«الإنسان الطيب»… المقدسات والتقاليد ولعبة تشويه الروح ضمن عروض المهرجان القومي للمسرح المصري في دورته الـتاسعة

 ضمن فعاليات المهرجان القومي للمسرح المصري في دورته التاسعة، والمقام حالياً في القاهرة في الفترة ما بين 19 يوليو/تموز إلى 8 أغسطس/آب، تم تقديم العرض المسرحي «الإنسان الطيب» على مسرح الطليعة، في قاعة صلاح عبد الصبور. 
العرض تأليف وإخراج سعيد سليمان، أداء نجلاء يونس، هاني عبد الناصر، حسام حمدي، مصطفى الزيات، ميما أحمد، زياد سمير، محمد عبد الفتاح، ماري جرجس، شروق القناوي، شمس عبد الناصر، نور الهدى، أحمد كاسبر، مريم سعيد، هنا هاني، وفاطمة الزناتي. ديكور وملابس صبحي عبد الجواد، موسيقى وألحان هاني عبد الناصر، رقصات بيلا، مساعد مخرج مارغريت مجدي، مخرج منفذ وليد الزرقاني، رأفت سمير وسعاد الهجان.
 
الإنسان وأشباحه
 
ما بين عالمين تتجسد الحكاية الدرامية للعمل المسرحي الإيقاعي «الإنسان الطيب»، عالم الروح النقي والحرية ــ تجسد الحالة الممثلة نجلاء يونس ــ مقابل عالم من الأشباح، وهم يمثلون كل القيود التي تعيق هذه الروح، وتحاول بشتى الطـــرق أن تحـــولها إلى نمط آلي مشوّه. الفـــتاة التي ترتدي الأبيـــض، والتي تســـتمع إلى موسيقى رقيقة، وتحاول أن تتنفس على هواها، يقابلها فريق ضخم من الخفافيش ــ ممثلون يرتدون الأسود ــ ويمسكون بالدفوف، يدقون عليها في إيقاع صاخب، يكسر هذه الحالة ويدخلها عالم الرعب، لتبدأ الوصايا بداية من الاتشاح بالسواد، وتغطية الجسد/العورة، وصولاً إلى إشعارها بالجرم لكونها أنثى. فكرة الأنوثة والذكورة تختفي بعد ذلك، ليصبح المعني بهذه القيود هو الإنسان عموماً، وبخلاف أن في البدء كانت الأنثى، إلا أن المجتمع الشرقي والمصري في اللحظة الراهنة يمارس طقوس تعذيبه على الأنثى بالأساس، هذا الكائن الخطر والمُحرّم، محل الفعل ومُنتظره على الدوام. من سلطة الأخ إلى الأب، ثم الزوج، وهـــكذا وصـــايا رجل الدين، والنساء العجـــائز، حيث لم تخـــلف لهم التجـــربة الحياتية إلا القسوة والحقد على أي بادرة اختلاف، خاصة لو كانت فتاة تمتلك صوتاً آخر غير صوت العبودية والرضوخ لتعاليم موهومة، مجهولة المصدر، اللهم إلا الاعتياد والبحث عن سلطة ضائعة من صاحبها بالأساس. 
الرجل، النظام السياسي والاجتماعي. حالة العجز التي تولد العنف هذه هي النغمة الأعلى في العرض المسرحي، حالة تخدير الذات بأنها الأقوى والأفضل، في ظل مجتمع من القطيع.
 
معنى أن تصبح حراً
 
حاول العرض أن يؤصل لتبعات حالة الاختلاف عن القطيع، وتمثل ذلك في التغني بالعديد من أبيات الحلاج، وهو المثال الأشهر الذي دفع حياته ثمن كونه مختلفاً، ليصبح الإنسان جرّاء ذلك عُرضه لكل أشكال التعذيب وتحالفها ضده.. من رجل الدين إلى رجل الأمن، المتواطئ معه على طول التاريخ، من الضرب بالسياط والتقييد بالسلاسل والجنازير، ليتحول المسرح إلى حجرة تعذيب في قبو مجهول، ولا أحد ولا مفر، إلا صوت كلمات الحلاج المُنغمة آتياً من بعيد، تتغنى الممثلة بها وسط كل هذا الصخب.
 
الحلم الصوفي
 
مستوى آخر من الحكاية، حالة من الخيال هنا تدل على اتساق العالم والروح الإنساني، حيث يختفي اللون الأسود، ويرتدي الجميع ألوان بيضاء، كما يتم إسدال ستائر بيضاء تحيط الجميع، الأمر أشبه بحضّانة أطفال بعيدة عن تلوث العالم.
ويبدأ تسرب رائحة البخور، وتتصاعد النغمات، حيث يعزف الممثلون على الآلات، العود والناي، ويصبح صوت الإنسان أعلى وأعمق وأجـــــمل، الجميع في حالة صفاء، تتنافى تماماً مع مشاهد التعــــذيب السابقة ــ حتى أن بعضهم يقوم بتوزيع أوراق الورود على الجمهور ــ القاعة مستطيلة والجمهور يحيط بالممثلين ــ لكنها فقط لحظة حلم أو وسن مأمول.
 
الواقع
 
تعود الحالة إلى أرض الواقع في النهاية، الأشباح أصبحت ترتدي أزياء وتتمثل شخصيات وكيانات مجتمعية، كرجل الدين والشرطي، الشحاذين، المتشردين، أصحاب العاهات، والباعة الجائلين. 
هنا حالة التواطؤ تبدو في غاية الوضوح لصياغة مجتمع ينشغل في المقام الأول بمتاهاته، ولا يستطيع سوى السخرية من الفـــتاة التي تحـــلم بعالم سعيد مفقود. هنا كان لابد من أن تتحمل وزر حلمها، فتصبح مكاناً ـ جسدها كمكان ـ ليحمل نفاياتهم، من مسبحة رجل الدين حتى أغلال (كلابشات) رجل الشرطة.
مسألة الصلب هنا أصبحت حمل نفايات العالم، ومحاولة الشدو بأغنية مهموسة، ونغمات تضيع وسط ضحكات الجميع. فقد اختار أن يصبح مختلفاً فكان عليه أن يدفع ثمن ذلك.
شكل العرض المسرحي
 
اعتمد العرض على اللوحات الإيقاعية الراقصة، من دون اعتماد الحوار الدرامي، من خلال بعض الأبيات الشعرية المُغناة، وبعض الكلمات أو العبارات داخل الاستعراضات، وليبدو الصراع الدرامي من خلال تشكيل الحركة على المسرح والموسيقى المتباينة، ما بين حالة الممثلة وجموع الممثلين في مواجهتها. إلا أن طبيعة المسرح ومساحته وعدد الممثلين الكبير نسبياً جعل البعض يتعثر في أداء بعض الحركات، خاصة في تحرك جموع الممثلين في الوقت نفسه، بخلاف الديالوغات الراقصة بين اثنين منهما على سبيل المثال، وهي الأقوى من حيث الحوار الحاد والواضح للمُشاهد ــ الحوار الإيقاعي بالجسد ــ من ناحية أخرى أراد المؤلف ومخرج العرض أن يحشد العديد من المواقف للتأكيد على فكرته، مما خلق بعض من ترهل في الإيقاع، من دون أن تفلح الموسيقى والإضاءة والأداء الجيد للممثلة (نجلاء يونس) في الخروج من هذه المشكلة. لكنه في النهاية أحد العروض المسرحية الطموحة، التي تستمد قوتها من الفكرة أولاً، والأداء الجيــــد في عمومه للممثلين، ومحاولة لكسر الشكل التقليـــدي للعروض المسرحية، وهي سمة لافتة في عروض المسرح المصري في الآونة الأخيرة. هناك محاولات دائمة من التجديد على مستوى الشكل، أو مزج أشكال عدة في العرض المسرحي، حتى إن كانت معالجات جديدة لبعض الكلاسيكيات الشهيرة. فهناك طفرة لا من شك تحدث، وإن كانت في هدوء، ومن دون صخب فارغ كما في الفنون الأدائية الأخرى.
——————————————————————————————–
المصدر : مجلة الفنون المسرحية – محمد عبد الرحيم – القاهرة ـ القدس العربي

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *