مسرحية “إلعــب” للمخرج الشاب ” مربوح عبد الإله” تعرّي أنانيّة الإنسان … وتكشف الفساد المستثري بالمجتمع

مسرحية “إلعــب” للمخرج الشاب ” مربوح عبد الإله” تعرّي أنانيّة الإنسان … وتكشف الفساد المستثري بالمجتمع

  في مجال العروض المسرحية المنتجة حديثا ، رفع السّتار عن العرض ما قبل الأول لمسرحية ” إلعب” التي أنتجتها تعاونية ” أطليس” للمسرح من سيدي بلعباس ، وقد  أشرف على الاخراج وتنفيذ السينوغرافيا الشاب ” مربوح عبد الإله” ، فيما تمّ اقتباس النص عن مسرحية ” استيراد خاص ” للصادق مرزوق ، وعن مسرحية ” أزمة بروتس” لـحامد الزبيدي ، عملية الاقتباس والاعداد الدراماتورجي قام بها الفنان” بوحجر بوتشيش” ، في حين تقاسم أدوار العرض كل من ” إيمان لعيمش” ، ” بلال يعقوب” و”بوحجر بوتشيش” ، ومساعد اخراج الشاب ” أبو بكر بن عيسى”.

مجموعة من الشباب خاضوا تجربة عمل مسرحيّ ، رأى النور في محاولة تقديم جرعة مسرحية تلامس ذوق وأفق المتلقي ، الذي هو في مسيس الحاجة لعروض مسرحية تترك بصمتها فيه سواء على مستوى النص أم على مستوى العرض ، هكذا رفع الستار عن عرض ” إلعب” وسط سينوغرافيا منفّذة بإتقان وذات دلالات إيحائية تشي بالكثير ، وتفتح أمام المتفرج مساحات واسعة من التطلّع والتوقّع ، وكيف تمّ توظيفها ركحيا مع كل مشهد مسرحي حتى تتماشى وخط العمل المسرحي الذي قاده الفريق برمّته .

السينوغرافيا بشكل خاص والعرض في مجمله ، اعتمد الرمزية كأسلوب للطرح الدرامي ، فالدلالات والأيقونات السينوغرافية طغت على العرض المسرحي وأخذت حصّة الأسد فيه ، ناهيك عن الألوان ذات الايحاءات الضمنية التي عرّت الصراع المحتدم بين شخصيات العرض ، وما كان ذلكم الصراع سوى صراعا انسانيا ، صراع هويات متضاربة وصراع مآرب الأمر الذي وسّع الهوّة بين الذات والآخر ، بين الأنا والأنا   الباطن ، بين ما لينا وما علينا .

الخطاب المسرحي الذي تأرجح بين شعريّ ونثريّ ، كشف النّقاب عن لعبة أكبر يخوضها الانسان في عالمه ، سواء كان سويّا أو غير سويّ ، لكلّ أوراق لعبه وخطوط حظّه ، وسط ايقاع الوجود المحكوم بكذا استفهام وعلامات متتالية تقود الى غير المتوقّع .

حيّز اللعب الدرامي كان الكازينو ، وتقاسم فيه اللعب كل من ” بلال” و” بوحجر” اللذان كانا يقودان لعبة الورق الخاسر فيهما يدفع ما يملك ، ولاعبة ثالثة شابة ممشوقة القدّ لم تك تلعب الورق ، بل كانت مفتاحا لصراع مرتقب كشفت عنه أحداث العرض المسرحي ، هي التي أبانت عن كتلة من المشاعر تّجاه أحدهما ، ساعيّة لحمايته بأسلوبها وطريقتها في الغزل المسند الى سلسلة من الفوارق .

 

في صراع اللاعبين ، لم يكشف أي طرف عن نواياه ، بل كان الأول متزّمتا ، متّكأ على عكاز السلطة والجبروت ، والأول بدا مسالما ، صامتا ، في هدوئه ألف رمز في حاجة لتفكيك وتشريح كل التداعيات الحاصلة داخل المجتمع ، الأمر الذي أنهك الانسان وأثّر سلبا على سلوكياته وردود أفعاله غير المتوقّعة .

المخرج بمعيّة فريقه الفني والتقني حاولوا تحقيق المقاربات عن طريق معالجة درامية تشاكس الأحداث فنيا وسينوغرافيا ، مع إيقاع تأرجح بين احتدام الأحداث وبين تناقص وتيرتها في بعض المشاهد ، إلاّ أنّ شخوص العرض المسرحي كشفت عن قدرة بدنية وذهنية عاليّة مكّنتهم من التحكّم في وتيرة سيرورة العمل ، محافظين على ايقاع العرض من بدايته الى نهايته .

إلعب” كانت صراع هويات ، صراع الانسان مع نظيره الانسان ، صراع حريات ، صراع طموحات ، صراع آمال وآفاق واعدة كشف عنها النص الذي جمع بين النثرية والشعرية ، والعمل في لوحاته المتصلة ببعضها البعض ، لتكشف عن معاناة الكاتب الذي يؤمن بالمداد ، والذي هو متشبّث بالتاريخ والواقع ، سلاحه وعزائه حبره وكلمته ، الذي يسعى الطرف الآخر الى حرمانه منه ، بتغييب دوره كمثقف فاعل ، كرمز فعّال في  المجتمع ، لأنّ الكلمة تبقى شاخصة لا يمحوها التاريخ لأنها سلاح ذو حدّين .

فالأوراق التي أريد بها أن تحرق في زمن عقيم ، ما هي إلاّ حقائق تعكس الواقع المرير للمجتمعات الانسانية التي أريد بها التضليل وزجّها ضمن دوّامات الهلاك ، الحرب والدمار ، حرب لن تضع أوزارها ما دام الانسان يحمل داخله بقعا سوداء من الضغينة ، الحقد  والانتقام ، الانتقام ممّن ولم ؟ كلها أسئلة بقيت عالقة في ذهن المشاهد والمتتّبع للعرض ، الذي شارك بشكل غير مباشر في العملية الابداعية أين خرج من العرض بكذا تساؤل واستفهام أثار فيه وداخله مجموعة من الاستفهامات ، علّ وعسى يجد لها حلولا بأرض الواقع ، استفهامات حتى ذلكم الكاتب لم يجد لها أجوبة مقنعة ، بخاصّة وهو يطعن في  حريته ، في أفكاره ، في وجهات نظره ، في تحديّاته وتمرّده ، عيّنة هو ممّن تغتصب حريّاتهم ، ممّن يحاولون تعريتهم من مبادئهم قبيل أن يسرقوا معاطفهم ، فمعطفه الوحيد الذي كان يملك كان مجال رهان ، في لعبة خاسرة من الأوّل ، لعبة الورق ما هي تلكم الا لعبة القدر والحظوظ المشمّعة ، لعبة القوانين الجائرة ولعبة الأيادي القذرة مقابل نقاء وطيبة الأقليّة ممّن ما يزالون يثقون في الأمل ، في الحياة وفي الوعود المفخّخة .

عرض ” إلعب” مزج فيه المخرج بين أكثر من مدرسة فنية ، أين لامسنا اتجاهات البيوميكانيك في تركيزه على الايقاع وحركات الممثلين داخل الفضاء المسرحي ، وبين مدرسة جوردن كريج ، لما عمد المخرج ” مربوح عبد الإله” الى استخدام الدمى على الخشبة كعناصر وظيفية للسينوغرافيا ، ساعدته ضمن احدى لوحات العرض المسرحي في ابراز أحد الصراعات التي اتّكأ عليها في نصه ، وعمله المسرحي كذلك استفاد من نظريات ستانسلافسكي في الواقعية النفسية وما أبرزه عرضه المسرحي من خلال شخوصه في تعاملهم مع الأجواء الداخلية والخارجية للعرض  تحقيقا للإيهام .

 

صفوة القول ، أنّ عرض ” إلعب” جاء ليفكّ عقدة الصمت ، ليدحض بطش الارهاب الفكري الذي يصادر الحريات قبل أن يقطع الرؤوس ، فلعبة الأوراق تلكم ما هي الا عيّنة من لعبة ضخمة بقوانين داخلية وخارجية جائرة ، صوت الحقيقة بها مكمّم لكن سيأتي يوم عاجلا أم آجلا للصراخ بأعلى صوت ، لإعلان النجاة والتحرّر من براثن القهر والجبروت بشتى أشكاله وأنواعه ، وتظل هته التجربة المسرحية لهؤلاء الشباب تستحق التنويه والتشجيع نحو مزيد من الابداع المسرحي .

 

بـــقــلــم : عـــبـــاســـيــــة مــــدونـــي – ســـيـــدي بــلـعـباس- الــجزائـــر

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *