مسرحية الينبوع ليوجين أونيل /د. علي خليفة

 

المصدر / محمد سامي موقع الخشبة

لم يكن مصادفة في هذه المسرحية ربط أونيل فيها بين سقوط الأندلس، وذهاب شمس العرب، واكتشاف أمريكا واستعمارها من قبل الأسبان، ثم الإنجليز بعد ذلك.
والقائد الذي شارك في إخراج العرب من الأندلس، وهو جوان، هو نفسه قد شارك مع كريستوفر كولومبوس في اكتشافاته، ووصلا إلى العالم الجديد أي الأمريكتين.
وكما تم إبادة العرب في (أسبانيا) وأقيمت محاكم تفتيش جائرة وباطشة لهم فكذلك تم في أمريكا إبادة الهنود الحمر؛ ليستطيع الأوربي أن ينفرد بالعيش في هذين الموطنين.
لا شك أنه ربط عجيب من الكاتب الأمريكي يوجين أونيل – ذي الأصول الأيرلندية – بين ذهاب شمس العرب في الأندلس، واكتشاف أمريكا واستعمار الأوربيين لها.
وقد أظهر أونيل في مسرحية الينبوع بعض العرب الذين بقوا في الأندلس بعد هزيمة جيوشهم بالمسالمين الطيبين، في حين أظهر بعض القادة الأسبان متعطشين للدماء، وما فعلوه مع أهل أسبانيا من العرب من سفك لدمائهم بعد هزيمتهم على أيديهم فعلوه في أمريكا مع أهلها الأصليين أيضًا بعد اكتشافها.
وكان جوان القائد الأسباني لا يرضى عما يقوم به قومه من ارتكاب مجازر للعرب في أسبانيا ولأهل البلاد المفتوحة في أمريكا، لكن ماذا يفعل صوته أمام أصوات أخرى كثيرة تعارضه، ويبدو تعطشها للدماء.
وفي بداية هذه المسرحية نرى جوان في أحد قصور العرب، ويرحب به ذلك العربي، ويقول له حق لك هذا التصرف فأنت المنتصر، ويعامل جوان هذا العربي بنبل، فيرد عليه العربي: إن نبل المنتصر يخفف على المنهزم ثقل الهزيمة، ويتلو كلامًا من كتاب الله  قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ  “.
والاستشهاد بهذه الآية يعبر عن أحد أبعاد هذه المسرحية، فالأيام دول، والحضارات تتناقل من مكان لآخر مع توالي العصور، ولا يجب على المنتصر أن ينتشي بانتصاره، فالأيام قلب، ولا شيء يبقى مع تتابع الأيام على حاله.
وتأتي بعد ذلك إلى جوان في هذا القصر مارية، وهي زوجة أحد القادة الأسبان، وينزعج جوان لمجيئها، فزوجها ينتظر وصوله لهذا المكان بعد قليل.
وتخبر مارية جوان أنها تحبه، وقد صرحت له اليوم بحبها؛ لأنها لن تراه بعد ذلك، فسوف تغادر هذا المكان مع زوجها.
وبينما مارية تخرج من هذا القصر يراها زوجها، ويطلب جوان للمبارزة، ويتعمد جوان ألا يقتله بل يكتفي بجرحه في قدمه، ويتوقع أن تعنى به مارية زوجته، وأن تكون فترة تمريضها له باعثة لدفء العلاقة بينهما.
ويحدث ما توقعه جوان، فتمرض مارية زوجها، ويعيشان في سلام، وينجبان بنتا هي بياتريس.
ويذهب جوان مع كولومبوس إلى العالم الجديد، ويصبح أميرًا على منطقة فتحها فيه هي بورتريكو. ويعامل أهالي البلاد المفتوحة بأسلوب يخلو – إلى حد ما – من القسوة، ويعترض بعض رفاقه عليه، ولكنه يصر على استخدام هذه المعاملة.
وتمر السنون على جوان، ويكبر في السن، وهو ما زال حاكمًا على بورتريكو، ويتحول صديقه لويز الشاعر لقس، ويأتي من أسبانيا القس ديجو، وهو لا يرضى عن أسلوب جوان المتسامح مع أهالي البلاد المفتوحة.
ويقول له إنه أتاه بهدية، ولم تكن هذه الهدية سوى بياتريس ابنة مارية فقد كبرت وصارت شابة، وأوصت أمها أن يقوم جوان برعايتها بعد موتها.
ويفتن جوان ببياتريس، ويظن أن مارية قد طلبت إليه أن يتعهدها لتنتقم منه، فقد ظنت أنه سيحبها، وسيبكي من خلالها على شبابه الذي صرفه في الحرب وفي أمجاد أسبانيا، وأمجاده الشخصية.
ويعلم ديجو جوان أن ملك أسبانيا قد سمح له بأن يواصل فتوحاته ليصل إلى كافيه ذلك البلد الذي وصف بأنه بلد الكنوز وبه نبع من يغتسل فيه يجدد له شبابه.
وكان جوان ينكر هذه الأسطور في بداية المسرحية، ولكنه بعد أن كبر في السن ورأى مارية تمنى أن تكون هذه الأسطورة حقيقة؛ ليتمكن من الوصول إلى قلب بياتريس التي أحبها بالفعل.
ويصاحب جوان في رحلته للوصول لكافيه أحد الهنود الحمر ويخدعه، فيقول له إن هذا البلد موجود بالفعل، وإنه سيعرفه الطريق إليه.
ويأتي ذلك الشخص لبلد، ويسبق جوان لمكان نبع ويتفق مع بعض الهنود الحمر على أن يضعوا بعض الذهب حول ذلك النبع ليخدعوا القائد جوان، ويطلب إليهم أن يستعدوا لقتله.
ويأتي جوان مع هذا الشخص لذلك النبع، ويرى بعض الذهب حوله، ويظن أنه نبع الشباب، ولكنه يفاجأ ببعض الهنود الحمر يهجمون عليه وينشبون سيوفهم في صدره.
ويأتي رفاق جوان عند هذا النبع، ويحملونه، ويرون فيه بقية رمق، فيعالج، وتراه بياتريس في مرضه، وقبل أن يصرح لها بحبه لها، يرى ابن أخيه الشاب جوان قد وصل، وأن بياتريس تحبه، فيخفي في صدره حبه لها ويموت وتنتهي المسرحية.
والنغمة الأساسية في هذه المسرحية هي البحث عن الشباب بعد فقده، فقد باع جوان شبابه من أجل مجد أسبانيا ومجده الشخصي، ولم يعترف عند ذلك بالحب، ولكنه بعد أن كبر هجم عليه الحب، وغالبًا تعمدت هذا مارية بأن أرسلت له ابنتها معتقده أنه سيحبها، وتعاقبه من خلالها؛ لأنه رفض حبها يومًا.
ولا أستبعد أن يكون توفيق الحكيم في قصته عهد الشيطان قد تأثر بهذه المسرحية مع تأثره بأسطورة فاوست فيها، فالمؤلف فيها باع روحه للشيطان في سبيل أن يقدم له المعرفة، ثم اكتشف بعد سنوات أنه حصل على المعرفة التي كان يرغب فيها، ولكنه فقد شبابه، وأخذ يبكي عليه؛ لأنه لم يتمتع به، وكذلك جوان باعه شبابه من أجل أمجاده الشخصية، ثم اكتشف أن كل هذا زيف، وحين أراد أن يستمتع بالحب وجد نفسه قد كبر ولم يعد صالحًا له.
وفي هذه المسرحية نرى أونيل يعطينا صورة حزينة للشاعر نوعًا ما، ففيها نرى شاعرًا عربيًا في أولها يقول قصيده عن كافيه مدينة الخيال التي يوجد فيها نبع يعيد الشباب لمن فقدوه، وفيها كنوز لا مثيل لها.
وعلى الرغم من أن هذا الشاعر العربي يقتل بعد أن يقول قصيدته هذه غدرًا من قبل ديجو، لأنه متعصب ويرى العربي نجسًا في بلادهم – فإن قصيدته هذه تسري في أجواء المسرحية، وبعد أن كان جوان يكذب بما جاء فيها إذا به بعد أن فقد الشباب يعود فيسبح في خيالها، ويسعى لتحقيق الخيال الذي بها، من خلال محاولته الوصول لكافيه ونبع الشباب بها.
والملاحظ أن الشاعر العربي يقتل في أولها، ولويز الشاعر يترك الشعر. ومن هنا نرى أن الشاعر لا بقاء له. وهذه نظرة فيها بعض تشاؤم للشعر والشعراء في هذه المسرحية.
وقد أظهر أونيل في مسرحيات أخرى له الشاعر في صورة ضعف أيضًا، كما نرى في مسرحية ما وراء الأفق فالأخ الأصغر فيها صاحب الروح الرومانسية والذي ينساب الشعر على لسانه، نراه ضعيفًا مهزومًا، وتستنكره زوجته، ويموت في نهاية المسرحية بعد أن يفقد كل شيء الابنة وحب الزوجة والأرض.
وكذلك نرى الشاعر في مسرحية قبل الإفطار شخصا منهزما تشكو زوجته لأنها تزوجته، ويجرح نفسه وهو يحلق ذقنه، ويخرج دم كثير منه مما يؤدي لموته.
وفي مسرحية لوثة الشاعر تحب بنت الكونت شاعرا ينتمي لأسرة ثرية، ولا يظهر في المسرحية، ومع ذلك سميت المسرحية باسمه، ووصف باللوثة، وظهر رومانسيًّا يعيش في عالم خاص به منعزل عن الواقع.
ولعل أونيل قصد بإظهاره الشاعر في مسرحياته بهذه الصورة السلبية أن عصرنا الحديث بما فيه من ماديات تطغى عليه لم يعد للشعر والشعراء الحالمين دور فيه.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *