جربت تتمرد، طب تكسر الحواجز، تثور على النمط وتتحداه.. دي رسالة عظيمة قدمها شوية مبدعين في معهد فنون مسرحية لعرض اسمه مباشر جدا “الخروج عن النص”.. المسرحية ملهمة وممتعة، بتتكلم عن تاريخ الفن وقوالبه، ليه الفن ممكن يبقى مسخ وأمتى يكون بديع.
اتنين أصدقاء في عصور غابرة قرروا يخرجوا عن طوع الكنيسة ويتمردوا على ثوابتها، حتى ولو كانت ثوابت فنية.. وبدأوا يسألوا: أيه الفرق بين الدراما والخطاب الكنسي -العظة، وردوا بأن القس دايما بيتكلم عن صراع بين خير وشر ولازم لازم الخير ينتصر لكن المسرح/ الدراما بتكون خناقة بين خير وشر ومش ضروري الخير ينتصر.. سخروا من ملل النصوص المقدمة في الكنيسة واللي بتفرضها السلطة وقالوا نبدأ نغير، وبدأوا من الأول خالص.. أيوة “من عند حواء وأدم”.. قالوا مش هنؤمن بالمعتاد، هنشطح، نجرب ليه لأ.
دايما يقولولنا أدم وحواء والتفاحة، بس عمرهم ما قولنا أدم وحواء عملوا أيه ع الأرض. جاعوا، ناموا من غير عشا، حسوا بأية في أول لحظة على المكان الجديد، قالوا الكلام إزاي، طيب حسوا بلفعة الريح، قشعروا من لمس التراب، بصوا إزاي لجسمهم، صوتهم كان في رجاء ولا توسل ولا بكى وحزن، قهرة ولا صمود، شعروا بأية لحظة هطول المطر، وهيبة الجبال والتضاريس صدمتهم ولا طوعوها، طيب ارتعشوا، حبوا، تمردوا ولا كانوا مسالمين.
جابوا دولابهم المتنقل، الشبيه بعربة الأراجوز، وقالوا نحن لها وهنواجه الكنيسة، طيب هنتشتم ونتلعن؟ وأيه يعني، بس الرسالة توصل.. اطردوا من المسرح واتقال عليهم مخربين/ سكتوا، لأ.
وعلى إيقاع بديع -لايف- مواكب للعرض اللي ممكن يصنف على إنه “ميوزيكال” بيتخلله “vo” لمخرج العرض خلال الفواصل وتغيير الديكور ولإن العرض خروج عن النص فممكن تلاقي المخرج بيهزر مع الممثلين، أو يقول “الكلام ده مش مهم أوي متركزوش.. بس ضروري نملى عشان بنغير الموتيفات” وفي سلاسة بيشرح إزاي الفن واجه عثرات تاريخية ضخمة، وإنه في القرن الـ12 ميلادي كان ممنوع إن المرأة تمثل والرجالة بيقوموا بالدور ده وإن التمثيل مقتصر على المسرح الكنائسي الوعظي صاحب القضايا الثابتة “قابيل وهابيل.. أخوة يوسف.. أدم وحواء”، والدولة وصي والفنان تابع.
بينقلوا من ده على القرن 21 وإزاي إن الفن فيه ما اختلفش قوي وإن القالب -على الطريقة المصرية- بقى “سمج”، إزاي ممكن تتقدم رؤية لأدم وحواء على مسرح الدولة فتبقى “أدم والكتاكيت” على مسرح الطفل، أو تبقى “حواء واللصوص” في الطليعة، طيب ممكن تياترو مصر يبلورها إزاي من خلال ضحك مخل ومكرر يقول فيه على ربيع وهو بيعمل دور أدم “مش أنا يا حبيبي” ولو السبكي ومحمد رمضان فكروا هيطلع إزاي “ثقة في الله هنكسب” ولا فن مختلف.
طول العرض اللي أبطاله “برناردو ومارسيل” مش ملتزمين بكلاشيهات محروقة، بل كمان بيسخروا منها، ومن تمثيل “الصواني والكوبيات” وثلاثيات الخشبة الفجة وموسيقى الصعبانيات، مرورا بالإنتاج البليد والرقابة العتيهة وحتى شروط المهرجان -اللي بتشارك فيه المسرحية- واللي بيحدد مدد العروض الفنية على خشبة المسرح اللي بيمثلوا عليه جوا معهد الفنون.
قالوا الشارع مسرحنا، لكنهم اختلفوا بعد الضغط عليهم ما زاد، واحد راح الكنيسة بعد غضب الناس وسيل الشتايم والنقد من عواجيز الفن والمترهلين، أصحاب الرأي اللي ما بيتغيروش في الصحف من 80 سنة.. والتاني قال الفن حياتي وهفضل أغير وأكسر في القوالب وساح في الشوارع..
لكن الجميل إن برناردو اللي قال “مش لاعب” مقدرش يخون فنه ورجع تاني للعب، لقى ميشيل البنت العفوية التلقائية وقال هنخوض بيها المعركة، هندربها وتعمل حواء، تتعلم القراية وتقول اللي مؤمنة به بس، هنواجه المجتمع اللي رافضها وهنقول رأينا وفي وسط كمية ضحك مش طبيعية على المسرح، بيسحب العرض دموعك براحة، بينقلك لأجواء إنسانية بيعيشها كل صاحب رأي لما يفكروا -الثلاثة- يعملوا العرض برؤيته الصادمة أمام الملك.. فبيكون الرد قهر، وخطف واغتيال جسدي ومعنوي وبيقول مارسيل: “الملك مخدش الكلام على نفسه وبس.. ده كل الملوك خافوا وحسوا إن الكلام ليهم”.
العرض بينتهي بإعدام الـ3 مبدعين وهما بيغنوا، صحيح ماتوا لكن فضل ظلهم موجود ع المسرح بيقول لكل فنان، قاوم، متجريش ورا الرايجة، بلاش متاجرة واستسهال، وعي الناس واهتم بيهم، دورك مش بس وأنت عايش، واجه وابني، بلاش انسحاق ومحاباة للسلطة.. السلطة دايما عايزك طرطور، مايع، ملكش قيمة.. الناس هما سندك والتاريخ لا يذكر إلا المتمردين، اللي بيعروفوا يخرجوا عن النص.
برناردو: أحمد ماجد
فؤاد عبد المنعم: مارسيل
هاجر عفيفي: ميشيل
المسرحية من تأليف: أحمد نبيل
إخراج: كريم سامي
http://www.masrawy.com/