مسرحية الحمار يفكر لتوفيق الحكيم ( كتبت سنة ١٩٦٩م) د.علي خليفة

ثبت بالوجدان الجمعي ارتباط الحمار بالفكاهة ، ولذلك نراه في كل الأمم تقريبا مرتبطا بالفكاهة ، والقصص الطريفة على وجه الخصوص ، ولعل العرب أكثر الأمم التي ارتبط الحمار عندها بالأدب الفكاهي ، ولهذا نرى في كثير من النوادر الطريفة للحمار حضور قوي فيها ، ولهذا كتبت دراستي صورة الحمار في النادرة ، وبعض الظرفاء العرب القدماء كان لهم علاقة قوية بالحمار ، وعلى رأسهم جحا الذي لا يذكر إلا ويذكر معه حماره
وقصة علي بابا والأربعين حرامي التي ألحقها أنطوان جالان بقصص ألف ليلة وليلة نرى للحمار فيها علاقة قوية بعلي بابا
وفي الأدب الحديث نرى الكاتب الأسباني خمينيث يكتب كتابه الشهير بولاتيرو وأنا ، ويقصد ببولاتيرو حماره الظريف ، وقد أشيع أن توفيق الحكيم قد تأثر بهذا الكتاب وحاكى مؤلفه فيما كتبه من أدب فكاهي جمع فيه بينه وبين الحمار ، ولكن هذا التجني على الحكيم غير صحيح وإن كان هذا لا يمنع من احتمال تأثره بكتاب بولاتيرو وأنا لخمينيث، وذلك لما قلته من ارتباط الحمار بأدبنا العربي الفكاهي منذ القدم ، ولحب الحكيم للحمار ، ولقدرته على التنويع في الحديث عنه ، فكتب مجموعة حوارات سياسية وفكرية يحاور فيها حماره بطريقة السخرية بعنوان حماري قال لي ، وكتب رواية حمار الحكيم وجعل الحمار يشارك الراوية فيها بطولتها ، وأخيرا كتب أربع مسرحيات من فصل واحد فيها نقد سياسي سافر ، وجعل الحمار شاهدا ومشاركا في هذا النقد
والحكيم في مسرحية الحمار يفكر -على وجه الخصوص – يشتد في نقد الفترة الناصرية ، ويصبح الشكل الخارجي للمسرحية مجرد غطاء شفاف يكشف ما خلفه من نقد سياسي شديد لتلك الفترة التي حكم فيها جمال عبد الناصر مصر
وقد ذكر الحكيم في كتاب عودة الوعي -الذي كتبه في أواخر حكم عبد الناصر لمصر ولكنه نشر بعد وفاته لعدم تمكنه من نشره في حياته -أنه كان في بداية ثورة يوليو من مؤيديها عسى أن تقضي على الديمقراطية الزائفة التي كانت قبل الثورة وتستبدل بها ديمقراطية حقيقيةً،ويقول أيضا إن عبد الناصر قد ذكر له وهو رئيس لمصر أن روايته عودة الروح هي التي ألهمته التفكير في ثورة يوليو ،ويقول الحكيم أيضا إن عبد الناصر كان يحبه في فترة حكمه ،ولكن الحكيم انقلب على عبد الناصر والناصرية بعد هزيمة ٦٧وربما قبلها حين رأى أن الاشتراكية التي تنادي بها الدولة آنذاك هي اشتراكية زائفة
ولا يعنيني هنا أن أنتقد الموقف السياسي للحكيم من الفترة الناصرية أو أن أنقد الناصرية نفسها ، فهناك من هم أعلم مني بهذه الأمور ، ويمكنهم الكتابة فيها بفهم وحسن تحليل عني، ومع ذلك فلا أخفي ما وضح لي في كتاب عودة الوعي وكتاب خطوات في طريق عودة الوعي للحكيم ومسرحياته الأربع في كتاب الحمير من تحامل واضح على الفترة الناصرية وعلى شخص الرئيس جمال عبد الناصر ، ولهذا اكتفى بالحديث عن العيوب في فترة حكم عبد الناصر لمصر ولم يذكر المنجزات التي حققها عبد الناصر ، وفِي مسرحياته بكتاب الحمير كان نقده هجاء لاذعا للفترة الناصرية
وما أشبه الحكيم في مسرحية الحمار يفكر ومسرحية الحمار يؤلف بأرسطوفان في مسرحه بما فيه من نقد سياسي ساخر وسافر في الوقت نفسه، وكما أن أرسطوفان لم يكن محقا حين تحامل على سقراط في مسرحية السحب حين رماه بالسفسطة ، وإفساده للشباب بأفكاره فكذلك لم يكن الحكيم محقا حين اتهم الفترة الناصرية كلها بالتدليس السياسي في هاتين المسرحيتين من كتابه الحمير
و خلال حوارات أجراها بعض النقاد والكتاب والصحفيين مع الحكيم – جمعها الحكيم في كتاب ملامح داخلية -نرى الحكيم يحذر من التعامل المباشر من الكتاب والمبدعين للقضايا السياسية الوقتية ، ولا بد أن تكون كتاباتهم تتجاوز القضايا المحدودة بأوقات معينة ليبقى تأثير كتباتهم مع الأيام ولا تموت بانتهاء وجود هذه القضايا ، ولكن الحكيم في مسرحية الحمار يفكر ومسرحية الحمار يؤلف يقع فيما حذّر منه في كلامه السابق ، فهو يوجه نقده الساسي المباشر لأحداث سياسية من وجهة نظره ، ويغالي في نقده وهجومه
ومسرحية الحمار يفكر ضعيفة في بنائها
وفيها نرى الحمار يتحدث مع المؤلف ويعرفه بأنه حماره القديم ، ويعرض عليه أن يشاركه في تأليف مسرحية، ثم يبدأ الحمار في سرد أحداثها ، ويقول له إنك في مسرحية شهرزاد ذكرت أن شهريار هجر شهرزاد وذهب للصحراء ، ولكنك لم تذكر بعد ما حدث له فيها ، ويوافقه المؤلف على كلامه
ويقول له الحمار إنه يرى أن نهاية مسرحيته شهرزاد غير مقنعة ولهذا يقترح لها تكملة ، وهي نفسها الحدث الرئيس في مسرحية الحمار يفكر
والحكيم في هذه المسرحية القصيرة نراه ينقد مسرحية سابقة له هي مسرحية شهرزاد ، وما أشبه ما يقوم به هنا من نقد عمل فني سابق له بما قام به موليير من نقد مسرحيات له في مسرحية نقد مدرسة النساء ، ومسرحية مرتجلة فرساي
و يقول الحمار للمؤلف إن شهريار حين ذهب لإحدى الصحاري عزم على أن يتخلص من شخصية شهريار ويعيش بشخصية أخرى، فخلع تاجه وعباءته ، وتصادف وجود لصين في الصحراء أحدهما ثمين والآخر نحيف غبي ، ويقول لهما شهريار إنه كان حارسا عند شهريار وقد قتله ودفنه
ويعجب اللصان بشجاعة شهريار ويأخذ لشيخ المنسر في عصاباتهم عصابة الأربعين حرامي ، ويعجب شيخ المنظر بشجاعة شهريار معتقدا أنه حارسه الذي قتله، ويضمه لعصابته بعد أن يعلمه بأنها لم تعد كما تكلمت عنها شهرزاد، بل لقد غيرت مبادئها بفضل العلامة الذي انضم لها، فالسطو عندهم صار يسمى الجباية والأسلاب صارت تسمى المكافآت، ويقول له لا بد من أن نعطي بعض الفقراء بعض ما نحصل عليه من جنبايات ليصبح سلوكنا سلوكا مستقيما، ومن الغريب أن يقبل شهريار أن ينضم لهذه العصابة ، وبالطبع هو شخصية لا علاقة لها بشخصية شهريار المفكر الذي أنهكه الفكر في مسرحية شهرزاد
وبعيدا عن النقد السياسي الواضح هنا الذي بينت موقفي منه ، فمن الواضح أيضا تأثره في كتابته هذه المسرحية التي يبرر فيها اللصوص أفعالهم على أنها لا تخالف الدين والأعراف من خلال سفسطة القول بما نراه في بعض روايات في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي لا سيما تلك الرواية التي فيها يقبض جماعة من اللصوص على قافلة ، ويناقش زعيمهم المثقف عالما في القافلة تم أسره مع من أسر منها، ويحاول زعيم اللصوص أن يقنع هذا العالم بصواب موقفه في سرقة بعض الآغنياء لكونهم لا يؤدون الزكاة، ويستشهد خلال كلامه هذا بآراء للجاحظ وروايات ذكرها في كتاب اللصوص -الذي ضاع ولم يصل إلينا-والحكيم شديد الإعجاب بكتاب التنوخي السابق الذكر ،ومن المؤكد تأثره بالرواية السالفة الذكر منه في هذه المسرحية
وكما قلت فمسرحية الحكيم الحمار يفكر شديدة الضعف من ناحية البناء الدرامي لأن الحكيم ركز فيها على المرموز له ولم يهتم بالشكل الواقعي لمسرحيته ، وكان النقد السياسي الساخر بعيدا عن الموضوعية وعن أسلوبه في مسرحياته الأخرى ذات الأبعاد السياسية من النقد الخفي المؤثر ،كمسرحية السلطان الحائر ومسرحية شمس النهار ومسرحية براكسا ومشكلة الحكم

محمد سامي / موقع الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *