النصّ المسرحي من المفترض أن نسمعه ونشاهده على خشبة المسرح، لكن من المفيد، بين حينٍ وآخر، أن نقرأه في كتاب، هذا من شأنه أن يحوّل كلّ قارئ إلى مخرجٍ، وربّما إلى ممثل! “أحلام يومية” هي مسرحية كتبها يوسف رقة ونشرها في كتابٍ يصدر بداية السنة الجديدة 2016.
”مسرحية خيالية على النمط الملحمي”، هكذا يعرّف الكاتب مسرحيته على الغلاف. هذا النص كتبه رقة للمشاركة في مسابقة للتأليف المسرحي عام 2015 أعلنتها الهيئة العربية للمسرح في الشارقة، وقد كتبها أصلاً للعرض وليس للنشر، للمشاهدة وليس للقراءة، على حدّ ما يقول. “لكن في هذا الزمن الرديء، وجدتُ من الأجدى نشرها، ربّما بسبب جرأة موضوعاتها التي وفقاً لنظرية المؤامرة، أجد صعوبة في السماح لها أن ترى النور على خشبة المسرح”.
هذه المسرحية التي قدّم لها الناقد والكاتب عبيدو باشا، يهديها يوسف رقة إلى جلال خوري وروجيه عسّاف ويعقوب الشدراوي و”مايرخولد”…
منذ الكلمة الأولى في هذه المسرحية يوجّه الكاتب نقداً قاسياً الى المجتمع العربي والى الشعب العربي، من دون أن يغفل الإشارة إلى كل ما يتعلّق بقضايانا العربية. “نيام، نيام، نيام… نحن قوم نحب النوم… الأرض تدور ونحن سنبقى هنا… ربّما تأتي دبي إلينا…” عبارات وزّعها على أربعة: ممثلان وممثلتان.
النصّ حافل بالنقد، لكنّه نقدٌ مباشر. الشخصيات في المسرحية تتبدّل كي تستطيع أن تسمّي الأمور بأسمائها، من دون لفّ أو دوران. إنّه سيف ذو حدّين. الشخصيات الأربع يمكن أن تكون عشرة، أو يمكن أن تجتمع في شخصيةٍ واحدة، ما يهمّ هو أن تصل الفكرة وأن تصل “اللطشات”. “نحن لا نقرأ التاريخ… نيام نيام… نعم نقرأ التاريخ الذي يكتبونه لنا… فنختار منه ما يثير غرائزنا، نحب التاريخ من أجل إثارة الغرائز لكننا ننسى الحضارة وننسى تاريخنا الجميل…”.
إذا أردنا أن نضيء على كلّ عبارة أو فكرةٍ فيها نقد أو نقل للواقع العربي، فإنّنا سنضطرّ إلى ذكر كل عبارات الصفحات الـ49 التي تؤلّف المسرحية (الكتاب كلّه يتألّف من 78 صفحة)، لذا سنكتفي بالإشارة إلى العناوين العريضة التي طبعت كلّ مشهد.
في خيمة النازحين توقظ المرأة زوجها ساخرةً منه ومن أحلامه. يقول لها: “إذهبي إلى هاتفك المحمول… أنتِ تقضين الوقت كلّه مع هاتفك المحمول”. وحين تشرح له أنّه ثروتها الوحيدة التي تمكّنت من تهريبها، ومن خلاله تتواصل مع الأصدقاء والأقارب، وأنّ التكنولوجيا هي هبة من الله، يقول: “وماذا حصدنا من التكنولوجيا؟ تزداد الراحة والرفاهية وتزداد معها مصاريف الجيب”.
لا يتردّد الكاتب في توجيه نقدٍ إلى كيفية التعاطي مع القضية الفلسطينية. المندوب الفلسطيني في الأمم المتحدة أهدى الرجل “مفتاح القدس” بما أنّ لا أحد يأتي على سيرة القدس سواه! وهذه الهدية نشر خبرها في الجريدة! ويفاجأ الرجل بأنّ هناك مَن لا يزال يقرأ الجريدة! عندها تهديه المرأة بوصلة قائلة: “أتمنّى ألّا تضيّع الطريق مثلما فعل كثيرون…”!
في المشهد الخامس يتّجه النقد نحو الأمم المتحدة. رجلٌ يرتدي زيّ المنقذ البحري يطلق صفارة قائلاً: “يا امرأة لا تقتربي من الشاطئ، الأمواج عاتية والخطر كبير”. تسأله عن سبب خوفه، هو المسؤول عن إنقاذ الغرقى، فيفاجئها بجوابه أنّه لا يجيد السباحة، ويكتفي بإطلاق الصفارة فقط. وحين تسأله إن كان ذلك كافياً يقول: “أعطيك مثلاً، عندما تندلع الحروب في منطقة ما، ماذا تفعل الأمم المتحدة لحلّ تلك النزاعات؟ هي تكتفي بإصدار القرارات، أي هي تطلق الصفارة لا غير… هذا إن لم يمنعها الفيتو من ذلك… وأنا بدوري أطلق الصفارة لإنقاذ الغرقى… ألا يكفي ذلك؟”.
يذهب يوسف رقة إلى أبعد من ذلك بعد حيث يقول في المشهد السابع على لسان أحدهم:
- من أين أنت؟
- إسم دولتي مكتوب هنا على جواز السفر.
- هه هه… ألا تعلم أننا ألغينا أسماء الدول جميعها؟
- كلام رائع… لقد توحّدتم أخيراً؟
- أنت لا تفهم… بتنا لا نستعمل أسماء دول، بل أسماء مذاهب ومِلَل… في جواز السفر الجديد لا يُكتب اسم الدولة بل يكفي أن نكتب اسم المذهب…
في المشهد العاشر والأخير، تتوقّف الأحلام اليومية عن الشجار والحرب. مطالبة بإغلاق الستارة وإطفاء الأنوار… تمنٍّ بأن تنير نغمة الأرواح ذلك الظلام، وألّا يشاهد الأطفال ما يحدث… تُغلق الستارة، تخفت الأنوار، ومعها يختفي الصوت في ذلك الظلام!
هذه المسرحية التي حجزت لنفسها مكاناً بين المراتب العشرين الأولى في المسابقة، من بين 140 عملاً تقدّمت للمنافسة، يمكن قراءتها وتخيّلها كما يحلو لنا. والأهم يمكن التوقّف عند العبارات الكثيرة التي تحمل معاني مختلفة، والتأمّل طويلاً بها وبوضعنا العربي!