مسرحية مواجهة الموت لأوجست إسترندبرج/علي خليفة

بعض مسرحيات إسترندبرج يشوبها جو الكآبة ولا عجب أن يتألم المشاهد وهو يشاهد هذه المسرحيات وينفعل بالفكرة أو القضية التي يبثها إسترندبرج في هذه المسرحيات
وقد تكون بعض مسرحياته يسري فيها تيار الكآبة في أحداثها وشخوصها وتنتهي بالضياع والموت كما نرى في مسرحية الآنسة جوليا ومسرحية الأب ومسرحية رقصة الموت ولكن هناك مسرحيات أخرى له تشحن أحداثها بأجواء الحزن والقلق والكآبة ولكن يأتي الخلاص في النهاية الذي يضع حدا لهذا العذاب الذي عاناه الشخصيات في هذه المسرحيات والذي عاناه أيضا مشاهدو هذه المسرحيات وقارئوها كما نرى في مسرحية عيد القيامة التي تعاني فيها أسرة من أم وأب وأخ وأخت لأخطاء ارتكبها الأب وتسببت في سجنه ولكن يأتي خلاصها في نهاية المسرحية فقد ثبتت للمحن التي تعرضت لها وصارت أكثر نقاء بعد أن طهرتها الآلام التي عانتها في هذه المحن ويربط إسترندبرج في هذه المسرحية بين معاناة هذه الأسرة ومعاناة المسيح- كما هو في تصور العقيدة المسيحية عنه-
وتتشابه أجواء الكآبة التي نراها في هذه المسرحيات لاسترندبرج مع أجواء الكآبة التي نراها في مسرحيات تشيكوف الطويلة مثل مسرحية الخال فانيا ومسرحية إيفانوف ومسرحية الشقيقات الثلاث ولكن الفرق بين أجواء الكآبة في مسرحي هذين الكاتبين أن الكآبة في مسرحيات تشيكوف لا خلاص منها وعلى الإنسان أن يستسلم لها وفي مسرحيات تشيكوف الطويلة كل شخصياته فيها تعاني وتتألم وتقبل الحياة بمرارة كبيرة أما إسترندبرج فالكآبة في مسرحه يمكن أن تنتهي بعد أن تغسل النفس بالآلام وكذلك فإن أجواء الكآبة في مسرحيات إسترندبرج يعيشها في الغالب شخص محدد يدور عنه الصراع
وومسرحيات إسترندبرج بصفة عامة حافلة بالصراع وهو يبث التشويق والحركة فيها أما مسرح تشيكوف فالصراع فيه يسري ببطء ولا يكاد المرء يبصره بسهولة إنه يجري دون أن نكاد ندركه ولهذا فالإثارة في هذه المسرحيات ضعيفة إلى حد ما حتى إذا وصلنا لنهاية هذه المسرحيات ازداد تعلقنا بها وأدركنا أن الحركة كانت تسري فيها ولهذا رأينا نهايتها تبرهن على الصراع والحركة فيها
و مسرحية مواجهة الموت لإسترندبرج مسرحية قصيرة من فصل واحد والكاتب لا يمهد للحدث فيها بل يدخل فيه مباشرة ونجد بطلها الرئيس -وهو هنا دوران الأب -يعاني من قسوة حياته ومما تسببت له زوجته من ضياع كثير من المال بمضارباتها وتشويه لسمعته أمام بناته الثلاث ومع أنها ميتة منذ سنوات ولكننا ندرك من حوار دوران مع بناته أنها مازالت حية فبناته يصدقن كلاهما الذي قالته لهن عن سوء خلق والدهن وأنه فر من إحدى الحروب وأنه الذي أتلف مال الأسرة فعرضها للحاجة ويحاول عبثا أن يدافع عن نفسه ولكنهن لا يصغين له ويعاملنه بازدراء شديد ولهذا يعاني ويدرك أنه حي كالميت لقد قضت زوجته على سمعته الطيبة بين بناته في حين أعلت من قدر نفسها عندهن
وحين يرى دوران أنه لا يستطيع أن يبعث سيرته الطيبة في نفوس بناته وأن يوفر لهن الحياة الكريمة يقرر أن يسلم جسده للموت بعد أن مات روحه منذ سنوات بعيدة فينتحر بشرب السم ويشعل النار في الفندق عسى أن تستطيع بناته الحصول على تعويض التأمين ضد الحرائق
وفي هذه المسرحية نرى جو الكآبة يشملها من أولها لآخرها ونتعاطف مع بطلها ونتألم له ونتألم أيضا من أجواء الكآبة التي بها
وفي هذه المسرحية أيضا يعزف إسترندبرج على نغمة الصراع بين الرجل والمرأة التي تتردد في أكثر مسرحياته ويسرف في هذه المسرحية في الهجوم على المرأة كما فعل في عدة مسرحيات مثل مسرحية الأب ومسرحية الرباط

محمد سامي / مجلة الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *