أحمد شرجي – أوراق المدى
هو الكتاب الذي اشتغل عليه منذ أكثر من سنتين، وهو الإصدار الثالث ضمن مشروعي النظري (سيميولوجيا المسرح)، والذي يتناول تمظهرات العلامة من الناحية الثقافية، حيث تضطلع ثقافة العرض المسرحي بدور مهم في قراءة العلامات اللغوية والبصرية. وتبدأ عملية انتقال العرض المسرحي من سياقه الأصلي إلى سياق ثقافي جديد وحاضن، انطلاقاً من قراءة النص المسرحي.
ويستمد المخرج علاماته الجديدة من ثقافته الخاصة، استناداً إلى المجتمع الذي يعيش فيه والثقافة التي تتشكل من العادات والتقاليد والمعتقدات المجتمعية. يكتب النص المسرحي داخل ثقافته الخاصة تاريخياً وزمنياً. وتشكل عملية إنتاجه الحديثة انزياحاً عن ثقافته الأصلية، إذ تفكك شفرات المؤلف وعلاماته اللغوية والبصرية، وتركب علامات بديلة تنتمي للثقافة الجديدة، وتخضع كل العناصر المسرحية الأخرى من إضاءة، وديكور، وأزياء، وموسيقى، وممثل، وماكياج للعملية ذاتها.
وهنا نتساءل: هل يتشكل العرض وفق الثقافة التي أنتج داخلها، أم تبعاً لثقافة النص؟. وفي حال انتقال العرض المسرحي إلى سياق ثقافي مغاير، هل يستطيع المتلقي قراءة العلامات اللغوية والبصرية والسمعية للعرض بقصديتها الإرسالية؟ أو تدور العلامات في متاهة حقيقية، نتيجة ذلك الانتقال؟. وما هو تأثير ثقافة الممثل الأصلية على العرض؟. وهل يمكننا أن نتحدث عن سيميولوجيا العرض المسرحي في المسرح الحديث؟ أم أن السميولوجيا ذات خصوصية أدبية؟. وهل تخضع العلامة المسرحية لمبدأ الاعتباطية اللغوية؟ أم لاتفاق صناع العرض المسرحي؟.
تُركب العلامات داخل العرض المسرحي بناء على ثقافة العرض، ويلتقطها المتلقي بيسر بحكم انتمائه إلى الثقافة نفسها، وعندها يشرع في وضع تأويلاته الخاصة تبعاً لمرجعيته الثقافية. إن العرض المسرحي عملية”ترحيلية”. فالنص يرحل إلى ثقافة المؤلف، ويزيح المخرج ثقافة الأول ويحمله ثقافته الخاصة، ويستقبل المتلقي العرض بصفته جزءاً من الثقافة المجتمعية. ولذلك، قد لا يشتغل العرض ثقافياً وعلاماتياً إذا رُحلَ إلى ثقافة مغايرة لثقافته الأصلية. فالعلامات تشتغل بدينامية داخل ثقافتها، وحين تنتقل إلى سياق ثقافي آخر تغترب ثقافياً. إن للعلامة ثقافتها الخاصة، وترتبط بالمرجع اللغوي والثقافي التي ولدت فيه، وتصبح صعبة القراءة والتأويل إذا انتقلت إلى ثقافة أخرى. وبالتالي، تشكل الثقافة والعلامة وجهين لعملة واحدة داخل العرض المسرحي. وهو ما يحفزنا على التساؤل: هل يخضع العرض المسرحي ثقافياً للنص أم للعرض؟ وماذا عن ثقافة الممثلين، خاصة حين يتعلق الأمر بفريق مسرحي متعدد الثقافات (تجارب بيتر بروك Peter Brook مثلا)؟. وهل يمكن تطبيق النظام الألسني (اللغوي) على العرض المسرحي؟ بمعنى آخر: هل يمكن تحليل العرض المسرحي وفق قواعد لغوية؟. وهل استطاع المنهج السيميولوجي مسرحياً التوصل لآليات اشتغالية قارة، بعيدا عن تصورات اللسانيين؟.
ونرى بأنه يصعب السيطرة على البعد الثقافي للعرض المسرحي، لأنه يرتبط بثقافة منتجيه من جهة، وبالمتفرج من جهة ثانية، بوصفه الشريك الحقيقي لعملية التواصل. فهو المرسل إليه ومتلقي الرسالة، ويضع مقارباته الثقافية والاجتماعية بناءً على ما يرسله العرض. ولا يمكن التسليم بقدرة المتفرج على فك شفرات العرض وتحديد معناه، وفق قصديته الإرسالية، لأن العرض يرسل عدداً وافرا من العلامات في الوقت نفسه. وهو ما أشار إليه الفرنسي رولات بارت Roland Barthes، حين وصف العرض المسرحي بأنه”آلة سبرنطيقية”. وهنا نتساءل: هل السيميولوجيا نظرية متكاملة تستطيع تحديد مسارات العرض المسرحي؟ أم أنها مجرد فرع علمي؟ فهل يحتاج صناع العرض المسرحي لـ(عقد قار) مع المتلقي من أجل إفهامه قصدية العلامات التي تبثها المنظومة العلاماتية؟. والموضوعة حتمت اختيار عروض تطبيقية من خلال نص واحد قدم في ثقافتين مختلفتين لغوياً وعقائدياً واجتماعياً ودينياً، وهما الثقافة الهولندية والثقافة العراقية، وتوفر ذلك في نص فلاح شاكر(في اعالي الحب)، والذي ترجم وقد داخل الثقافة الهولندية من قل مخرج هولندي، وقدمه في العراق الدكتور فاضل خليل.
وانتظر اصداره نهاية هذا العام عن مركز بحثي عربي مهم.
—————————————–
المصدر :مجلة الفنون المسرحية