مسرح عالمي: المسرح الوثائقي.. ضرورة في عالمنا المتنوع اليوم ترجمة: عادل العامل

كان لديَّ الكثيرً من الأسئلة في أميركا ما بعد الانتخابات، تقول الكاتبة والممثلة ميليس بيرغستروم في مقالها هذا: ماذا يعني أن تكون فناناً في عام 2017؟ كيف نمضي قُدماً في ما يجاورنا، وفي مجتمعاتنا، والبلد بوجهٍ عام؟ كما أنني أحاول أن أتصور كيف أتعامل مع مشاعري المتعلقة بالعجز الفني، ماذا يمكنني أن أفعل؟ هل سيكون ذلك كافياً؟ كيف نتلاعب بتقاليد المسرح، بينما نحن نبحث أيضاً عن طرق جديدة ليكون ذلك أكثر فطنةً في عالم متسارع الحركة؟

في وقتٍ تبدو النزعة فيه هي التعميم، والنشر، وتشاطر العناوين الرئيسة من دون تمحيص، والتجمع معاً، وتكوين افتراضات، فإننا نحتاج إلى الجرأة لنسرد قصصاً فردية، معقدة، وذات فروق دقيقة. والقوة هنا لا تكمن في امتلاك أجوبة، وإنما في كوننا راغبين في طرح أسئلة. وفي الوقت الذي ظل فيه المسرح الوثائقي لمدة طويلة شاطئاً مهماً للعالم المسرحي، فإننا نعيش الآن في وقت يكون فيه هذا المسرح ضرورة لأنه مصمَّم لإثارة أسئلة والغوص عميقاً، حيث ما من شيء بسيط هناك.
ويمكنني القول إن القصص الجيدة، تلك التي تلهم الارتباط، والحقيقة، والفعل action ، هي ما يحتاج أن يكون محدداً. والمسرح الوثائقي مصمَّم لأوقات كهذه. وقد قمت، من أجل مشاريع متنوعة، بإجراء مقابلات مع عوائل عسكرية، أناس ينتظرون الحافلة، مهاجرون يشرحون ما يعنيه الحلم الأميركي لهم. وفي كل مرة، كنت أصل هناك ولديّ افتراضاتي الخاصة بشأن ما سوف أسمع. فكان كل واحد منهم يشتّت أفكاري عمن يمكن أن يكون وأية قيَم يعتز بها، بصرف النظر عن العنصر الذي ينتسب إليه، أو الجنس، أو العرق، أو الانتماء الديني، أو الحزب السياسي. فكل إنسانٍ محدد في مواصفاته ويجب علينا أن نسرد القصص التي تُقر وتحتفي بهذا التفرد. وهذا التحديد النوعي هو أملنا الوحيد للتواصل، والتعايش، وكسر الحواجز التي تفصل بيننا.
ولا يتطلب المسرح الوثائقي منا أن نقدم أجوبة، وإنما أن نطرح أسئلة فقط. وباعتباري فنانة مسرح وثائقي، فإنني بدأت من دون أية أجندة، عدا أن أكون ببساطة محبة للاستطلاع وراغبة في الاستماع. وتلك هي الخطوة الأولى، وربما الهدف النهائي أيضاً. فنحن لا ندخل في هذا العمل لنبرهن على وجهة نظرنا عن طريق استغلال قصص الآخرين، بل لنطرح أسئلةً ومن ثم نستمع، في واقع الحال. والقصص التي نسمعها سوف تساعدنا على تكوين خريطة يمكن أن نظل على هديها سائرين في هذا العالم، وباقين على حبنا للاستطلاع و متفتحي العقول في سيرنا. وإذا ما جعلنا هذا الفضول المستمر يُثري رحلتنا بالمعرفة، فإننا نكون عندئذٍ متوجهين على الدوام في الاتجاه السليم، حتى لو لم نصل إلى مقصدنا أبداً.
عندما تسأل شخصاً ما سؤالاً في مقابلة ثم تعطيه فسحة من الوقت للإجابة، يحدث شيءٌ ما سحري. فالناس غير معتادين على أن يعطيهم الآخرون فرصةً ليشاطروهم قصتهم، من دون أحكام أو شروط ملحقة. وحين أبدأ مقابلتي مع شخص، فإنه غالباً ما يقول، ” إنني سعيد لإخبارك بقصتي. إنها ليست مهمة جداً، لكن … ” ولا يرى كثير من الناس أن ما عليهم قوله شيء له قيمته في سياق أكبر، والمسرح الوثائقي يدعنا نعرف أننا جميعاً لدينا شيءٌ ما نُسهم به، وأن خبراتنا لها معنى. فكم هو مدهش أن نقدم هدية الاستماع هذه لأكبر عدد نستطيعه من الناس؟
لقد أقمتُ المسرح الوثائقي مع ” فرقة الزوار الدائمين المسرحية ” وطلاب مدرسة ثانوية وكلية، وشاطرتُ بعض المعلمين التقنيات عبر حقول أكاديمية. ولم يكن هناك نقص في الأشخاص الراغبين في إجراء مقابلة معهم، ولا في فضول المكوّنين لهذا المسرح. وهو مسرح قليل التكلفة، وعالي التأثير، ويرتقي بالتعاون بين فروع المعرفة، والأوساط الاجتماعية، وما نرى أنها كينونة ” فنية ” وكينونة ” غير فنية “.
والمسرح الوثائقي يدعو جمهوراً واسعاً سعةَ المقابلات نفسها. وأنا على الدوام أدعو الذين أقابلهم والوسط الذي ينتمون له لمشاهدة الانتاج المسرحي المكتمل، وإنشاء هذا النوع من الجمهور الموسَّع هو أحد أفضل الأمور التي على المسرح الوثائقي أن يقدمها. فغالباً ما يكون أولئك الذين تحري مقابلتهم رواد مسرح غير منتظمين، ويجعلنا ذلك أغنى بحضورهم. ولا أحد يحب أن يجري الحديث عنه وكأنه غير حاضر. وحين نجعل المسرح مكوناً من قصص حقيقية، فإن الأشخاص الحقيقيين وراء هذه القصص ييتجمعون وتكون لهم هكذا قوة.
إن سماع وإعادة سرد هذه القصص لا يكلفنا إلا القليل. أما ثمن سد أسماعنا عن سمفونية الخبرات البشرية هذه، فيمكن أن يكلفنا قدان نوع العالم الجدير بالعيش فيه. والمسرح الوثائقي يتحدانا بطرح أسئلة عن الناس خارج خبرتنا نحن، واكتشاف الأرضية المشتركة، والإقرار بما لا نتفق عليه. وقد حان الوقت لمد أنفسنا ومهنتنا وإعطاء صوت لهذه القصص التي لا تحكى في الغالب، وبذلك نجعل من المسرح نموذجاً للكيفية التي تستطيع بها بقية العالم اختراق غرفة الصدى وتوسيع آفاقها.
وقد أوردت آن بوغارت في كتابٍ لها حكاية نادرة للكاتبة المسرحية مورغان جينيس. فقد سألت الكاتبة ذات مرة الأم تيريزا عما يمكنها فعله للمساعدة على إطعام الجياع في الولايات المتحدة، خشيةَ ألا يكون المسرح كافياً لتوفير مثل هذه المساعدة. فكان رد الأم تيريزا، ” هناك مجاعات كثيرة. ففي بلدي هناك مجاعة البدن. أما في بلدكم فهناك مجاعة الروح. وتلك هي التي يتوجب عليكم إطعامها “!

المصدر /المدى

محمد سامي / موقع الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *