مسرحية “وجه العدالة الدامي “تأليف حسين عبد الخضر

مسرحية “وجه العدالة الدامي “تأليف حسين عبد الخضر

الشخصيات :
 
1- الضابط 
2- الرجل 
 
 
الزمان: أي يوم في السنة العراقية
المكان: مكتب مدير أمن عراقي
 
مدير الأمن على كرسيه، خلف مكتبه الأنيق يكلم شخصا ما وهو مبتسم:
: كما تحب، كما تحب، لن يغادر هذا المكان طالما أنا هنا… هاهاها، عندما انتقل سيكون قد مات…هاهاها، لا تخش شيئا، لا تخف أبدا أبدا طالما أنت تدفع بشكل جيد، هاها……
 
يفتح الباب بعنف، فيحدث صوتا شبيها بالإنفجار. ينخفض الضابط بسرعة تحت المكتب، ثم يرفع رأسه ببطء لينهض بعد أن يرى الشخص الذي اقتحم مكتبه. رجل متعب، يبدو كما لو أنه عجوز مع أن سنه ليس كبيرا.
 
الضابط: من؟
الرجل: ستعرف بعد قليل.
الضابط: كيف دخلت هنا؟!
الرجل: ستعرف بعد قليل.
الضابط: ماذا تريد؟
الرجل: ستعرف الآن.
الضابط: هل أنت مجنون؟!
الرجل: بالتأكيد.
 
يمد الضابط يده إلى حزامه في محاولة لسحب المسدس، فيسبقه الرجل إلى إشهار مسدسه.
 
الرجل: توقف، يداك إلى الأعلى، إلى الأعلى. وجهك إلى الحائط، تقدم إلى الحائط.
 
يتقدم الضابط رافعا ذراعيه إلى الأعلى ويقف مقابل الحائط، فيتقدم منه الرجل ويسحب المسدس منه، ثم يعود إلى مكانه، ويطلب منه أن يدير وجهه إليه ثم يسحب أحد الكراسي إلى وسط الغرفة ( الخشبة) ويطلب من الضابط الجلوس عليه، فيتقدم الضابط ويجلس.
 
الضابط: ( يصيح) جاسم، جاسم، عمار ……
الرجل: لن يرد عليك أحد. هل تريد أن تعرف لماذا؟ الأمر بسيط، قتلتهم جميعا.
الضابط: من أنت وماذا تريد؟ 
الرجل: لا تتعجل. ولكن، هل يمكنك أن لا تتعجل وأنت المتعجل دائما. لم يعترف اقتلوه، علقوه من جديد،  اجلبوا زوجته واغتصبوها، اغتصبوه هو، هيا بسرعة، ليس لدينا وقت للإنتظار… سيدي الضابط أرجوك اخبرني، ما هو الأمر العاجل الذي كان ينتظرك دائما، ما هو الأمر المهم الذي كنت تقتل الناس كل يوم من أجل اللحاق به؟ هل يمكن أن تتفضل بإطلاعي عليه، لو سمحت؟
الضابط: ( متظاهرا بالشجاعة) هل تعرف في أي موقف وضعت نفسك؟
الرجل: يا رجل، كم أنت سخيف يا رجل. سنوات طويلة وأنا أخطط لوضع نفسي في هذا الموقف… لقد عشت أساسا من أجل وضع نفسي في هذا الموقف.
الضابط: لا شك أنك مجنون.
الرجل: أنت تقول دائما أشياء لست مقتنعا بها. الوطن، سلامة الوطن، الأمن العام، المؤامرة التي تهدد الوطن، الأحزاب العميلة، الخونة. وتكذب، تكذب بشكل مهين للكرامة الإنسانية، بشرف بناتي ستخرج إن اعترفت، وقع هنا وسنطلق سراحك، نحن نعرف أنك شخص جيد، ولكننا نريد أن نعرف من ورطك في الأمر. وبعد أن يسمع الشخص هذه الكلمات يختفي. سيدي الضابط، أي شخص في مكانك سيعرف من أنا وماذا أريد.
الضابط: لا أعرفك ولا أعرف ماذا تريد.
الرجل: أنت تجعل الأمر محزنا أكثر بالنسبة لي، ومأساويا بالنسبة لك.
 
يطلق رصاصة بين قدمي الضابط تجعله يرتعد خوفا، ثم يأمره بالتقدم والجلوس على الكرسي، فيتقدم الضابط ويجلس. يتحرك الرجل ليقف خلف الضابط، يضع مسدسه في حزامه، ويخرج حبلا من الكيس الذي يضعه على المكتب، ويتقدم ليقيد الضابط إلى الكرسي بقوة. يصرخ الضابط من شدة الألم فيضحك الرجل بهستيريا حتى يفرغ من تقييده.
 
الرجل: إنها المرة الأولى التي تتألم بها في حياتك، طبعا، فأنتم سيدي الضابط خلقتم لتسببوا الألم للآخرين لا لتتألموا.
الضابط: ستندم.
الرجل: أعرف.
الضابط: لماذا إذن؟
الرجل: نحن، أفراد الشعب البسطاء، أقصد البؤساء الذين لا تفكر الحكومة بتوظيفهم في تعذيب الآخرين، يعلموننا في المدرسة أن نكون متسامحين، لذلك فأنا أعرف أني سأندم بعد أن أفرغ منك حتى بعد أن عرفت أنهم كانوا يهيئوننا لنغفر لكم أنتم بالتحديد… هل رأيت كم هي كبيرة المأساة التي نعيشها؟ 
 
ترتفع نغمة هاتف الضابط، فيخرجه الرجل من جيب الضابط ويجيب:
 
الرجل: نعم.
المتصلة: من أنت، أذهب وأخبر سيدك أني أنتظره.
الرجل: سيدي مشغول جدا ولن يتمكن من الحضور اليوم.
المتصلة: قل له أني زعلت عليه. وتغلق الخط.
 
الرجل: لا أشك في أن هذا هو الأمر الذي كان يجعلك متعجلا دوما. 
الضابط: ( متعاليا) ليس شأنك.
الرجل: ( وهو يطفئ الهاتف) ولم يعد شأن أحد بعد اليوم.
 
يسحب الرجل الكرسي الآخر ويجلس قريبا من الضابط المقيد.
 
الرجل: والآن لنبدأ العمل. هل تعرفني؟
الضابط: لا.
الرجل: إجابة ليست في صالحك. صدقني، من الأفضل لك أن تعرفني، سأخرجك من هنا إلى بيتك فورا إن أخبرتني من أنا.
الضابط: ( بصوت عال) مجنون.
 
يوجه الرجل صفعات متوالية إلى الضابط تجعل أنفه وفمه ينزفان.
 
الرجل: خطأ، خطأ، ليس هذا هو الجواب الصحيح، ليس هذا هو الجواب الذي أريد سماعه.
الضابط: ( خائفا) وماذا تريد أن تسمع؟.
الرجل: أنا لست مثلك لأملي عليك الإجابة، أنا لست ضابطا في أمن الدولة لأجعلك توقع على سيل من الإعترافات بجرائم لم تسمع بها. يجب أن تنسى ما تدربت عليه وتدرك أنك تعيش لحظة مميزة من حياتك، أنت يا سيادة الضابط تواجه محاكمة عادلة، أخبرني من أنا لتغادر إلى بيتك أو إبق مستمرا في المراوغة لتنال جزاءك العادل.
الضابط: لا أعرفك.
الرجل: ركز جيدا في وجهي، فكر قبل أن تجيب، فكل جواب خاطئ سيكون له ثمن، هيا ابدأ.
الضابط: ( بعد التركيز في وجه الرجل) لم أعرفك.
 
يوجه الرجل صفعات متتالية إلى الضابط.
 
الرجل: خطأ، خطأ، خطأ.
الضابط: دعني أركز مرة أخرى.
الرجل: ركز.
الضابط: ( بعد التركيز) لا أذكرك.
الرجل: سأسهل لك الأمر. أنا رجل أنتمي إلى حزب مدعوم من دولة خارجية، متأمر وعميل، وأعمل على اشاعة الفوضى وأخطط لقلب نظام الحكم واغتيال السيد الرئيس حفظه الله ورعاه، فمن أنا؟
الضابط: لا أعرفك، صدقني أنا لم ألتق بك سابقا.
الرجل: ( وهو يوجه الصفعات والركلات إلى الضابط) ابن الكلب كيف يمكن لضابط في أمن الدولة أن ينسى رجلا بهذه الخطورة، لقد عذبتني حتى تمزق جسدي، عذبتني حتى تمزق كل شيء فيّ، عذبتني لأني أخطر رجل على هذه الأرض، وتريد أن أصدق الآن أنك تجهلني.
الضابط: ( منهك من شدة الضرب) لقد ولى ذلك الزمان، ولى بكل ما فيه ونحن أبناء اليوم، صدقني… 
الرجل: اخرس،كيف يكون ذلك الزمان قد ولى وأنت مازلت في مكانك نفسه… أنت العين الساهرة على الوطن والآخرون هم الأعداء. 
الضابط: ( منكسرا) سيدي إن كنت جئت لكي تقتلني فأقتلني ولا داعي لكل هذا العناء.
الرجل: إذا كنت تفكر في أن تخدعني فأنت واهم، لن تجعلني مثلك أبدا. لن أقتلك دون محاكمة عادلة تعرف فيها ما هي تهمتك.
الضابط: ما هي تهمتي؟ 
الرجل: تهمتك أنك لم تعرفني.
الضابط: هذه ليست تهمة.
الرجل: ومن قال أنها تهمة، من حق كل إنسان على هذه الأرض أن يجهلني إلا أنت، أنت الوحيد الذي سيكون عدم معرفتك بي أكبر جريمة ترتكبها في حياتك.
الضابط: سأعترف.
الرجل: اعترف، فاعترافك سيضيء المناطق المعتمة من التاريخ.
الضابط: أنت واحد من الرجال الذين عذبتهم في زمن النظام البائد.
الرجل: اعتبرني كل الرجال الذين عذبتهم في زمن النظام البائد، وأخبرني قصة أي واحد منا كاملة.
الضابط: لا أذكر.
الرجل: ( ينهال عليه بالضرب) لا تذكر، لا تذكر، لا تذكر لأنك كنت ترانا قضايا مستعجلة، كنت ترانا مجرد عقبات بينك وبين وقت اللهو يجب أن تفرغ منها بسرعة. كان موت أحدنا أهون عليك من فوات موعد نومك. لا تذكر، ولماذا تذكر؟! لماذا تذكر الأجساد التي كان مجرد تثقيبها يأتي لك بالإعترافات وهي كل ما تطلب؟ لا تذكر لأنك مجرم، تدربت على أن تكون مجرم ولا شيء يمكن أن يجعل منك إنسانا آخر.
الضابط: أنا آسف، سأقوم بأي شيء تطلبه، سأدفع لك التعويض الذي تريد.
الرجل: آسف، نحن في محكمة عادلة وليس أنت من يحدد نوع العقوبة. 
الضابط: إذا كنا في محاكمة عادلة حقا فأنا أطالب بمحامي.
الرجل: ومن قال لك أن المحاكمة العادلة لرجل مثلك في قضية كالتي نحن أمامها تحتاج إلى محام؟ نحن أمام قضية واضحة وما أطلبه منك أمر بسيط. ( يخاطب الجمهور) هل يمكن لضابط تحقيق عذب رجلا بتهمة التآمر على أمن الدولة والتخطيط لإغتيال السيد الرئيس حفظه الله ورعاه أن ينساه؟ هل يمكن لضابط تحقيق قتل طفل وزوجة المتهم وزج بإمه العجوز في السجن لتموت وحيدة أن ينساه؟ ولكن لماذا اسألكم أنتم، فرأيكم ليس مهما ولا علاقة لكم بالموضوع، ستكون لكم علاقة عندما تجدون أنفسكم مقيدين أمام هذا الشيء تواجهون تهمة مرعبة.
الضابط: أنت تعرف أنه أمام تهمة تهديد أمن الدولة وسلامة السيد الرئيس حفظه الله ورعاه لا يمكن إلا أن تعترف بأي شكل من الأشكال.
الرجل: الأم والزوجة والطفل الرضيع شكل من الأشكال؟
الضابط: نعم، هكذا كانت التعليمات عندما يكون المتهم عنيدا.
الرجل: عندما يكون المتهم عنيدا أم ليشعر السيد الرئيس حفظه الله ورعاه بالأهمية وهو يقرأ ملف التحقيق مع رجل حاول اغتياله؟
الضابط: وهذا أمر مهم بالطبع.
الرجل: فرصتك الأخيرة للعودة حيا إلى البيت.
الضابط: ماذا؟
الرجل: هل تعرف ماذا قال طفلي الرضيع قبل أن يموت؟
الضابط: لا.
الرجل: هل تعرف بم كانت تحلم زوجتي قبل أن تختطفوني منها؟
الضابط: لا.
الرجل: هل تعرف اسم الدواء الذي كانت أمي تأخذه قبل أن ترمي بها إلى السجن؟
الضابط: لا.
الرجل: ( يبتعد عن الرجل إلى أحد جوانب الغرفة ويأخذ هيئة القاضي) نظرا لثبوت تهمة ترسخ الروح الإجرامية لدى ضابط تحقيق مديرية أمن السيد الرئيس حفظه الله ورعاه وعدم اهتمامه بمعرفة اسماء ضحاياه أو تذكرهم، قررت المحكمة اعدامه رميا بالرصاص.
الضابط: هذا ليس عدلا، ليس عدلا، لا يمكنك أن تكون الحاكم والخصم. هذا ليس عدلا.
الرجل: وماذا تعرف أنت عن العدل؟
 
يتقدم الرجل ويربط عيون الضابط بعصابة سوداء، ثم يطلق عليه النار بعد أن يقول: 
الرجل: من أجل كل الأرواح البريئة التي أزهقتها، ومن أجل كل الأرواح التي تفكر في إزهاقها.
 
ستار
 
حسين عبد الخضر 
husayna73@yahoo.com 
—————————————-
المصدر : مجلة الفنون المسرحية 

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *