مسرحية “ضياع”.. الرقص حدّ البكاء

بحضور جماهيري كبير قدمت فرقة مسرح بغداد للتمثيل مسرحية “ضياع” التي كتبها الشاعر “عبد الرزاق الربيعي” ، وأخرجها “حسين علي صالح” ، وهي تتحدث عن غربة الإنسان العراقي في بلده قبل أن يبتعد عنه ، فيبدو أن هذا هو قدره ، لأنه ولد على هذه الأرض  .

تعتمد المسرحية على مونودراما كتبها “الربيعي” بعنوان  “البهلوان” ،  وكان قد  قدمها المخرج “رسول الصغير” في هولندا عام 1997 ، كذلك قدمها في بغداد المخرج “علي حسين صالح” عام 2005 ، و أدى فيها  دور البطولة حينها الممثل “فلاح إبراهيم” ،و”ساهرة عويد” ليعيد عرضها بعد أحد عشر عاماً منيطاً دور البطولة هذه المرة الى الممثل “طه المشهداني ” ، فيما إستمرت الفنانة “ساهرة عويد” بأداء دورها ،  وكتب “الربيعي”  المسرحية بعد حادث حقيقي تعرَّض له مجموعة من شبان عراقيين هاجروا الى  إحدى الدول الأوربية عام        لكن تلك الدولة لم تستقبلهم عند وصولهم الى حدودها  بعد رحلة شاقة ليعيدوهم الى البلد الذي دخلوا الحدود عن طريقة ، وهذا البلد رفضهم أيضا ليستمروا في التحرك بين الدول في قطار اُطلق عليه “قطار اليأس” لمدة ثلاثة أشهر ،  و يأتي ذكر هذا القطار في المسرحية،  فبطل المسرحية أحد ضحايا هذا القطار، وهو أمر يُحسب للكاتب الذي أرَّخ لهذه الحادثة عبر هذا النص ليكون عصياً على النسيان ، فالحادثة تعود الى الذاكرة كلما تم قراءة النص أو عرض المسرحية ، وبعد كل هذه السنين تعود مآسي المهاجرين الى الصدارة بسبب الأحداث العاصفة في كل من سوريا والعراق ، فيجد المخرج الفرصة سانحة لإعادة عرض المسرحية لما لها من علاقة مع مايحصل الآن ، فالنص متجدد مادامت المآسي حاضرة .

 

خشبة المسرح “سجن”

قبل العرض يُسلِّم موظف يرتدي ملابس رسمية الى الجمهور “كروت” كتب عليها أرقام السجناء في باب المسرح الرئيسة  ، ليدخل الجميع ممراً يؤدي الى باب قاعة العرض ،وهنا يستلم موظف آخر تلك “الكروت” ،ويحاول المخرج هنا أن يُهيئ المُشاهد ليتقبل فكرة أنه داخل سجن ، وجاء لمقابلة نزيل في الزنزانة ، ليبدأ العرض بدخول السجين “الذي تعمَّد المؤلف  أن لا يكون له إسم” لتضخيم حالة الضياع التي يُعانيها فهو بلا إسم ، ولاجنسية ، ولا أي أوراق ثبوتية تدل على أنه موجود ، ليبدأ بسرد حكايته منذ طفولته إذ نذرته أمه ليكون هزأة بسبب موت أطفالها بعد ولادتهم ، وهو أمر مُتعارف عليه في الموروث الشعبي العراقي فتُربيه أمه على أن يتحمل الإهانات ،والصفعات لأنه نُذر لذلك ،وعليه أن يعتاد عليه فيتعلم منذ نعومة أظفاره على أن يعيش بلا كرامة ، فهو يرقص ، ويضحك بعد كل تطاول على كرامته ، والكاتب هنا يدين الحكومات  التي دفعت المواطن للعيش بلا كرامة ، فيصبح مشهد رقصه محزناً حدّ البكاء ، ثم بعد أن يكبر ، ويدخل الجيش يستمر في أداء دوره كـ”هزأة”، فيسخر منه الآمر في مشهد مؤلم ، فالضابط يتسلى بارعابه بالمحاكمة العسكرية الصورية التي تحكم باعدامه وسط توسلاته ، لكن صاروخاً يوقف تلك المهزلة ،لينتهي المشهد بمقتل من حوله لعيش هو بالمصادفة، بعد ذلك يقرر الهجرة فلا يختلف الأمر عنده فهو يبقى حبيس ماضيه المظلم ، ليتحول في النهاية إلى مهرج يُضحك الناس ليكسب قوت يومه ، ولتقبض عليه الشرطة بسبب دخوله الى البلاد بطريقة غير شرعية .

 

كوميديا لكبح الحزن

لم يخل النص الأصلي من الكوميديا لكسر حالة الحزن التي كانت تخيم على المسرحية ، إلّا أن من الواضح أن المخرج أضاف بعض النكات لاسيما تلك التي تنقد الوضع الراهن في العراق، فهو يتحدث عن الأحزاب ، والوضع الإقتصادي المتردي ، ودخول الطارئين الى الوسط الثقافي ، والمسرحي خصوصاً ، وهكذا ، فهو يستغل الفرصة لدس إنتقاداته للظواهر السلبية .

أدت الممثلة ساهرة عويد أدوارها باتقان فقد كانت أشبه بطيف يظهر للبطل كلما تحدث عن موضوع ما فكانت الأم ، والسجّان ، والضابط ، والشرطي ،وكابتن السفينة ،  وممثل الأمم المتحدة، وكان أداؤها أكثر تأثيراً كونها خبرت الدور ، وأنضجته بعد أن أدته قبل 11 عاماً كذلك أدى الممثل “طه المشهداني” دوره الصعب بمرونة أقل مما كان يجب أن يكون عليها فطبيعة هذا الدور كانت تحتاج إلى راقص محترف ، فبطل المسرحية إمتهن الرقص التراجيدي على أوتار مأساته الشخصيّة حياته كلها .

بعد نهاية العرض صرح الممثل “فلاح إبراهيم” الذي أدى دورالبطولة قبل 11 عاماً لـ”أثير” بقوله “بالتأكيد هناك إختلاف بين أدائي ، وأداء زميلي “المشهداني ” فهناك إختلاف في الرؤية بين كل منا ، وهذا أمر طبيعي ، فالممثل يجب أن يضع لمساته الفنية على الشخصية التي يؤديها ، كما أن 11 عاماً مدة طويلة إختلفت خلالها رؤية المخرج للعمل بشكل عام ” وختم حديثه بالقول ” فاجأتني الزميلة ساهرة عويد بأدئها فرغم تلك السنوات الطوال لازالت بنفس الحيوية، بل زادت أكثر من السابق “

 

محمد جبار

http://www.atheer.om/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *