترب من المتفرج ويحاول اختراق ذكرياته ليتساءل عن موقعه وعمّا يريده هل الاستسلام، ام خوض كلّ حروب الحياة..
_______________
المصدر / المغرب
موقع الخشبة