«من قال ماذا؟».. رؤية إخراجية وبطولة سينوغرافيا/نيفين ابولافي

«من قال ماذا» ما بين عبثية الحياة والخوف من الموت، وما بين الوجود واللاوجود، وهي ايضا ما بين الحقوق والواجبات، بينما هناك من يبحث عن العيش الكريم بكرامة ومن يقبل بان يعيش باقل الحقوق، هذا العرض الذي قدمته فرقة المسرح الكويتي تدور احداثه في اطار مسرح العبث بين شخصيتين متضادتين في اللون والفكر والمستوى المعيشي، وقد اختار الكاتب فيصل العبيد الصراع ما بين الابيض والزنجي نافذة ليطل بها على الجمهور بالصورة التي اراد ترجمة افكاره من خلالها حول الصراعات التي ملأت الارض واختلفت في اسبابها، والدم الذي يسفك هنا وهناك وعدم قبول الآخر، حيث لا يرى البعض من هم اقل منهم درجة لأن الجميع ينظر الى الاعلى ولا احد ينظر الى الاسفل.

◗رؤية متوازنة
لا يختلف ما جسده الممثلون على الخشبة كثيرا عما تدور رحاه في عدة بقاع من الارض، فهناك من يطالب بحقوقه، وهناك من يهضمها او يتجاهلها، وبعيدا عن الحوار تتعالى الاصوات وتزدحم الميادين والشوارع فتباح دماء الآخر، وان امكن التعايش بين الجميع وهكذا هي حال الانسان في الوطن العربي، ولم تكن قصة الزنجي والابيض الا مدخلا لكل هذه الصور من هنا وهناك، وما ان وجد الانسان نفسه قريبا من الموت حتى جبن امامه وركع بأمر من مشاعر الرعب التي احتلت جسده، وتتبدل الادوار ليصبح الضعيف قويا والعكس الى ان يكون الموت مصير احدهم على ان يبقى الثاني بانتظار المصير نفسه، فالنفس البشرية لا تنسى الالم وتبقى هناك بقع لا تزول او اثار جرح او ردود افعال لا يمكن للزمن ان يمحوها من قلوبنا وعقولنا.
سامي بلال مؤلف ومخرج العرض نجح في ترجمة افكاره برؤية اخراجية رائعة موزونة، وجذب انتباه الجمهور بشكل لافت، وان كان هناك شعور برتابة الحدث في الدقائق الاولى للعمل، لكنها سرعان ما تلاشت وسط فاعلية سينوغرافيا العمل، وقد تخلل العمل بعض المشكلات الفنية في تحريك قطع الديكور، الا أن الحليل والحسيني تعاملا معها بحرفية عالية دون ارتباك وبسلاسة مما يؤكد تمكنهما من ادواتهما الفنية.

◗بطل ثالث
السينوغرافيا كانت البطل الثالث في هذه المسرحية، بل كانت قطع الديكور هي الشخصيات الخفية التي تحرك الحدث، حيث استطاع فيصل العبيد جعلها عنصرا اساسيا في العرض تساند الشخصيات في حواراتهم بل تفسر رؤاهم واحلامهم وما يدور بداخلهم، واستطاع تحريكها عبر سكك ارضية تجر القطع عبرها ليغير مواقع الحدث.
من ابرز قطع الديكور، التي غيرت مسار الاحداث في العمل، الطاولة والمرايا العاكسة، حيث كانت الطاولة ملاذا آمنا للفنان علي الحسيني الهارب من الموت لتتحول في نهاية المسرحية الى اداة موته، بينما المرايا العاكسة كانت ذاتها الكاشف الفاضح لخبايا النفس البشرية، وان حاولنا الا ترانا لكنها شر لا بد منه، فكلما اضاءت نجد اننا نشبه الآخر من الداخل في الرغبة في التفرد والسيادة.
«من قال ماذا».. تلك الاصوات المغمورة، التي مهما صرخت لا يسمعها احد، وتلك الآلام التي لا يشعر بها احد، وكأنك تتساءل «من قال ماذا؟!»، هذا السؤال الذي لن نجد له اجابة شافية، لكنه عرض تميز باقتدار. وقد استطاع سامي بلال وضع بطلي العمل في صورة المانيكان او اللقطة المتوقفة عند بعض نهايات الجمل في الحوار المتبادل بينه وبين الحسيني ليؤكد افكاره، خصوصا تلك المرتبطة بعبثية الحياة والانسانية ومفهومها عند كل شخص والقيم المجتمعية.

المصدر/ القبس

محمد سامي / مجلة الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *