مسرح عالمي : عرّاب الكوميديا.. والبداية من نادٍ ليليٍّ رثّ!

 

 

ترجمة: عادل العامل – المدى – مجلة الفنون المسرحية 

 

لم يكن بَد فريدمان Budd Friedman يعتزم أبداً أن يكون عرّاب الكوميديا، وهو، بعد نصف قرن من هذا، غير متأكد تماماً كيف فعل ذلك. 

فعندما فتح نادياً ليلياً رثاً يدعى “الارتجال Improvisation” على حافة منطقة مسرح نيويورك في عام 1963، لم تكن هناك نوادي كوميديا كبيرة أخرى جديرة بالذكر في الولايات المتحدة. وكانت الأعمال الكوميدية الوقوفية عموماً بمستوى مقاهٍ صغيرة لسرد نكات الحموات في المنتجعات الصيفية أو للابقاء على المشاهدين بين عروض التعري.

وهناك الآن نوادي كوميديا عبر البلاد، ونجد في مذكرات فريدمان، (الارتجال: تاريخ شفهي لنادي الكوميديا ..)، أجيالاً من الكوميديين من جَي لينو إلى جيمي فالون يوفرون للمؤلف نصيب الأسد من الرصيد الفني. ويقول فالون في الكتاب، الذي شارك في كتابته الصحفي المخضرم ترِب ويتسيل، “إن بَد فريدمان واحد من أعظم المؤثرين في الكوميديا على الإطلاق.” 

لقد فتح نادياً لما بعد ساعات العمل في وسط مانهاتن كان، مع خطورة موقعه، ضمن منطقة مسرح برودوَي. وكان يتصور بذلك أنه سوف يوجِد عازفي بيانو ومغنين طموحين، ويوفر خدمة وجبات طعام، وينتظر أناساً جائعين ممتلئي الجيوب يغادرون تلك العروض المسرحية ليجولوا هنا وهناك. وسيقرر واحد، في الأقل، بالتأكيد تمويل عرضٍ يريد أن يُنتجه ذلك الرجل المتميز المظهر، وهو يضع المونوكل (النظارة الأحادية) على عينه. (وما كان سيقول لهم بالطبع أنه يضع المونوكل فقط لأنه لم يكن يستطيع قراءة الإيصالات بسهولة في ناديه المعتم!) 

ولم يقترب معظم المغنين وعازفي البيانو من النادي، لكن الممثلين الهزليين راحوا يتدفقون من المقاهي وبدأوا يظهرون على المسرح. وكان ريتشارد برايور من أوائل الداخلين، وسرعان ما تبعه جورج كارلين. وذات ليلةٍ راح رودني دينجرفيلد يترنح داخلاً في حالة سكر وأخفق، ثم رجع وهو رزين في المرة التالية وتم استئجاره مديراً للتشريفات.

ثم كان مطلع عقد الاضطراب الذي أشّر لبداية “عهد الحقوق المدنية”، والاغتيالات السياسية، وتصعيد حرب فييتنام، وأحداث أخرى وفّرت مقادير لا نهاية لها من الدعابة القاتمة. وهو ما يعلّق عليه فريدمان متأملاً الآن، قائلاً ” أعتقد أن الوقت كان مناسباً تماماً لذلك آنذاك.” وأصبح من الواضح سريعاً أن ” الارتجال” كان المكان المناسب للتعبير عن الدعابة القاتمة ــ بأزهى لغة في الغالب يستطيع تدبّرها كارلين أو برايور كما يحب الناس. ولم يكن فريدمان ليشير عليهما بان يقلّلا من شتائمهما، لكنه لم يُنشيء في الواقع أية قيود حقيقية على ذلك. ولم يكن يدفع لهما أيضاً، بالطبع. 

وفي حديث لريتشارد لويس عن تجربته مع فريدمان، يقول إنه ذهب إلى هناك ذات ليلة، وما أن انتهى من الوصلة الأولى حتى رأى، لدهشته، فريدمان يصعد إلى المسرح ويحيطه بذراعه، قائلاً بصوتٍ بدا للكوميدي وكأنه صوت الإله الأغريقي زيوس، أنه قد وجد أسخن ممثل كوميدي شاب لعام 1971. “وبعدئذٍ قلت لفريدمان: ماذا يعني هذا؟، قال: إنه يعني أنك تستطيع المجيء هنا في أية ليلة تريد وتعمل مجاناً. قلت: واو، يمكنني أن أعمل مجاناً!”

وأضاف لويس، “لكني كنت منتشياً. إذ كان فريدمان يقف كعرّاب للكوميديا. ولقد كان في الواقع على تلك الأهمية. وكان على كل واحد أن يمر من خلال ذلك النادي إذا ما أراد أن يحقق شيئاً.”

والآن وفريدمان يبلغ الـ 85 عاماً، وقد انخفض حجم صوته الشبيه بصوت سيوز نتيجة لإصابته بجلطةٍ مؤخراً، وهو نصف متقاعد بالتالي، فإنه ما يزال كما يقول يُمتعه أن يباشر عملاً جديداً.

وهو يروي، في كتابه هذا، قصة حياة مفعمة بالتنوع وفقاً لأي مقياس: ذلك أن بورن جيرسون فريدمان، وكان يُعرف بلقب بَد Budd في طفولته، قد فقد أباه في سن مبكرة، وكاد أن يفقد حياته في الحرب الكورية، وقد حُمل جريحاً من ساحة القتال ومن حوله الجنود القتلى. 

وهو يقول، في سياق حديثه عن طريقته في العمل، أنه لم تكن لديه صيغة سرية، فكل ما كان على الممثلين الكوميديين أن يتمتعوا به من صفات هو أن يكونوا مضحكين. “فكنت لا أختار إلا الرجال المناسبين.”، كما يقول. فإذا لم يكن أحد يجعله يضحك، نسيَ اسمه!

 عن: The Independent

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *