الناقد والأكاديمي العراقي د. جبار خماط .. “العيادة المسرحية والسؤال الجمالي”

 

لا يمكن أن نعمل من دون جديد ، ولا يمكن أننركن إلى الجديد ، من دون حمولة خيال وتصور كافيه لانتاجه ، الفرضيات التقليدية لا يمكن أن تجيب على أسئلة ملحة ، أساسها تفكيك العالم وارتباطه بفوضى قصدية ، فتتت المركب ، وقوضت القوميات ، وأزاحت مراكز قرار سياسي ، بسبب الحروب الداخلية ،

فضلاً عن مخاوب تضرب المواطن العادي من مستقبل ، زجاجه مضبب بالتشويش ، هذه التحولات الكبرى اقليميا ودوليا ، في الجغرافيا السياس ية والثقافية والاقتصادية، تتطلب منا اسئلة فكربة ونسيج أشكال جيد يتقن التركيب والتحليل للمتناقضات في صناعة وانتاج الشكل ، وهنا يأتي سؤال مفاده :

هل بامكاننا توفير مثل هذا المسرح ؟ وهل يرتدي ثوب المغايرة غير الثابتة ، أي هل بامكانه نزع ثوب المغايرة ، ليرتدي العمل المسرحي الجديد ، ثوبا آخرا ، له طاقة مغايرة فاعلة التاثير ؟ وكيف يكون طريق الإبداع سالكا بروح العمل الخال من شوائب عنتريات الريادة والتفوق الإبداعي ، والتفكير بأننظم العمل المسرحي قد تغيرت من النظمغلقة الحلقة ، إلى ذلك النظام مفتوح الحلقة ، أو مايسمى بالورشة المسرحية المتجددة في عنصرها المادي والبشري الذي كثيرا ما ينتج عروضا مسرحيا ، متميزة ولها بعدها الجإذب للجمهور ، لأنها تنطلق من فرضيات تعيش بين الناس ، وبالتالي تكون مجدية في انتاج اجوبة من التفاعل مع أسئلة العرض المسرح ، التي تطرح بطريقة جمالية ، يتفاعل معها الجمهور ، وليس على نحو أرشفة أو استعادة تاريخية للبكاء والافتعال ، ومعالجة الازمات بازمات جيدة ، لا يريدها الجمهور .

إن قانون العمل الفني المسرحي ، هو التحويل الجمالي للواقع المحيط بنا ، فلا معالجة للحرب بالحرب ، بل ينبغي أن يكون بالسلام ، لأنه مستقبل عادل يريده الناس ، نجفاف المخيلة ، تجعل من ماء المعالجة شحيحا ، وبالتالي تكون أرض العروض المسرحية ، غير صالحة لإنتاج ثمار جمالية ، تهدى إلى الجمهور ، لأن صانعي العرض المسرحي اقتقروا إلى تحويل الخبرة المالوفة لدى الناس ، إلى عرض مسرحي فيه طاقة اللأمالوف متجددة ، وهو ما يثير دهشة المتلقي ، وارتباطه جماليا برسائل العرض البصرية والسمعية. والحركية .

ولنا في الرسام العالمي بيكاسو ، أسوة حسنة ، إذ فهم لعبة الإبداع وتاثيره في الناس ، حين رسم لوحته الشهيرة (( الجورنيكا)) التي عالجت مرحلة قاسية من تاريخ أسباتيا المعاصرة ، الحرب الاهلية في زمن فىانكو ، راح بسببها الآلاف من الضحايا ، ومن بينهم شاعر أسبانيا (( لوركا )) اللوحة تعالج الحرب ، لكن بنيتها وعناصر تكوبنها المسكلة للوحة ، كلها علامات وأفكار للسلام ، لأنه- بيكاسو- عرف كسر افق التوقع ، حين استبدل المالوف باللامالوف حبن عالح موضوع الحرب جماليا ، لذا عدت من اعظم نتاخات الفن المعاصر ، واتخذتها الامم المتحدة في مبناها ؛ ايقونة للسلام .

تلك هي عبقرية المبدع ، حين تعرف بالحدس والقوة الايجابية للذهن ، طريق الوصول إلى المتلقي  من فرضية قالها لنا (( بوبوف )) في كتابه ( التكامل قي العرض المسرحي ) العبقرية صنو البساطة ، او السهل الممتنع الذي نجده في الشعر ، إذا الجميع يجد القصيدة في متناول التاثير والتفاعل ، بيسر وسرور جمالي ، وكأنها تمثله بالكامل ، هذا التمثل نوع من الاستبدال الوظيفي بين المتلقي وصانعي العرض ، يكون شريكا معهم في صناعة العرض واستقباله غلى حد سواء .

هذه المعادلة تتطلب وعيا فنيا عميقا في تواصله مع تيار الخياة والناس ، لتاكيد أنالعرض المسرحي ، ينتمي إلى تيار الحياة جماليا وليس تاريخيا ، لأن العمل الفني بحسب ما يراه الفيلسوف (( هوسرل )) تعليق مؤقت عن تيار الحياة ، سرعان ما يرجع اليها ، عند هنا و أنالتلقي ، هذه اللحظة الابداعية للعمل المسرحي ، ما بين الخروج عن الوعي ،والدخول قي لحظة إبداعية جديدة ، هي ما تبحث عنه العيادة المسرحية.

إذ تقوم على فرضية ” المستقبل اولا ” وقودا للفكر والعمل ، لا تنظر إلى العمل الفني ، حمولة للماضي ، جاهزة للتفريغ في وعي المتلقي ، عنوة وقسرا ، بل تجد العيادة المسرحية، أن الفن حرية مشروطة بالابداع ، لا يتقنها الا من لديه القدرة على تدوير السلبي في حياتنا إلى إيجابي ، لنكون قادرين على استيعاب الازمات المحيطة وأبعاد سجن الاغتراب الذي يعيشه الانسان المعاصر.

إن المسرح العربي يتطور تكنولوحيا ، على حساب الفكرة التي اصبحت تائهة ، متناسين أنالتوازن في الرؤية يضمن تفعيل التكنولوحي والفكري على حد سواء ، ولو تنبهنا إلى حاجات الانسأنالجديدة ، نجدها تتلخص بكلمتين ،”الحميمية والتلقائبة ” الذي نكاد نفتقدهما في كثير من عروضنا المسرحية ، والسبب هو غياب الفهم لاصول تقنيات الصنعة المسرحية ، التي لا تضع شيئا على خشبة المسرح إلا بقدر ، يحتمل استيعابه لدى المتلقي ، وشرطية الاستيعاب والفهم لا تعني التسطيح او التكلف ، بل تلك الحميمبة في التواصل ، والتلقائية في أداء العناصر البصربة والسمعية والحركية.

المسرح نيوز ـ بعداد | د. جبار خماط

ناقد مسرحي وأكاديمي عراقي

موقع: المسرح نيوز

شاهد أيضاً

فضاء تافوكت للإبداع ينظم مهرجان الدار البيضاء للمسرح الأمازيغي   في دورته السادسة من 18 إلى 22 شتنبر 2024

تحت الرعاية الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله فضاء تافوكت للإبداع ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

حمل استمارة المشاركة في الدورة 15 من مهرجان المسرح العربي

This will close in 5 seconds

استمارة النسخة التاسعة 2024 من المسابقة العربية للبحث العلمي المسرحي

This will close in 5 seconds

مسابقة تأليف النص المسرحي الموجه للكبار فوق سن 18 "الإنسان في عالم ما بعد إنساني"

This will close in 5 seconds

مسابقة تأليف النص المسرحي الموجه للطفل من سن 3 إلى 18(أطفالنا أبطال جدد في حكاياتنا الشعبية)

This will close in 5 seconds