ماذا يعني (المسرح المعاصر)؟ سامي عبد الحميد

أضافت إدارة مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في الدورة السابقة كلمة (المعاصر) فصار عنوان المهرجان كالتالي (مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي والمعاصر) وعقدت دورته الرابعة والعشرون آواخر شهر أيلول هذا العام .
وبقيت أتساءل عن المقصود بالمسرح المعاصر هل المقصود به ما يقدم في الزمن الحاضر من مسرحيات كتبت نصوصها خلاله؟ هل المقصود تناول المسرح في بلدان العالم موضوعات تخص الحياة في هذا الزمن؟ هل المقصود معالجات معاصرة لمسرحيات من زمن مضى؟
لكل مرحلة زمنية فنها المسرحي الذي يعبر عن مضامين تخص تلك المرحلة أو مضامين تخص زمناً مضى ويمكن إسقاطها على أوضاع تعيش مرحلة تقديم المسرحية. ولكل مرحلة زمنية شكل خاص لمسرحياتها وطريقة بناء أحداثها. وتغيّرت المضامين وتطوّرت الأشكال المسرحية عبر العصور على وفق مبدأ تغيّر أحوال الناس في هذا البلد أو ذاك وتطوّر ذائقتهم الفنية، وعلى وفق مبدأ التجديد ونبذ القديم، فكان أن ظهرت الكلاسيكية في بلاد الأغريق وكان لها كتابها وشعراؤها مثل اسخيلوس وسوفوكليس ويوربيديس وارستوفانيس وغيرهم ، ثم ظهرت الكلاسيكية الجديدة في فرنسا وظهر فيها تغيرات بسيطة في مضامين مسرحياتها وأشكالها، وبعد ذلك ظهرت الرومانتيكية في المانيا وفرنسا وانكلترا ومعها كان لمسرحياتها مضامين وأشكال لا تختلف كثيراً عن مضامين وأشكال ما سبق ثم جاءت الواقعية ومعها حدثت تغيرات كبيرة في المضامين والأشكال وبعد ان كانت مضامين المسرحيات القديمة لا علاقة لها بالحياة اليومية للبشر وبعد ان كانت شخصيات المسرح القديم لا علاقة لها بالواقع المعيشي اذ شملت الألهة والملوك والقادة. فقد تناولت المسرحية الواقعية موضوعات تخص واقع حياة الناس وعلاقات بعضهم بالبعض الآخر وتغيّرت بيئة الأحداث غير الملموسة إلى ملموسة وأصبح لزاماً على الكاتب المسرحي أن يتناول موضوعات لها علاقة بمشاكل المواطنين وطموحاتهم وبأشكال فنية قابلة للتصديق من قبل القارئ والمتفرج . إذا كانت المسرحية الواقعية تتناول المظهر الخارجي للانسان فأن المسرحية الرمزية والتعبيرية والسوريالية أخذت تتوغل داخل النفس البشرية لتستكشف مكنوناتها وما يفرزه اللاوعي وكان حتماً أن تتغير أشكالها عما كانت في المسرحية الواقعية.
وهكذا كان لكل عصر مضامين وأشكال مسرحية تختلف بنسبة أو أخرى عن مضامين وأشكال العصر الذي سبقه وهنا يظهر السؤال واضحاً وهو: هل أن مضامين وأشكال المسرح المعاصر مختلفة عن مضامين وأشكال مسرح الماضي؟ والجواب نعم، بلا شك، فالحياة بجميع مفاصلها قد تغيّرت بنسبة أو أخرى وتقنيات الفن المسرحي هي الأخرى تغيرت أو لنقل تطوّرت وجاءت أخرى جديدة . وذائقة المتفرجين قد تغيّرت وما عادت تقبل بالقديم، ولكن هل غابت مضامين وأشكال وتقنيات الفن المسرحي القديم تماماً عن الساحة الفنية؟ ألم تبق قواسم مشتركة بين القديم والجديد، بين الماضي والمعاصر؟ ألم يترك القديم أثاراً له على الجديد، ألا يمكن للمسرحي المعاصر أن يجد في المسرح القديم ما يناسب روح العصر الحاضر؟ نعم . يمكن لمؤلف المسرحية المعاصر أن يرجع إلى النصوص المسرحية القديمة ليقتبس منها أو ليعدها لتناسب متطلبات عصره وأفضل مثال على ذلك هو مسرحية (انتيغوني) للاغريقي سوفوكليس وهو من المسرح الكلاسيكي القديم وقد كتب الفرنسي (جان آنوي) مسرحيته (انتيغونا) وكانت من المسرح الجديد . أليس بإمكان أي مخرج مسرحي معاصر أن يقدم قراءة جديدة لإحدى مسرحيات وليم شكسبير ؟ بمعنى أن يُعصرِنها .
هكذا إذن يمتزج الماضي بالحاضر ولا يمكن عزل المسرح المعاصر عن المسرح القديم وكل ما في الأمر هو قيام المسرحي بعصرنة مسرح الماضي البعيد أو القريب قدر الإمكان.

 

http://www.almadapaper.net/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *