مُحمّد حنصال يتألق في مسرحية “دَاهَا” باليوم الوطني للمسرح المغربي

     لحسن ملوني * – مجلة الفنون المسرحية 

 احتفالا باليوم العالمي للمسرح  الدورة الثالثة لمهرجان” قلعة مكونة” للمسرح (دورة الفنان عبد اللطيف خمولي)، و تحت شعار . «الاحتفاء بالمسرح احتفاء بالحياة»،.كان الجمهور ـ بعد مراسيم الافتتاح ـ  على موعد مع العرض المسرحي الأول ، وكان باللغة الأمازيغية ، وجاء بعنوان”دَاهَا”لفرقة الفنون الدرامية “أيت سدرات تنغير،” تأليف وتشخيص محمد حنصال ، وإخراج الوردي التهامي بوشعيب .
وقد جاء العرض مونولوكا أداه بإتقان وتميز محمد حنصال فأتحف الجمهور وأمتعه بعد تتبع العرض بتركيز وشغف.
وأعتقد أن  المؤلف والمشخص محمد حنصال اقتبس موضوع من أسطورة أمازيغية تجسد الصلة الحميمية والوثيقة بين الإنسان والطبيعة ، الأمر الذي يجعله يتشبت بها مهما كانت الأحوال. وبذلك تمت المسرحية وفق ثنائية هي الإنسان ويجسده يدير ، والحياة بكل أبعادها وتجسدها “دها” التي صممت على شكل كركوزة طويلة ألبست لباسا أمازيغيا يوحي بهويتها وأبعاد الثقافة الامازيغية.
بدأ العرض بإنارة خافتة وبموسيقى هادئة جعلت الجمهور مشتاقا ينتظر بداية ظاهرةً لمُجريات المسرحية ، وشيئا فشيئا يرتفع إيقاع الموسيقى المرفقة بحركة الممثل كي يؤدي بذلك رقصة جميلة وهو يحمل الكركوزة قبل أن يضعها واقفة وسط الخشبة لتصير بؤرة أحداث المسرحية  وجسرا للتعبير عن كثير من الهموم بصيغة إبداعية يتقاسمها الغناء والشعر الجميل الحامل للعشق والحب لـ “دها” المنتصبة وكأنها تصغي لأشعاره وأقاصيصه المتنوعة والحاملة لجزء من تاريخ بادية أمازيغية مفترضة.
الفنان محمد حنصال ، تصرف باحترافية وهو يجذب الجمهور إليه عبر التنويع في أدائه ، أداء تم بثقة تامة مظهرا أحاسيس تتأرجح بين الحب والهم والخوف والفرح والاحتفاء عبر أجواء أضفت عليها الموسيقى المرافقة لأحداث المسرحية جمالية ممتعة فعلا.
وشيئا فشيئا تتصاعد حدة الأحداث لتصل ذروتها حين انتاب الخوف البطل كي يغادر واعدا عشيقته “دها” بالارتحال والانتقال إلى منطقة آمنة ، لكن بمجرد خروجه  يعود مجسدا دور الوحش الذي سيقضي على “دها” ممزقا ثيابها مفسدا لجسدها..وهنا يعود “يدير” كي يبث أحزانه لملابس وحلي “دها” حيث بكى وشكا ،وقال شعرا وتمرغ فوق ما تبقى من أثرها ليلجأ إلى آلته الموسيقية كي يعمق التعبير عن مأساته ، وهو يدعو الله كي يمده بماء يروي ظمأه ، وفجأة يأتي الفرج ، يسمع رعدا يتلوه سقوط المطر فيرتوي ويهدأ غضبه وتضجره ، وأمام هذا الواقع المر لم يعد أمامه سوى أن يأخذ ملابس “دها” كي يلبسها لآلته الموسيقية صانعا بذلك “دها” أخرى.
العرض كان شيقا ، وكان مبنيا عبر حبكة متينة مما جعل الأحداث تأتي ضمن إيقاعية يتقاسمها البطء والتوسط والسرعة وفق ما تقتضيه الأحداث المؤلفة للمسرحية.
الفنان محمد حنصال اتخذ قصة المسرحية مجالا للتعبير عن عدة قضايا متشابكة لها علاقة بالواقع الذي يعيشه الأمازيغي وغيره ولعل نهاية المسرحية تحمل حلا لها ،ويكمن في وجوب إصلاح ما يمكن إصلاحه بدل البكاء على ما وقع مع التخوف على ما قد يقع في الآتي.
مسرحية بهذه الصيغة قالب تعبيري ماتع عن الهوية والكينونة وما يرتبط بها من رؤى و أفكار مختلفة باختلاف زوايا النظر إليها.
وقد تمكن محمد حنصال من تجسيد أدوار المسرحية بنفَس طويل وصراع مرير مع مجرياتها المؤثرة ،وخرج من ذلك منتصرا حين وقف الجمهور مصفقا مهنئا إياه على إنجازه الرائع.
 
*كاتب من المغرب

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *