نظرة عامة على مسرح يوجين يونسكو/ علي خليفة

 

نشر / محمد سامي موقع الخشبة

ليس ليونسكو أسلوب واحد في مسرحه العبثي، فهناك مسرحيات له لا تحتوي إلا على حوارات بين شخصين أو أشخاص، وهذه الحوارات فيها نوع من التداعي في صياغتها، وهو تداعٍ مقصود بكل ما يرد فيه من المؤلف، وغالبًا ما تكون الحوارات في هذا النوع من مسرحياته هي كل شيء في المسرحية، فلا يوجد بها حدث أو صراع أو توتر، وغالبًا ما يكون الأشخاص في هذه المسرحيات يتحاورون بشكل يوحي باندماجهم في قضية أو قضايا معينة، ولكن حقيقة الأمر أن كل شخص يتكلم عن أمر يخصه، كما نرى في مسرحية فتاة في سن الزواج.
وهناك مسرحيات له تتعرض لعدة أحداث لا رابط قوي بينها، ولا يوجد فيها سخونة وتوتر في عرضها، وفيها إظهار لتفسخ العلاقات الإنسانية، كمسرحية المغنية الصلعاء، ففيها
– في رأيي – حدثان: أولهما حديث الزوجين الإنجليزيين عن أسلوب حياتهما الإنجليزي، وتعليقهما على بعض جيرانهما وأصحابهما بشكل ساخر، والحدث الثاني زيارة زوجين لهما، وحدوث حوار عبثي بين الزوجين، فهما يظهران وكأن كل واحد منهما لا يعرف الآخر، ولكنه يظن أنه رآه، ثم يتحدثان عن مصادفة ركوبهما في قطار واحد وعربة واحدة، وأنهما يعيشان في عمارة واحدة، وشقة واحدة ويفترضان بعد ذلك أنهما متزوجان.
إنه حوار عبثي لكنه يحمل دلالة – من وجهة نظر المؤلف –
في تفسخ العلاقات الإنسانية في هذا العصر، لا سيما العلاقة الزوجية.
وهناك مسرحيات له تعتمد على الثرثرة الكثيرة من شخص أو شخصين في أمور مختلفة، وفيها كلام يشبه كلام المجانين كمسرحية الدرس.
وهناك مسرحيات له يتخيل أبطالها أنهم يعيشون في أماكن متخيلة، ويتحدثون مع أشخاص يتخيلونهم، وخلال ذلك يعبرون عن أوجاعهم ومطامحهم كمسرحية الكراسي.
وأيضًا له مسرحيات فيها خيط درامي معقول، وفيها جرعة من العبث تسير مع هذا الخيط الدرامي، وهذا نراه في مسرحياته الطويلة على وجه الخصوص، كمسرحية الخرتيت التي فيها يتحول الناس إلى خراتيت ليس بالمعنى المجازي، ولكن بالفعل، ويحرص بعض الأشخاص ألا يختلطوا بهذه الخراتيت حتى
لا يتحولوا مثلهم لخراتيت، ولعل هذه المسرحية تطرح علاقة الفرد بالجماعات وموقفه منها، لكن في إطار عبثي، ففيها نرى حوارات متوازية أي أشخاص يتحاورون، ولكن كلاًّ منهم يتكلم في أمر يخصه، وإن كان ظاهر الحديث يوحي بتجاوب الأطراف المتحدثة مع بعضها. وكذلك في هذه النوعية من المسرحيات تتحول الاستعارة من شكلها المجازي للحقيقة، فلم يعد الأمر مجرد تشبيه بأن نقول بعض الناس كالخراتيت، ولكن لقد تحولوا
في هذه المسرحية لخراتيت حقيقية.
وكذلك له مسرحيات يعارض فيها مسرحيات شهيرة، ولكنه يعارضها بأسلوبه العبثي، كمسرحية ماكبت التي يعارض فيها مسرحية ماكبث لشكسبير، وحولها لملهاة بعد أن كانت عند شكسبير تراجيديا.
ملحوظة أخيرة أذكرها عن مسرح يونسكو أن نهايات مسرحياته دائمًا ما تكون صادمة للمشاهد أو للقاري، ففي مسرحية الدرس يقتل المعلم تلميذته في النهاية، ثم نعلم أن هذا نهجه مع كل تلميذاته، وفي مسرحية الكراسي إذا بالشخص المرتقب حضوره ليتحدث عن كفاح الزوجين – أخرس. وفي مسرحية المغنية الصلعاء يكتشف الزوجان أن ابنة كل واحد منهما يختلف وضع عينيها مع تشابه كل الظروف التي تؤكد أنهما زوجان، وهكذا النهاية دائمًا صادمة في مسرحيات يونسكو

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *