مسرحية سالومي لأوسكار وايلد/علي خليفة

على الرغم من الحياة القصيرة التي عاشها أوسكار وايلد – فقد ولد سنة 1854 وتوفي سنة 19000 – فقد كتب إنتاجا أدبيا غزيرا يتضمن الشعر والقصة والرواية والمسرحية وكان سباقا في الكتابة في أشكال أدبية ومذاهب جديدة فلهذا نرى له قصائد تدخل ضمن الرمزية وكان ببعض كتاباته سابقا في التعبير عما تدعو له المدرسة البرناسية أو مدرسة الفن للفن كما نرى في مسرحية أهمية الجد
وكتب عدة مسرحيات أولها مسرحية فيرا وتدور في أجواء روسية وتعبر عن معاناة الكادحين في روسيا وتتنبأ بالثورة البلشيفية ولكن نهايتها – من وجهة نظري – فيها ضعف شديد
وكتب بعد ذلك مسرحيات يغلب عليها اللون الاجتماعي فهي تصور المجتمع الإنجليزي في الربع الأخير من القرن التاسع عشر ومن مسرحياته في هذا الاتجاه مسرحية مروحة الليدي وندرمير ومسرحية زوج مثالي ومسرحية أهمية أن تكون جادا
ويعد كثير من النقاد مسرحيته أهمية أن تكون جادا ومسرحيته سالومي أروع ما كتب
أما عن مسرحية سالومي ففيها يلجأ وايلد للتاريخ والإنجيل وبعض الأعمال الفنية والأدبية التي تحدثت عن سالومي التي رقصت لحاكم الربع هيرود وكانت مكافأتها رأس النبي يوحنا – أو يحيي –
وتقع مسرحية وايلد في فصل واحد طويل يدور في جانب من قصر هيرود ويظهر فيه شرفة كبيرة تطل على حديقة ملاصقة للقصر
ونرى مع بداية أحداث المسرحية بعض الحاضرين من أتباع هيرود يتحدثون عما يوحي إليهم تأملهم للقمر فيراه البعض كامرأة ميتة في حين يراه البعض رمزا للجمال والسحر وهذا المدخل للمسرحية لا شك يوحي بضبابية الرؤية وغموضها
ثم يتحدثون عن سالومي ابنة هيروديا وجمالها ويبدي بعضهم شغفه بها ويشير آخرون لغرام هيرود زوج أمها بها
ثم تقبل نحوهم سالومي وتسمع عبارات النبي يوحنا – تصل إليهم من حديقة القصر – المنذرة بالعذاب للآثمين وتظن أنه يقصد بها أمها لأنه استنكر زواجها من هيرود بعد قتل زوجها الأول والحاكم السابق أخي هيرود
وترغب في رؤية يوحنا ولكن يحذرها الحاضرون من ذلك لأن هيرود منع أتباعه من الحديث معه وفي الوقت نفسه نهى عن الإساءة إليه لأنه كان يظن أنه قد يكون مبعوثا من عند الرب وقد يكون هلاكه منذرا بمصائب تحدث له
وتتمكن سالومي من الحديث معه في الحديقة وتعجب به حين تراه – وكانت قد أعرضت عن كل من كان قد هام بجمالها – ولكنه يرفض حبها له في حدة ويلفظها ويتنبأ لها بالعذاب
وهنا تثار في داخلها ثورة للانتقام منه وتستغل رغبة زوج أمها في أن ترقص له وأنه سينفذ لها أي طلب تطلبه حتى لو كان نصف مملكته إن رقصت له في تلك الساعة لأنه مكتئب وتحثها أمها على ألا ترقص له ولكنها تخالف أمر أمها لها وترقص بعد أن ارتدت الغلالات السبع – وقد سميت رقصتها بالغلالات السبع – ويعجب هيرود برقصها كثيرا
وبعد أن تنتهي من رقصها تطلب إلى هيرود أن ينفذ طلبها ويفاجأ هيرود بطلبها رأس يوحنا مكافأة لها على رقصها وتبتهج الأم بهذا الطلب ولكن هيرود يفزع له ويقول لها اطلبي أي شيء غير ذلك كأغلى المجوهرات واللآلئ ولكنها تصر على أن تكون مكافأتها رأس يوحنا ويستمر هيرود فترة طويلة في محاولة إغرائها بأي مكاقأة أخرى على رقصها له ولكنها تصر على أن تكون مكافأتها رأس النبي يوحنا
ويرضخ أخيرا هيرود لطلبها وهو يستشعر أن مصائب ستعقب مقتل هذا النبي
وتقطع رأس يوحنا ويؤتى بها في صحفة وتفرح هيرودا بذلك ويتشاءم هيرود من هذا الفعل أما سالومي فتقترب من هذا الرأس وتكلمه وتقول : لماذا لم تحبني يا يوحنا لو أنك أحببتني لما اضطررتني لقطع رأسك ثم تقبل فمه وتقول : ها أنا ذا قد قبلت فمك يا يوحنا وأرى مرارة في فمك لعلها من أثر دمك
وهنا يغضب هيرود ويقول اقتلوا هذه المرأة – أي سالومي – وتنتهي المسرحية
وبعض النقاد يرون أن هيرود أمر بقتل سالومي في هذه المسرحية لأنه غار من يوحنا بعد أن قبلت فمه بعد قتله والبعض الآخر يرى أن سبب أمر هيرود بقتل سالومي لأنه استشعر الخوف مما اقترفه بقتل هذا النبي فأمر بقتل سالومي لأنها المحرضة لقتله عنده
وفي رأيي أن هيام سالومي بيوحنا حين رأته مرة واحدة ولدقائق قليلة شيء غير مقنع وحرصها بعد ذلك على الانتقام منه لرفضه إياها بقتله أيضا غير مقنع ثم إن تقبيلها إياه بعد قطع رأسه لا يقنع أيضا إلا إن كانت شخصية مريضة نفسيا وهذا لم يظهر في أحداث المسرحية بشكل واضح
وكذلك حوار هيرود مع سالومي بعد رقصها وطلبها لرأس يوحنا فيه إطالة وتكرار وكان الأولى اختصاره
ولكن مما يحسب من مزايا هذه المسرحية أنها عرضت أجواء من المجتمع الذي كان يعيش في فلسطين في هذه الفترة التاريخية كاليهود والرومان والعرب وأجناس أخرى ووضحت فرق اليهود وانقساماتهم
ولم يتوسع وايلد في هذه الأمور إلا بما يخدم أحداث مسرحيته
كذلك حاول وايلد أن يجعل مسرحيته تراجيدية ولهذا أنهاها بهذه الأحداث الدامية التي رأيناها
ولي ملحوظة أخيرة هنا وهي أن اسم سالومي غير موجود في إنجيلي مرقص ومتى اللذين أشارا لقصتها مع هيرود ويوحنا
أما عن المصادر الإسلامية لقصة سالومي مع النبي يحيي – وبالطبع لم يرجع لها وايلد – فقد قرأت حديثا للنبي – صلى الله عليه وسلم – يقول فيه : إن رأس يحيي قدم مهرا لبغي
وتشير المصادر الإسلامية إلى أن حاكم الربع أراد أن يتزوج ابنة أخيه فعلم النبي يحيي – عليه السلام – بهذا فقال إنه زواج محرم وفي يوم رقصت له هذه الفتاة – أي ابنة أخيه – وأراد أن ينال منها فقالت له إن مهري رأس يحيي واستجاب لطلبها وأمر بقطع رأس يحيي ليكون مهرا للزواج منها

محمد سامي / موقع الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *