«مسرح الصورة».. السينوغرافيا تؤسس لمشهدية آسرة

كيف يتلقى المشاهد مسرح الصورة؟ سؤال كبير، يندرج في دائرة التذوق المسرحي، بمثل ما يرتبط بمجموعة من النظريات والمفاهيم، التي سبق أن قدمت في المسرح العالمي، فهناك كتاب بالعنوان نفسه «مسرح الصورة» نشر في عام 1977، وتمت طباعته مرة ثانية في عام 1996، ويتكون من أبحاث عدة تناقش مسرح ما بعد الحداثة الأمريكي، للناقدة الأمريكية البروفيسورة بوني مارانكا، أشار إليه الكاتب والناقد المسرحي سرمد السرمدي، في سياق تسجيل بدايات ولادة هذا المفهوم في العالم العربي.

ما يهمنا هنا، هو محاولة تقريب هذا المفهوم، لدى المشاهد، حيث يفهم من كتاب «مسرح الصورة»، أنه بمثابة تأكيد على دور المخرج، وذلك العبء الذي يلقى على عاتقه للتعامل مع النص وتحويله بالكامل إلى العرض، حيث العرض هنا، يعتبر فضاء مختلفاً، حتى على الرغم من معرفة المشاهد للنص، وإدراك مراميه وأبعاده الاجتماعية والفكرية.

في التجربة الإماراتية، يشير الدكتور هيثم الخواج’ في كتابه (التجريب في المسرح الإماراتي) إلى مدة ما بعد سبعينات القرن الماضي، التي تجلى فيها التجريب بوصفه وعياً وفهماً لحركة الحياة، حيث فهم المسرحيون الإماراتيون هذا الاتجاه وولجوا به إلى فضاءات واثقة، وقدموا من خلاله تجارب مسرحية ملهمة، ربطت بين النص والعرض، تصدر فيه الإخراج العرض المسرحي بالاتكاء على أعمال عدد وافر من المسرحيين مثل: إسماعيل عبدالله، وصالح كرامة، وإبراهيم سالم، وجمال مطر، وناجي الحاي، ومرعي الحليان وعبدالله المناعي ومحمد العامري وحسن رجب وحبيب غلوم، وسالم الحتاوي، وعبدالله صالح ومحمد السلطي وعمر غباش وغيرهم.
ما قدمه د. الخواجة، كان يشير إلى ما يعرف بمسرح الصورة، وهو على عكس المسرح التقليدي كان يعنى بفضاء العرض وتشكيلاته السينوغرافية، كما يهتم بتقديم رؤية تنحاز لمفهوم المسرح باعتباره يقدم مشهدية آسرة، من دون الانحياز فقط لرؤية التأليف، والأفكار التي يطرحها النص كمنتج لغوي وكلامي ليس إلا، فانفتح العرض على أشكال الفرجة كافة، وحاكى التراث والطقوس كما قدم جماليات تحسب للصورة بوصفها، واحدة من ركائز العرض المسرحي.
«مسرح الصورة» إذاً، يدخل في صلب الحداثة كمفهوم، وهو يطال مجمل التيارات الأدبية والفنية، لا سيما ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهو مسرح ينقل الحكاية، إلى فضاء العرض، وهي السمة التي تشتغل عليها عروض المسرح الإماراتي المشاركة في المهرجانات، لا سيما مهرجان أيام الشارقة، الذي سجل في دوراته خلال السنوات القليلة الماضية، تجارب مهمة على صعيد الإخراج لمن سبق ذكرهم من الأسماء، لا سيما محمد العامري وأعماله الكثيرة مثل:«صهيل الطين»، «حرب النعل»، «اللوال»، «لا تقصص رؤياك» وغيرها.
ركزت البروفسورة بوني ماراكانا، التي أشرنا إليها آنفا، على الكثير من الأعمال المسرحية التي عرضت على نطاق عالمي، ومن ذلك على سبيل المثال مسرحية روبرت ويلسون «رسالة لملكة فيكتوريا» في محاولة منها للفت انتباه الجمهور لمقدار الإزاحة التي اخترقت النص الأصلي، نحو مسرح الصورة، وكيفية قيام علاقة جديدة بين هذه الصورة وبين المشاهدين.
مسرح الصورة يعتمد على فكرة إن العرض المسرحي لا بد إن يكون تمريناً في الإحساس البصري، وهذا ما حدث في العديد من الاعمال التي أسست لمسرح الصورة، كما هو لدى المخرج الفرنسي أنطون ارتو وغيره من المسرحيين الذين اشتغلوا على فكرة أن يكون الممثل تجسيداً لصورة الفكرة التي جاء بها المؤلف، وليس الفكرة ذاتها، كما تؤكد بوني في كتابها أولوية العرض المسرحي على أولوية الحوار الأدبي في مسرح الصورة.
بالإشارة إلى آرتو، فهو استفاد من فهمه للشعرية ليترجم ذلك في أعمال مسرحية، فقد كان ارتو ممثلاً وناقداً ومخرجاً ومسرحياً أسهم في بلورة ما يعرف ب«مسرح القسوة» في كتابه المعروف «المسرح وقرينه».
المخرج المسرحي الأمريكي روبرت ويلسون، أحد رواد المسرح التجريبي، اختار أن يقدم بهذه المناسبة عمله المسرحي الجديد بعنوان «1914» على خشبة المسرح الوطني في براغ، والمسرحية مستوحاة من رواية «الجندي التشكي الشجاع» التي كتبها ياروسلاف هاسيك في العام1921، والمأساة الساخرة بعنوان «الأيام الأخيرة للبشرية» التي كتبها كارل كراوس بعد الحرب العالمية الأولى، لقد حول روبرت ويلسون أسلوب الفكاهة العميقة لهذين الكاتبين إلى إيقاع كوميدي عبر عنه من خلال لغة الجسد.

 

عثمان حسن:

http://www.alkhaleej.ae/

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *