‘مراقب الأحلام’: مسرح التلصص/عبدالله مكسور

  • المقاربة بين عالمين مختلفين كليا في قواعد تعاملهما مع التفاصيل المبنية على الحركة الإيمائية، كانت هاجسا لعدد من الممثلين في عرض مسرحي اعتمد على الانفتاح الثقافي والمعرفي بين العوالم المختلفة في الشرق والغرب، فكان الانطلاق من فكرة التلصص على أحلام الآخرين المحرك الرئيسي لبناء المشهد المسرحي على خشبة “هيتخوفولخ” في تورنهاوت البلجيكية.

ربما تكون فكرة التلصّص على الآخرين في الحياة، فكرة مطروحة بصور شتّى في الأدب العالمي بمختلف أجناسه في المسرح والشعر والرواية والقصة القصيرة، إلا أن التلصّص يأخذ شكلا جديدا يتعدَّى دور المراقبة والتسجيل في مسرحية “مراقب الأحلام” التي عرضت على خشبة مسرح “هيتخوفولخ” في مدينة تورنهاوت التابعة لأنتويربن عاصمة الإقليم الفلاماني ببلجيكيا.

وقام بتأديته العرض المسرحي خمسة عشر ممثلا وممثلة، اعتمد فيه مخرجه ستيفان بيرسيفال على تقنية العرض الإيمائي الجسدي لمجموعة من الممثلين مختلفي الأعمار والاتجاهات الفكرية وردات الفعل السلوكية.

التأثير الثقافي

يبدأ العرض بدخول عشوائي للفنانين، يبدو أن المكان الجغرافي غير واضح المعالم بينما الزمان متوقّف تماما، هكذا يبني ستيفان تقنية العرض باللغة الهولندية معتمدا على ارتكازات ثقافية تناسب الجمهور مختلف الثقافات والمشارب المعرفية، فتبدو تأثيرات الأساطير الشرقية العربية القديمة متمثّلة بألف ليلة وليلة، والأساطير الهندية ممثَلة بالماهابهاراتا والرامايانا حاضرة بقوة في بعض المشاهد.

فكرة المسرحية تقوم على مجموعة من المهمّشين المنسيين الذين يمارسون حيواتِهِم على هامش الزمن بالمطلق، فلا مساحة للأحلام في الحياة الحقيقية التي يصارع فيها الإنسان البقاء بصور شتَّى، والمساحة الوحيدة التي تتيح للبطل أن يكون بطلا هي تلك اللحظة التي يخرج فيها من الزمن خلال حلم، وكما نقول في الثقافة العربية إن النوم موت، كذلك بدا هذا التأثير واضحا خلال انتقال الممثلين من ضجة الحياة إلى ظلام الأحلام، ليكتشفوا معا أن أحلامهم بسيطة للغاية، تلك الأحلام التي تناسب المهمّشين والمشردين.

بعيدا عن الحروب وقصص اللجوء النمطية التي تحاول الثقافة الغربية تقديم العربي من خلالها اليوم، اشتغل ستيفان بيرسيفال على مجموعة من الخيوط الدرامية متعددة المنابت والمشارب بين شرق أوروبا وغربها وشمالها وجنوبها، واستحضر ملامح أبطاله من الشرق والغرب وأميركا اللاتينية، ليعيشوا أحلامهم البسيطة بعيدا عن أيّ تأثيرات تطيح بها.

القدرة على التغيير

في غمرة ذلك يبدأ العرض باتخاذ جانب آخر، حيث يشعر المهمّشون بقدرتهم على التغيير في الحلم، وهذا بالضبط يعالج الجانب المخفي من النفس البشرية الطامحة دوما إلى النفوذ، حيث يراقب كل من الممثلين الآخر، بل يصل الحال إلى محاولة تغيير الحلم لأنه لا يروق للآخرين، وفي حال الفشل يقوم أحد الممثلين بقتل الآخر كي يمنعه من تحقيق حلمه البسيط، هذه الثنائيات العديدة والمتنوعة التي تناسب ثقافات كثيرة تقارب إلى حد بعيد ما يحدث اليوم في عوالم مختلفة، قدَّمها الممثلون عبر عرض إيمائي استعراضي اعتمادا على تقنيات مسرحية بسيطة.

يقول المخرج والكاتب البلجيكي ستـيفان بيرسيـفال لـ”العرب”، “إن فـكرة العرض بدأت بنـقاش بسيط دار في أحد اجتماعـات الفـرقة حول الأحـلام، تـلك الفكرة الـتي بدأت بالنـضوج من خلال نـقاشات عـديـدة وصـولا إلـى صـورتها الأخـيرة الـتي شاهدها الجـمهور على خـشـبة المـسرح”.

أحداث العمل تطلَّبت عددا كبيرا من الممثلين وهذا ما استدعى استحضار عدد من الهواة ليكونوا في العرض، عن هذا يقول بيرسيفال “إن العمل مع الهواة هو ما يتيح اكتشاف معـنى المـسرح الذي يقوم على التجريب، فالهواة هم القـادرون على التطوير في بنية أيّ عمل مـسرحي، بينما المحترفون مـلتزمون بقواعد العرض المـسرحي ومدارسه المـتنوعة حول الـعالم”.

ويضيف بيرسيفال “إن عالمية ‘مراقب الأحلام’ تبدأ من قدرة أيّ شخص على لعب دور البطولة في الأحداث من خلال قدرته على التأثير والتغيير، هذا التأثير الذي يكون بحركة أو صوت أو إيماءة، فالتغيير في الواقع يخضع اليوم للكثير من المعطيات التي على الإنسان الانتباه إليها سواء كانت مادية أم اجتماعية أم سياسية، بينما عالم الأحلام هو عالم مفتوح على الزمان والمكان، عالم غير محدود ويقبل كل ما لا يستطيع العالم الحقيقي قبوله”.

ويتابع مخرج المسرحية “إن اختراق الزمان والمكان بصورتهما المعروفة واقعيا، يأتي في إطار التمرد على الواقع الذي يسعى له المهمّشون عموما في العديد من الأماكن حول العالم، لذلك نرى أن الممثلين في المشاهد الأخيرة من العرض يحاولون تغيير هيئاتهم الخارجية وإضافة ألوان إلى وجوههم، تلك الألوان تشبه إلى حدّ بعيد التمازج بين الواقع والخيال، تقترب خطوة من الحياة وخطوة أخرى من الحلم ليصل الممثل إلى مرحلة المزج التام بين العالَمين عبر خطّ رفيع جدا يحاول أن يسير عليه رفقة الجمهور الذي يشارك العرض في المشهد الأخير صوتيا فقط”.

المصدر / العرب

محمد سامي / موقع الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *