قمة لفنون الدراما في مهرجان المسرح العربي

تستعد الهيئة العربية للمسرح لتنظيم الدورة السادسة من مهرجان المسرح العربي في يناير/كانون الثاني 2016، والتي يتوقع أن تكون دورة متميزة، نظراً للأهمية التي توليها الكويت، البلد المضيف للمهرجان، ولما تتمتع به الساحة المسرحية هناك من حيوية وفاعلية، حيث يعتبر المسرح في الكويت من أنشط المسارح الخليجية، وتعود الحركة المسرحية فيها إلى عقود طويلة، تكونت خلالها أجيال من الفنانين المسرحيين الذين وصل صيتهم إلى الوطن العربي كافة، وأسهموا بقسط وافر في ارتقاء المسرح الخليجي، وقد أصبح مهرجان المسرح العربي الذي تنظمه الهيئة العربية للمسرح أهم مهرجان مسرحي عربي، وأصبح الفوز بجوائزه محطة مهمة في تاريخ أي فنان مسرحي عربي، وكذلك المشاركة في فعالياته الفكرية وورشه، ميزة خاصة يحرص كل فنان على الحصول عليها.

منذ انطلاقه عام 2008 أكد هذا المهرجان طابعه العربي الخالص من خلال الجولة الدورية التي يقوم بها بين عواصم المدن العربية، حيث يحط في كل مرة في دولة عربية يكون انعقاده فيها بمثابة احتفالية كبيرة في تلك الدولة، وتزدان مسارح المدينة التي يعقد فيها بأجواء العروض المسرحية الكبيرة، فمن القاهرة إلى تونس إلى بيروت إلى الدوحة إلى عمّان إلى الشارقة إلى الرباط، كان النشاط يتكثف بالعروض المسائية والورش والندوات الصباحية، وبالحضور المتميز لأهم المسرحيين العرب من مخرجين وممثلين وخبراء وكتاب مسرح، يناقشون العروض والقضايا المسرحية الحاضرة، وقد مثل المهرجان على الدوام فرصة لتعرّف أولئك المسرحيين على واقع الحركة المسرحية في الدولة المضيفة، والاحتكاك المباشر بتجاربها المسرحية، فأثناء الدورة الأخيرة من المهرجان، في الرباط، شهد المغرب 54 فعّالية مسرحية موازية في كل المراكز المسرحية المغربية احتفاء بالمهرجان، فكان مناسبة مسرحية محفزة للمسرحيين في المغاربة الذين شاركوا أيضاً بحماس في مختلف أنشطة تلك الدورة.

حضور المهرجان والمشاركون فيه أهم خصوصياته، فهو يجمع مئات المسرحيين من كل الوطن العربي، فالهيئة تعمل على مدى أشهر من الاتصالات والتنسيق لتسهيل حضور المسرحيين المشاركين في العروض، وأولئك الذين سينعشون الندوات أو يشرفون على الورش، ونتيجة ذلك هي قمة مسرحية على مستوى عالٍ من الخبرات والتجارب، وفي الدورة الماضية شارك في المهرجان 500 مسرحي 300 منهم من الضيوف، ومئتان من أعضاء الفرق المشاركة، وهذا التجمع نادر في أي مهرجان مسرحي عربي، وهو لاشك فرصة حقيقية للتعرف على مختلف التجارب وإقامة الروابط والاتصالات الدائمة بين المسرحيين.

لكي تتم الاستفادة من كل تلك الخبرات، فإن الهيئة تضع على جدول المهرجان ندوات فكرية تعكف في كل مرة على أهم القضايا المسرحية المطروحة، وتبحث في الحلول والرؤى المستقبلية الممكنة، ويكفي النظر في عناوين تلك الندوات عبر الدورات المتتالية لاستشعار أهميتها مثل «المسرح العربي إلى أين»، و«تجربة المسرح العربي بين النخبوية والجماهيرية»، و«المسرح والديمقراطية – أفق المستقبل»، و«أي ربيع للمسرح العربي في ظلّ الربيع العربي»، و«المسرح والهويات الثقافية»، و«المسرحيون العرب في المهجر، رؤى عربية أم مسرح عربي»، وهذا الموضوع الأخير تناولته ندوة مهرجان الرباط وحظي بمشاركة عدة مسرحيين عرب من المهاجرين إلى أوروبا الذين استطاعوا أن يكون لهم حضور في دول المهجر، وأن يستفيدوا من التجارب المسرحية الراهنة هناك، وقد سمحت الندوة للمشاركين بالاطلاع على تلك التجارب وتقييمها، هذا إلى جانب الورش المتنوعة التي تضم خيرة خبراء المسرح، يقدمون فيها تجاربهم وخبراتهم للأجيال الجديدة من المسرحيين، وتحرص الهيئة بشكل دائم على أن يكون ضمن المدعوين للمهرجان متدربون يحضرون تلك الورش.

المهرجان هو بالدرجة الأولى مهرجان للعروض المسرحية، يشهد على مدى أيامه عروضاً منتخبة من بين أحسن العروض التي قدمت على المسارح العربية خلال السنة، وتعين لذلك لجان اختيار في كل دولة تشاهد العروض المقدمة، وتنتقي أفضلها على مراحل تضمن دقة الاختيار، وتمثل كل دولة بعرض واحد، هو الذي يدخل المنافسة على الجوائز، ويمكن للجنة المنظمة أن تستضيف ما تشاء من العروض على هامش المهرجان، ولا تضع لجان الاختيار قيوداً على الأساليب الدرامية أو تقنيات العروض المسرحية، ما يسمح بالتنوع والغنى في تجارب المهرجان، فمثلاً في دورة الرباط شاركت 9 عروض مسرحية راوحت بين العرض السردي الدرامي، ومنها: «خيل تايهة» من فلسطين، والعرض الاستعراضي الراقص الذي يستفيد من أسلوب الأوبرا مثل «الزيبق» من مصر، والعرض التجريبي «إكسكلوسيف» من المغرب، والعرض الواقعي «المقهى» من العراق، والعروض الخيالية ذات البذخ السينوغرافي «طقوس الأبيض»، وأسهمت جائزة «صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عرض مسرحي عربي» منذ انطلاقها في رفع عدد العروض المتقدمة للمنافسة، ورفع مستوى تلك العروض نظراً للقيمة المعنوية والمادية لتلك الجائزة، وقد نالتها في دورتها الأولى أثناء مهرجان بيروت 2011 مسرحية «الديكتاتور»، وهي من إخراج لينا أبيض، وفازت بها في دورتها الأخيرة «خيل تايهة» من فلسطين، وقد ارتفع عدد العروض التي تقدمت بطلب المشاركة في المهرجان السنة الماضية إلى ما يقارب 500 عرض، دخل منها 226 عرضاً مرحلة التصفيات النهائية، حيث تم اختيار العروض التسعة التي تنافست على الجائزة، وهو ما يعني الأهمية المتزايدة للمهرجان، وحصوله على ثقة المسرحيين العرب الذين أصبحوا يتسابقون للمشاركة فيه.

شهدت دورة الرباط انفتاحاً كبيراً على العروض الشبابية، فكانت مسرحيات «بين بين» و«إكسكلوزيف» و«الزيبق» تعبر عن التجارب الشبابية الجديدة الباحثة عن أساليب جديدة بالاستفادة من مجاورات المسرح، أو بالتجريب، وهو ما يعطي للمهرجان حيوية وتطوراً مستمراً، ويجعله ميداناً للجديد الدائم، كما أنه انفتح أيضاً على التجارب الإخراجية النسائية، وكانت المخرجة اللبنانية لينا أبيض قد فازت بجائزة أفضل عرض متكامل في الدورة التي أقيمت في لبنان 2011.
يصادف انطلاق المهرجان في العاشر من يناير/كانون الثاني من كل عام، يوم المسرح العربي، ويقع الاختيار في كل عام على رائد من رواد المسرح العربي، ليكتب رسالة المسرح العربي ويلقيها في افتتاح المهرجان، ويجتهد أولئك الرواد في تقديم رؤاهم مقيمين تجربة المسرح العربي ومؤكدين أهمية الدور الذي قام به، ومستشرفين مستقبله، مقدمين نصائح للأجيال الحاضرة من أجل الارتقاء بالمسرح العربي، وقد تعاقب عليها كل من سميحة أيوب والدكتور عزالدين المدني ويوسف العاني وسعاد عبدالله وثريا جبران والدكتور يوسف عيدابي، وألقى صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الرئيس الأعلى للهيئة العربية للمسرح، كلمة اليوم العربي للمسرح في افتتاح الدورة الرابعة في الشارقة 2014، كما دأب المهرجان في كل عام على اختيار فنان مسرحي عربي متميز لتكريمه باعتباره شخصية المهرجان لتلك الدورة.

محمد ولد محمد سالم

http://www.alkhaleej.ae/

شاهد أيضاً

وادي الذئاب تعيد للمسرح الصومالي حياته بعد ثلاثة عقود من التوقف

        وادي الذئاب تعيد للمسرح الصومالي حياته بعد ثلاثة عقود من التوقف …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *