«مسحراتى حداد» يرسخ القيم الوطنية فى «حى على بلدنا» / هند سلامة

المصدر / محمد سامي موقع الخشبة

«أنا الأديب وأبو الأدباء.. اسمى بإذن الله خالد..وشعرى مفرود الرقبة.. زى الألف.. ورقم واحد».. هكذا وصف الراحل فؤاد حداد نفسه وهكذا نفذ الله بحق كلماته، فأصبح شاعرا كما

أراد وهو الحلم الذى استعاض عنه بأن يكون «فارسا كى يحرر العالم»، وأصبح خالدا كما شاء، فاليوم وبعد سنوات طويلة من رحيله لايزال الكثيرون يرددون اشعاره من خلال أمسيات شعرية متفرقة أو ليال غنائية أشبه بالأعمال المسرحية فعلى خشبة المسرح القومى يقدم المخرج أحمد اسماعيل طوال شهر رمضان أمسية «حى على بلدنا» وهى الأمسية الشعرية الأكبر التى قرر أن يفتتح بها القومى ليالى رمضان على خشبته.
فى هذا الوقت من كل عام ينفرد المسرح القومى بإنتاج أمسية خاصة بالشهر الكريم، فخلال عامين متوالين أنتج القومى عملين للكاتب عبد الرحيم كمال جمعتهما الروح الصوفية وهما «قمر العشاق» بطولة سوسن بدر وناصر سيف وخالد الذهبي، بينما فى رمضان 2018 قرر المسرح استبدال أمسياته الصوفية بأخرى وطنية اختار المخرج أحمد اسماعيل أن تكون أشعار حداد بطل العرض من بدايته وحتى نهايته.. والتى احتوت على مطلع متكرر بدأ به ابطاله «حى على بلادنا.. يا مجاور ألف مادنه.. ورزقك بالحلال»، فبين الإلقاء والغناء والتمثيل دارت أمسية «حى على بلدنا» والتى استحضر فيها المخرج روح حداد الثائرة الباعثة على الوطنية ومحرضة على الجهاد بجانب أشعار الزجل والسخرية من أحوال المجتمع على لسان المسحراتى فكأن المسحراتى يشحذ الهمم ويشد العزائم لتلبية نداء الوطن، ركز مخرج العرض على اشعار القضية الفلسطينية فكان من بين اشعار الأمسية «يا مصر يا أمنا»، «فلسطين»، «استمارة»، «مسحراتى»، «اوعى ماتوعاش»، «أنا وانت»، «عبيط غبيط»، «الكحك»، «دواليب زمان»، «على باب الله»، «بنت السلطان»، «رقصة الفار»، «فى كل حى ولد عترة وصبية حنان»، «الأرض بتتكلم عربى»، وغيرها من اشعار حداد السلسة والممتعة ذات المعنى العميق.
اعتمد العرض على غناء وإلقاء ابطاله من الممثلين الفنان أشرف عبد الغفور ومفيد عاشور ولم يخل الإلقاء بالطبع من التمثيل وبعض اللفتات الكوميدية من الاثنين وكذلك الفنان عهدى صادق الذى أضفى وجوده حالة أخرى من البهجة على العمل، واعتبر وجوده إضافة كبيرة فكأنه يلعب دور المهرج فى عرض مسرحي، فبرغم أن العمل يبدو أمسية شعرية له أوركسترا ومايسترو ويتضمن مجموعة من الأغانى للمطربين محمد عزت، رحاب رسمى ونهال خالد، إلا أنه تم تغليف كل هذه الحالة الغنائية الممتعة فى قالب مسرحى بحركة الممثلين وأدائهم الغنائى والتمثيلى الساخر فى بعض الأحيان، فبين مجموعة من المقاعد المتفرقة التى وضعت بشكل دائرى على خشبة المسرح تحرك الجميع ملقيا ومنشدا وممثلا لأشعار حداد، لم يكتف المخرج بإمتاع الحاضرين بأداء ممثليه بل شارك ايضا ضمن بطولة العرض مجموعة من الأطفال قاموا بالغناء والإلقاء لأغنية «بنت السلطان» بمهارة وانضباط وتركيز خاصة الطفلة فرح يوسف والتى وقع عليها عبء الغناء بمفردها ولفتت نظر الحاضرين بمهارتها فى جرأة وقوفها على خشبة المسرح القومى وسلاسة وبساطة أدائها وكذلك كان من حولها هنا يوسف،أحمد يوسف، وإسماعيل أحمد جميعهم أدوا بتلقائية شديدة دون رهبة الوقوع فى الخطأ، الأمسية إعداد أمين حداد وإخراج أحمد إسماعيل، وقام بتلحين الأغانى سيد مكاوي، إبراهيم رجب، عبد العظيم عويضة، وجيه عزيز، محمد عزت.
ولد فؤاد حداد فى 28 أكتوبر 1928، بالقاهرة لأسرة أرستقراطية مسيحية بها أب لبنانى الأصل وأم تنحدر من عائلة سورية، التحق بالمدارس الفرنسية واطلع على تراث الأدب العربي، ثم اختار بإرادته أن يكون شاعرا وأن يكون شيوعيا وأن يكون مسلما، اعتقل حداد لأول مرة عام 1953 وحتى عام 1956 بتهمة الشيوعية، يحكى الشاعر هشام السلامونى عن شيوعية حداد «كان يحب فى الدين أنه منصفا للفقراء، ويحب فى الماركسيه أنها منصفة للفقراء، ويحب فى الإنسانية أنها منصفة للفقراء.. فهو لم يكن يعرف سوى الشعر وإنصاف الفقراء» ويؤكد حداد دائماً على حقيقته كشيوعى وعروبى حتى النخاع.
وفى 1959 دخل المعتقل مرة أخرى لمدة خمس سنوات، وحُبس بسجن الواحات حيث اجتمع مع القادمين من مختلف أنحاء الجمهورية، فاحتك بثقافاتهم وغنائهم وحزنهم ومشاكلهم، مما شكّل له تجربة إنسانية جديدة ومختلفة امتن لها قائلاً «الشكر للى سجنوني، وبنيل وطمى وعجنوني»، بعد خروجه بدأت مرحلة جديدة فى عامية شعر حداد استخدم فيها شخصيات مثل الدب والفأر والثعبان والبغباء وسُميت أشعار الرقصات، ومن دواوينه الأولى «أحرار وراء القضبان» واسمه الأصلى «افرجوا عن المسجونين السياسيين» وتم تغيير الاسم بسبب الرقابة، ثم تلاه عدة أعمال منها ديوان «حنبنى السد» 1956، وقال التاريخ أنا شعر إسوَد ترجمة لمختارات من الشعر الفيتنامى 1968، و«المسحراتى» 1969، كما ترجم قصة الأمير الصغير لأنطوان دى سان إكزوبرى وحولها للمسرح الغنائى المصري، وقدم ملاحم مثل «أدهم الشرقاوي» و«حسن المغنواتي».

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *