مسرحية أندروماخا -يوريبيديس من كتاب نساء طروادة/ترجمة أسامة سليمان

تكتسب مسرحيتا الطرواديات وهيكابي قوتهما الدرامية من فكرة سقوط طروادة ومن مأساة سكانها من النساء,وتعد أندروماخا أرملة هيكتور واحدة من تلك النساء, بحيث نرى ما حدث لها في حياتها كعبدة في اليونان .فإن الحرب تكشف عن حياة الضحايا حتى في وقت السلم . فالصراع في مسرحية اندروماخا ليس حول معركة عالمية لكن حول خلاف عائلي-فإن أسوأ معركة هي التي تنشب من زوجة الرجل ضد خليلته.ان الزوج هو نبتليموس قاتل بريام وقاتل ولد أخيل أيضاً.والزوجة هي هرميون ,ابنة هيلين,والخليلة هي أرملة هيكتور.فهناك قليل مما يثير الدهشة ,فأشباح الحرب الطروادية , تطارد المثلث النفسي للمنظر الطبيعي للدراما التي نحن بصددها . فأندروماخا على سبيل المثال,تحذر هرميون من محاولة اتباع أمها هيلين في عشق الرجال.(السطر31-229)

حقيقة ان الحبكة تكون مشابهة لحبكة الأوديسة وللعديد من التراجيديات اليونانيةفهي مسرحية العودة الى الوطن ,حيث الذكر راعي المنزل يكون بعيداً,وينتظره أهل بيته,أثناء ذلك تتطور الأزمات في غيابه. فمسرحية أندروماخا ليوريبيدييس,تصل الى الاكتمال الفني لهذا النوع من الحبكات عندما جعل جمهوره ينتظرون البطل حتى انتهاء الرابع الثالث من المسرحية(فهو سيعود من دلفي حيث العرافة وذلك في أي دقيقة ليكتشف ان الاسبرطيين القوا بخليلته وابنها في المخاطر المميتة) .علاوة على ذلك,عندما يقوم نبتليموس بالدخول بعد الإنتظار الطويل , يكون على نعش جنائزي(السطر1166).فان اسمه وغيابه يتحكمان بقوة فيما سبق من أحداث درامية ,فهكذا يستعير يوريبيديس التماسك الوجداني للمسرحية في حركتين مبكرتين:الأولى :اضطهاد اندروماخا ونجاتها بواسطة بيليوس,والثانية خوف هيرميون من الإضطهاد وهروبها مع أوريستيس .ان تسلسل شخصية هيرميون نفسه يكون مشهد مرآة,يُظهر اعادة صياغة مشوهة(بصورة كاملة في المشهد الذي يجمعها بخادمتها وبإفراطها أي هرميون في الآلام)نجده في تسلسل أندروماخا مسبقاً. فالبناء المعقد ,الذي اعتاد أن يحير النقاد المتوحدين ,أصبح الآن أبسط في تناوله وفهمه,كأسلوب حاذق لأحد تجارب يوريبيديس في فن الكتابة المسرحية وهذا فيما يتعلق بنوع حبكات(العودة الى الوطن)-أو بالأحرى مع ما يتوقعه جمهوره عندما يرى هذا النوع من الحبكات السالفة الذكر:ان مسرحية أندروماخا تتبدل من دراما توسل الى مسرحية هروب الى تراجيديا أنتقام سماوي بسبب آثام البشر.فبداخل هذا البناء الرشيق أو المائع نجد الفعل المسرحي يدفع بالأزمات الوجدانية وببلاغتها الخطابية الى أقصى مدى لهما :فالشاعر قد أجهد نفسه من أجل ان يكون هناك فاعلية متولدة عن طريق الأفراط والتعمد في تمييع كل من الموقف والشخصية.

تقع المسرحية نسبياً في منطقة نائية بتاسليا,تسمى الحرمThetideionلإن الإلهة ثيتس كانت تعيش هناك مع زوجها البشري بليوس قبل أن تهجره(السطر19-20)فموضوع الزواج أو بالأحرى تعطل الزواج يكون الموضوع الحاسم:فإن زواج نبتليموس من هرميون نجده أمراً كارثياً ,فهو يرى أي نبتليموس أنها غير جذابة,(السطر 157)بل انها فشلت أن تكون حاملاً منه.من السنن الملازمة لقواعد التراجيديا اليونانية ,مانجده في انهماك نبتليموس الكارثي المتوقع من جانبنا بإن يجمع بين زوجته وخليلته لتتشاركا في حياة أسريةواحدة:فكل الرجال الذين يقومون بهذا (مثل شخصية أجاممنون في مسرحية أجاممنون تأليف أسخولوس وشخصية هرقل في مسرحية بنات تراخيس تأليف سوفوكليس )يكونون في عداد الأموات وقتما تنتهي المسرحية.وفي مسرحية أندروماخا التي نحن بصددها:يقول أورستيس :ان من أسوأ الأشياء بالنسبة للرجل الواحد أن يجمع بين زوجتين لينكحهما(السطر909)وأيضاً السطر(464-6)فهذا يعكس القيم الأخلاقية الشائعة في العالم اليوناني أنذاك,:فبرغم أن الزناة من الرجال كانوا لا يدانون,فإن الشريعة الأثينية التي مرادها ديمثينيس تمتدح الرجل الذي يحتفظ بخليلته بعيداً عن منزل الزوجية احتراماً لزوجته و الأم العجوز.(السطر59-2).

ان نبتليموس مات بالفعل على يد منافسه(أورستيس الأرجيفي الصغير المجرم) بسبب هيرميون.من زاوية أخرى هناك تشاؤم مسبق من أمر الزواج بشكل بارز كون أن مينلاوس قد تزوج بالداعرة هيلين (السطر680-6)وأيضاً بسبب مأساة أجاممنون الكارثية لزواجه من كلتمنسترا (السطر1028-30)لكن مظاهر الإرتياح مع ذلك تخيم على المسرحية عند نهايتها وقتما نلاحظ بصورة قليلة غياب التشاؤم فيما يتعلق بموضوع الزواج:فان الإلهة ثيتس تمنح الخلود للزوج الذي تخلت عنه من ذي قبل,فهكذا يلوح التصالح علاوة على ذلك نجد ضمنياً ان زواج أندروماخا القادم سيكون للطروادي المنفي هلنيوس يكون أمراً ليس له أحداث(االسطر 1231-49)

كانت التراجيديا اليوريبيدية تعرض أمام جمهور من الرجال ,ومع ذلك بشكل لافت نجده يكتب المشهد الذي يحتوي على الزوجة والخليلة وهما تتشاجران أمام جمهور من النساء,اللاتي يكن باطنياً الجوقة.فان الفعل المسرحي المتنصت عليه يكون بمعزل وبعيدا عن الانجذاب الجنسي,وهذه عادة يورييبيدية متكررة في مسرحياته. على سبيل المثال:مسرحية هيبوليتوس نجد فيها فايدرا وخادمتها تتحادثان عن أمور تتعلق بالقلب,أما بطلة مسرحية الكترا تدخل في مناقشة مفزعة مع أمها.لكن ما من مسرحية يونانية أخرى تحتوي على صراع بين امرأتين ليستا من دم واحد,بسبب تشاركهما لزوج واحد.في الواقع ان التشاجر يكون معظمه في الآداب القديمة بلا مواز له حتى ظهور مرثيات بروبرتيس في العصر الروماني الأغسطي.

ان السخرية من مسرح يوريبيديس كان يتخذ سبيلاً واحداً أمام المؤلفين القدامى الا وهو تهكمهم على شخصياته النسائية , فلقد كان من ضمن مواهب يوريبيديس المتعددة أسلوبه القوي في رسم عواطف النساء .ان هرميون المراهقة المدللة ذات ردود الفعل المفرطة تكاد تكون محلاً للسخرية.فان الغيرة الجنسية تدفعها لتقريظ أندروماخا ببلاغة خرقاء,حتى تشعر بخطر يحدق بها, واهتزاز مرعب واتهام موجه ضدها.فهي مقبلة على الانتحار باساليب عديدة ,بل تقف مترنحة على حافة الجنون,ولاشيء ينقذها من الشعور بالتعطل الا ظهور أورستيس ,الشاب الصغير المجرم الذي يلوح لها كحل مثالي مناسب.فإنقياد هيرميون العاطفي هزلي وخطر حيث يتخذ عدة منحنيات,ومع ذلك يتفق مع ما كان يعتقده معاصروا يوريبيديس حول تأثير سن البلوغ على عقل النساء.ان النصوص المتعلقة بأمراض النساء التي تعزى الى أبقراط تبين ان المرأة الصغيرة في وقت الحيض وحملها الأول تمر بفترة ضعف تلوح فيها فوضى جميع السلوكيات الجسدية والنفسية,ان الطبيب يوريبيديس,كان يشك أن رحم هيرميون يطوف عبر جسدها,مما تسبب في جعلها حرفياً في حالة هيستيرية,(فهذه الكلمة كانت تعني لدى العالم اليوناني فوضى الرحم)لذا كان العلاج الموصوف لذلك من غير شك,الجماع الجنسي ومن ثم الحمل.

ان هذه الفانتازيا التي تدور حول موضوع الزواج تتابع بصورة متسلسلة في صدام بلاغي بين الشخصيات اليونانية من تساليا الى أسبرطة الى أرجوس بالإضافة الى أندروماخا ومربيتها اللتين ليستا يونانيتين .
مما هو مثير للإنتباه الإشارة الى الأصل العرقي في أغنية دخول الجوقة اليونانية المحلية ,التي تخبر أندروماخا انها تريد مساعدتها بالرغم من أن أندروماخا اسياوية الأصل (السطر119)بالتالي فالمسرحية توضح الكراهية عند بعض الأشخاص بسبب المخالطة العرقية وا لذي يسمى اليوم التعصب العنصري ,أو الإساءة العنصرية,فهرميوني تزعم أن علاقة أندروماخا العاطفية بنبتليموس دنيئة شبه محرمة متطابقة مع الحياة البربرية,(السطر170-6)أما أندروماخا تُظهر لمينلاوس تنديداً واضحاً للشخصية الإسبرطية(445-53)وهذا هو الأمر الذي يقدح فيه بيليوس بصورة مسهبة مع التركيز على ممارسة نساء اسبرطة الجنس بصورة غير شرعية,(595-601)فإن بروز موضوع الأعراق,يرتبط بالمواقف الدرامية في تكوين المسرحية .وطبقاً لبعض الشواهد القديمة,لم يقدم عرض مسرحية أندروماخا الأول في أثينا ,,فالعلماء يرون انه بسبب تعدد الأماكن المذكورة في المسرحية مثل تساليا وأرجوس أن الإحتمال الأكبر أن المسرحية كتبت من أجل القصر الملكي بمملكة مولسيا الشمالية ,بناء على ذلك فمسرحية أندوماخا تعد نموذجاً متفرداً للمسرحيات التراجيدية القديمة المختلفة الطابع حيث كان يتعهدها بعض رعاة الفنون ,الذين يعيشون خارج أثينا.

في نهاية المسرحية تعلن الإلهة ثيتس أن ولد أندروماخا (الذي يذكر ان اسمه مولسوس في قائمة الأدوار القديمة)سوف يذهب الى مولسيا وهناك سيجد سلالة حاكمة من الملوك,(السطر1247-8).ففي العشرينات من القرن الرابع كان هناك عضو حاكم من هؤلاء السلالة الحاكمة يسمى ثريبس ولقد كان ملكاً صغيراً ,متحمساً للعالم الهيليني ,وفي نفس الوقت نصفه بربري,وانه ذهب الى أثينا من أجل التعليم حيث مُنح حق المواطنة,فمن المحتمل أن مسرحية أندروماخا تكون وسيلة مدح لثربيس.

محمد سامي / موقع الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *