مونودراما “أنا كارمن” تعيد اكتشاف فنانة متعددة المواهب

 

نور الهدى عبد المنعم : صوت العرب – القاهرة

دائمًا أشفق على كلٍ من كاتب وممثل المونودراما فهي أصعب الفنون في الكتابة وفي التمثيل، ويقع العبء الأكبر على الممثل والكاتب لديه متسع من الوقت وكذلك حرية الحركة حتى ينتهي من عمله، بينما الممثل فيظل طوال زمن العرض أمام الجمهور يتحدث وحده وينتقل من حالة إلى أخرى من دون فواصل، ولا يتعامل مع الكواليس مطلقًا، فما بالنا إذا كان الكاتب هو نفسه الممثل والمخرج ومصمم السينوغرافيا، جهد خرافي قامت به الفنانة سماء إبراهيم حين حملت على عاتقها مسئولية عرض مسرحي مونودراما بكامله وحدها فإذا اقتصر دورها عند هذا الحد فحسب، وجب علينا تحيتها بحرارة وأن نقول لها أحسنتِ، فما بالنا إذا قدمت كل ذلك باحترافية و بإجادة وآداء أقل ما يقال عنه أنه رائع. العرض هو “أنا كارمن” الذي قدمته بمسرح علي فهمي بالمعهد الفنون المسرحية في إطار مهرجان نون النسوة الذي يرعاه المجلس القومي للمرأة.

بينما نجلس في انتظار فتح الستار وبدء العرض المسرحي، نستمع إلى أصواتٍ تمتم بعبارات غير واضحة، ننظر ناحية باب المسرح نجد إحدى العاملات تحمل دلو ومكنسة وتصعد على خشبة المسرح بينما يعلو الصوت وتتضح تفاصيل الكلام، في مفاجأة غير متوقعة فهي الفنانة سماء إبراهيم بطلة العرض، فتكسر أفق توقع الحضور بداية غير تقليدية.

 

تجسد سماء شخصية عاملة نظافة في إحدى المسارح وتعاني من قهر مدير المسرح، بينما تقوم هذه العاملة بتنظيف المكان واجترار معاناتها تحكي عن مدى إعجابها بشخصية كارمن وحكايتها و بعفويتها تقارن بينها وبين جارتها، مقلدة آدائها وتمثيلها، ثم ترتدي ملابسها وتبدأ في التمثيل، فتكشف لنا عن خبايا مواهبها في تنوع الآداء الصوتي بين الحكي والغناء والغناء الأوبرالي ، وكذلك الآداء الحركي، والأداء التمثيلي الذي تنوع بين التراجيديا والكوميديا، والخلاعة والوقار والفصحى والعامية.

من خلال حكاية هذه العاملة البائسة التي تقلد الممثلة التي تؤدي دور كارمن تتناول كل قضايا المرأة ومعاناتها والقهر الذي تتعرض له سواء بداية من الزوج أو رئيسها في العمل أو المواصلات انتهاءً بالمجتمع ككل. بخفة دم وبساطة اعتمدت عليها في كسر الحاجز البريخيتي و الارتجالات أظهرت جانبًا آخر بكونها ممثلة كوميدية محترفة.
لم يقتصر الأمر على الآداء فحسب لكنها بذكاء شديد ظهرت على المسرح بدون مكياج نهائي وجعلت شعرها “كيرلي” وارتدت حذاء لونه أحمر لا يتناسب مع الملابس فعبرت عن العاملة البسيطة الفقيرة من دون خطأ واحد، فعادة الممثلات تقعن في أخطاء من هذه النوعية لأنهن يتحرجن من ظهورهن بمظهر يقلل من جمالهن، كما أن من أجمل المشاهد وأروعها هو مشهد مسح الأرض الذي قدمته بواقعية شديدة وبمياه حقيقية، لم يفتها أيضًا ذكر القضية الفلسطينية بعبارة “غزة وراحت”

أما الديكور فاستخدمت معه البساطة وعدم التقليدية حيث عبرت به عن غرفة الفنانة بما تحتويه من شماعة معلق عليها ملابسها ومرآة.

أنا كارمن هو إعلان ميلاد جديد لفنانة شاملة لم تكتف بكتابة النص والأشعار والتمثيل و السينوغرافيا والإخراج بل شاركت أيضًا في الموسيقى بإضافة فقرات موسيقية بجانب موسيقى بيزيه الشهيرة لأوبرا كارمن.
قام بالتوزيع الموسيقى للعرض: محمد حسني، أيمن الخياط، وصممت الملابس رشيدة علي، أما الإضاءة فهي تصميم ثابت العدوي، مخرجان منفذان عمرو عبد العزيز، حسن عوني.

 

http://www.arabsvoice.com/

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *