العرض المسرحي “امرأة وحيدة” ينتمي إلى شكل المونودراما وهو الأصعب فنيا، لكونه يحمّل الممثل الواحد مسؤولية تقديم العرض كاملا
المرأة، ربما تبدو كلمة تجنيسية فقط عند البعض، لكن هذا الدال يكثف بقوة مدلولا يفتح المخيلة واسعة، فالمرأة أكثر من واحد، بأكثر من وظيفة، بأكثر من جوهر وصفة، بأكثر من قدرة على استثارة المخيال، سواء نحو المادي أو الأخلاقي والفكري والجمالي خاصة. ومن هنا فإن المرأة ستبقى موضوعا فنيا ثريا للرسامين والموسيقيين والشعراء والمسرحيين والسينمائيين ولكل الفنون.
بروح من الرغبة في تقديم المختلف والجريء فنيا، يقدم صناع العرض المسرحي “امرأة وحيدة” عملهم المسرحي المأخوذ عن نص عالمي لداريو فو وفرانكا راما، والذي سبق وأن قدّم على منصة المسرح السوري عام 2010 من إخراج الفنانة السورية أمل عمران وأداء الممثلة ناندا محمد. ينتمي العرض إلى شكل المونودراما وهو الأصعب فنيا، لكونه يحمّل الممثل الواحد مسؤولية تقديم العرض كاملا، فهو الممثل الوحيد الذي سيظهر على المنصة وسيكون بكل مونولوجاته وحركاته وسكناته موضع متابعة من الجمهور لإيصال فكرة النص.
عوالم المرأة
فكرة المسرحية تتحدث عن سيدة تركها زوجها مطرحا لضربات الزمن، من خلال الظروف التي تحيط بها، ليبدأ طرح الأسئلة عن المسؤول عمّن وضع المرأة في هذه الحالة؟ المجتمع، الرجل، الدين، الضعف، الحاجة… فمن ناحية يحاصرها الفراغ الذي سببه الزوج والإحساس بالوحدة، وكذلك العوز المالي والديون التي تتفاقم عليها يوما بعد يوم، وكذلك المشاعر القديمة التي كانت تكنّها لشاب تعرفه سابقا. في ظل هذه الظروف تعيش السيدة هواجس مرعبة، تضعها للحظات في مهب الريح أمام مواجهة موجات من الألم.
قطبا المسرحية الأساسيان هما المخرجة الفنانة الشابة نسرين فندي والفنانة أمانة والي. التي تشغل حاليا وظيفة مدير المسرح القومي في دمشق. نسرين فندي، التي تخرجت من المعهد العالي للفنون المسرحية عام 2004، وقدمت في ما سبق عرضا مسرحيا واحدا على صعيد الإخراج، تقدّم في هذا العرض جهدا عميقا في معالجة موضوع هام، تتوجه من خلاله نحو موضوع يشغل بالها منذ فترات طويلة كما تقول، لكونها عرفت النص منذ سنوات وقررت منذ ذلك الوقت أنها ستقوم بإخراجه للمسرح. وهي الفنانة التي لم تسرقها أضواء السينما والتلفزيون من شغفها وتوجهها الأول في الفن وهو المسرح، الذي لم تغب عنه خلال سنوات حياتها الفنية.
عن تناولها فن المونودراما الصعب فنيا تقول “لا شك أن فن المونودراما صعب، ويتطلب مهارات خاصة يجب أن يتمتع بها المخرج والممثل معا، لكنه في النهاية فن ممكن، وبالكثير من الجهد والتمرين يمكن تحقيق النتيجة المرغوب فيها، وهذا ما قمنا به في عرضنا، فقد قدمنا العرض بعد جهد كبير وبروفات طويلة، أزلنا الخوف بدواخلنا من هذه التجربة وعملنا بعزم إلى أن وصلنا إلى النتيجة المطلوبة والتي نأمل أن تحقق نجاحا للعمل، المونودراما فن صعب لكنه جميل ويحمل خصوصية تجعله مرغوبا فيه من الكثيرين”.
في العرض توجهٌ نحو المرأة بعوالمها الداخلية والفضاءات التي تحيط بها في مكابدتها للمصاعب التي تعيشها. عن ذلك تقول نسرين فندي “عرضنا يعالج العوالم الداخلية التي تواجهها المرأة، فيه غوص نحو أعماق المرأة بتحولاتها الإنسانية المختلفة، بمشاكلها وهمومها اليومية، كالحب والأمومة والحالات المختلفة التي تعاني منها عبر سني حياتها، المرأة مخلوق حساس ويمتلك الكثير من المشاعر والأحاسيس التي يمكن الحديث عنها في العديد من الأعمال الفنية المختلفة، ونحن حاولنا من خلال العرض أن نرحل عميقا في داخلها كي نستخرج بعضا من هذه الهواجس ونقدمها إلى الجمهور في إطار مسرحي محدد”.
في العرض توجه نحو المرأة بعوالمها الداخلية والفضاءات التي تحيط بها في مكابدتها للمصاعب التي تعيشها
عن طموحاتها الفنية من خلال هذا العرض والمآلات التي تهدف إلى تحقيقها تبين فندي “من خلال الموضوعات العميقة والحارة التي قدمناها في العرض، أتمنى أن نكون قد حققنا فيه ما هو مهم وواقعي وحقيقي، ويهم الناس العاديين، فموضوع تفاعل الناس مع العرض في الحد الأوسع مطلوب وأساسي، ونرجو أن نكون قد وصلنا إليه، الجمهور ذكي ويعرف ماذا يقدم وقبله ماذا يريد. البعض يصنف هذا العمل على أنه تمتع بجرأة الطرح والشكل، أنا أرى أنه ليس الوحيد الذي ذهب في هذا الاتجاه، هنالك العديد من العروض التي طرحت هذه المواضيع ومن خلال معالجات إبداعية قدمت فيها رؤى حديثة، كان لها من خلال ذلك تحقيق التفاعل الجماهيري”.
الفن الصامد
الفنانة أمانة والي التي شخصت هذه المرأة، وعرضت مواجعها وآمالها تقول في اتجاهها نحو تقديم عمل مونودراما صعب “شخصيا لا أميل إلى أدوار المونودراما، لكنها تبقى بالنسبة إليّ نمطا أحترم وجوده وأقدر صعوبته، النص أعجبني وأحببت أن أقدم هذه الشخصية التي تحمل في داخلها الكثير من الهواجس التي تعاني منها المرأة، بدأنا العمل بعزم وبعد العديد من التمارين والعمل الدؤوب وصلنا إلى حلول نراها جيدة”.
المسرح كما تراه الفنانة والي هو الفن الذي يبقى صامدا مع مرور الزمن ولا يمكن أن يرحل، فهو الناطق باسم الناس وأحاسيسهم وأحلامهم، وهي ترى أن “المسرح هو الأقدر على تحمّل مسؤولية طرح الأفكار الإنسانية العليا وتحقيق صيغة تفاعل جماهيري كبرى مع الجمهور الذي يستطيع الاحتفاظ به مع مرور الزمن نتيجة استمراره بتقديم المزيد من الأفكار التي تهم هذا الجمهور، ونحن في المسرح القومي نؤكد على إتاحة الفرصة للجميع لتقديم رؤاهم الفنية، خاصة فئة الشباب، حتى نستفيد من أفكارهم الجديدة ونؤمن لهم حاضنا إنتاجيا محترما”.
في مسرحية “امرأة وحيدة” كان فريق العمل كله من النساء، بداية من مرح سعيد كمخرج مساعد، وريم محمد في الإضاءة، وديكور سلمى حويجة، وأزياء سهى العلي. إضافة إلى بطلته أمانة والي ومخرجته نسرين فندي، وهو من إنتاج مديرية المسارح والموسيقى بوزارة الثقافة السورية.
_______________
المصدر / العرب
موقع الخشبة