عواد علي – العرب – مجلة الفنون المسرحية
شكّل فوز عدد من المسرحيين الشبّان بجوائز أهم المهرجانات والمسابقات المسرحية العربية، في العام 2017، مؤشرا إيجابيا على أن جيلا مسرحيا جديدا بدأ يفرض حضوره الإبداعي على المشهد المسرحي العربي، بعد سنوات من تربع الأجيال السابقة عليه.يبدو أن ما حدث في أيام قرطاج المسرحية، ومهرجان المسرح العربي، والمهرجان القومي للمسرح المصري، والدورة العاشرة لمسابقة النص المسرحي الموجه للكبار، التي نظمتها الهيئة العربية للمسرح دليل على أن خارطة المسرح العربي بدأت تتغيّر أخيرا لصالح جيل مسرحي جديد.
وقد حصد في المهرجان الأول مسرحيان (علي دعيم من العراق، ووفاء طبوبي من تونس) جائزة أفضل إخراج مناصفة، ونال مسرحيان من سوريا (نوار يوسف وسامر عمران) ومسرحيان من المغرب (آمال بن حدو، وسعيد الهراسي) جائزة أفضل تمثيل نسائي ورجالي مناصفة أيضا، وتقاسم أيضا شادي دويعر (من سوريا) والرزقي ملال (من الجزائر) جائزة أفضل نص مسرحي.
“المسرح بين التراث والمدينة” من أبرز الندوات الفكرية حول المسرح التي نظمها مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي
الكلمة للشباب
في الدورة التاسعة لمهرجان المسرح العربي التي نظمتها الهيئة العربية للمسرح في الجزائر ذهبت جائزة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عمل إلى مخرجة مغربية عن عرضها “خريف”، وفاز بالجائزة الأولى لمسابقة النص المسرحي الموجه للكبار كاتب شاب من العراق عن نصه “النافذ”.
كما سجّل المسرح العربي في هذا العام حضورا لافتا للمرأة، إخراجا وتأليفا وتمثيلا، فإضافة إلى الأسماء النسائية التي مرّ ذكرها تألّقت التونسية جليلة بكار إلى جانب زوجها الفاضل الجعايبي في إبداع عرض “الخوف”، والمؤديات في العرض نفسه فاطمة بن سعيدان ولبنى مليكة ونسرين المولهي ومروى مناعي.
كما تألقت أيضا المخرجة المصرية شيرين حجازي في إخراج العرض المسرحي الراقص “يا سم”، الذي فاز بالجائزة الفضية لمهرجان المسرح الحر في الأردن، والممثلة التونسية هناء شعشوع التي توّجت بجائزة أفضل ممثلة في المهرجان نفسه، والممثلتان المغربيتان فريدة بوعزاوي وسليمة مومني في عرض “خريف”، والمخرجة الأردنية مجد القصص في عرضها “أوركسترا” الذي كتبت نصه الروائية سميحة خريس، وكذلك ممثلات العرض: نهى سمارة وبيسان كمال وسارة الحاج ودعاء العدوان وميس الزعبي.
دور النشر العربية أصدرت أكثر من 50 كتابا عن المسرح وآفاقه، مبرزة دور الرواد في تفعيل الشغف المسرحي لدى الجمهور
وتألّقت أيضا الممثلة الأردنية سوزان البنوي في عرض “شواهد ليل” للمخرج خليل نصيرات، والممثلتان المغربيتان جليلة التلمسي ورجاء خرماز في عرض “الخادمتان” لجواد الأسدي، والممثلتان العراقيتان سوسن شكري وبشرى إسماعيل في عرض “خيانة” لجبار جودي، والممثلات التونسيات الثلاث نادرة التومي ونادرة ساسي وفاتن الشوايبي في عرض “أرامل” لوفاء طبوبي، والممثلة العراقية آسيا كمال في عرض “وقت ضائع”، والممثلة الإماراتية ميرة في عرض “البوشية” لمرعي الحليان.
وشهد العام 2017 أكثر من 50 مهرجانا مسرحيا محليا وإقليميا وعربيا ودوليا، منها: الدورة الـ24 لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي، والدورة التاسعة لمهرجان المسرح العربي في الجزائر، والدورة الـ19 لأيام قرطاج المسرحية، ومهرجان المسرح العربي في صفاقس (تونس)، والدورة الـ13 لمهرجان طنجة (المغرب) الدولي للفنون المشهدية، والدورة الـ12 لمهرجان فاس الدولي للمسرح الاحترافي والدورة الـ27 لأيام الشارقة المسرحية وغيرها.
ومن أبرز الندوات الفكرية حول المسرح التي نُظمت عام 2017، ندوة فكرية في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي بعنوان “المسرح بين التراث والمدينة”.
ندوات وإصدرات
تضمنت الندوة الفكرية لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي ثلاثة محاور أساسية هي: المحور الأول “التراث هل هو خاص بالريف أم المدينة؟”، ناقش أفكارا تتمحور حول مفهوم التراث من خلال عدّة نقاط: المأثور والتراث، تفجير الأطر التقليدية، مجتمعات الإجماع ومجتمعات الصراع، ترييف المدينة، أما المحور الثاني فعني بـ”خطاب المسرح بين الغياب والحضور: البعد الفلسفي للمسرح”، وركّز على الخطاب في المسرح بين الغياب والحضور كمدخل للتعرض إلى مشاكل الهوية.
في حين تعرّض المحور الثالث لـ”أشكال المسرح المعاصر وقضية المعنى”، واهتم بأشكال المسرح المعاصر وتحوّلاته التي بدأت فى التبلور بداية من فاغنر وحتى يومنا هذا، عن طريق مناقشة تجاوز دور الكلمة في صياغة المعنى في المسرح المعاصر، والمسرح الجسدي والتحايل على الفرضيات الثقافية السائدة، والتعامل مع الجسد في نظريات الإخراج المعاصرة وتفكيك الفرضيات الثقافية السائدة في المسرح المعاصر.
عقد مهرجان أيام قرطاج المسرحية ندوة بعنوان “موقع النقد في الحياة المسرحية اليوم وغدا”، توزّعت على محاور: النقد المسرحي في جوهره وتحوّلاته من ناحية الموروث والمؤسسات والأدوات (الوسائط التقليدية والحديثة)، وصور التلاقي والتباعد بين النقـد الأكاديمي القائم على التحليل والتأليف والنقد الفني المتابع للأعمال المسرحية والمقوّم لها، والنقد المسرحي والحياة المسرحية، ومواصفات الناقد المسرحي المنشود (ما يتعلق بـمسألة المعرفة والتكوين)، وكيفية التعامل مع الأثر المسرحي وأصحابه.
وناقشت الندوة العلمية لمهرجان طنجة الدولي للفنون المشهدية ثيمة “الأشكال المسرحية المهاجرة”، وجاء اقتراح هذا الموضوع للنقاش انطلاقا من كون المسارح تُعدّ ملتقيات طرق لثقافات العالم المتعددة، ونقاط التقاء تلعب فيها الحركية والترجمة أدوارا هامة في تناسج ثقافات الفرجة وفي البيئة الثقافية؛ ذلك أن المسارح فضاءات بينية للاحتكاك الثقافي، تسهم في بروزها كل من الأمكنة التي تلتقي فيها الثقافات المهاجرة.
وخصص ملتقى الشارقة للمسرح العربي دورته الرابعة عشرة لموضوع “المسرح والرواية”، وقد أقيم على هامش الدورة الثانية لمهرجان المسرح الثنائي في دبا الحصن، وناقش مجموعة من المحاور حول جدلية العلاقة بين المسرح والرواية وتحوّلاتها عبر العصور، وتضمّن شهادات لعدد من المسرحيين والروائيين العرب.
وأصدرت دور النشر أكثر من 50 كتابا عن المسرح، منها: “الأعمال الكاملة للدكتور علي الراعي” حول المسرح، و”الموسوعة العالمية لأعلام المسرح” ج 1 لعلاء الجابر، و”الكتابة المسرحية العربية وأسئلة ما بعد الكولونيالية” لهشام بن الهاشمي، و”المسرح الشرطي: سر اللعبة المسرحية” لمؤيد حمزة، و”دروس في فن المسرح” لعبدالصاحب إبراهيم أميري، و”إضاءات في نظرية الدراما” لسافرة ناجي وحمد حماد، و”المسرح والصحراء” إعداد عصام أبوالقاسم وغيرها كثير.
وفي المقابل، غيّب الموت عام 2017 عددا من المخرجين والممثلين والكتّاب المسرحيين العرب، أبرزهم: بدري حسون فريد وفاضل خليل وناهدة الرماح (العراق)، واللبناني جلال خوري، والكويتي عبدالحسين عبدالرضا، ورجاء بن عمار وحاتم الغانمي (تونس)، والأردني نادر عمران وعبدالله شقرون ومحمد حسن الجندي (المغرب).
هذا وعانى المسرح العربي العام الحالي من جملة إشكاليات من أهمها أنه ظل المسرح العربي الجاد كما في السنوات السابقة، مطلبا نخبويا لفئة محدودة وعاجزا عن فرض حضوره كحاجة ثقافية حتى في أوساط المثقفين. كما أن أغلب العروض المسرحية ظلت أسيرة للتقليد، وإذا ما وجدت محاولات للخروج عن المألوف فإنها لا تحظى بالرعاية والاحتفاء النقدي، بل يجري تهميشها أحيانا بذريعة أنها تنحو منحى شكلانيا وتسعى إلى الإبهار ليس إلاّ.
وعانى المسرح العربي أيضا من ضعف البنية الفكرية لمعظم النصوص المسرحية، والاستغراق في الموروث الديني والاجتماعي واجتراره والدوران في حلقاته المفرغة التي لا تقدّم جديدا أو مفيدا للمتلقي العربي الطامح إلى التغيير والتقدّم انسجاما مع دور المسرح الطليعي أساسا.