في مسرحية «أسرار العشق» لحافظ خليفة مغامرة صوفية و سفر الوجودي نحو الذات الإلهية/ بقلم مفيدة خليل

 

 

المصدر/ المغرب / نشر محمد سامي موقع الخشبة

يغوص في المحظور، يشاكس اهم قضايا الامة العربية ويحاول كسر طوق الجمود لا يهاب الممنوع او المحرم لأنه يؤمن ان الفن حرية، يعري الماضي ويكشف عن الهنات والمشاكل الاجتماعية والسياسية في اعماله المسرحية ويرحل بالمتفرج الى عوالم قلما خاض فيها المسرحيون التونسيون

والعرب وبعد ان جسد الصحابة على الركح وحادثهم الجمهور في «السقيفة» نجده اليوم يرحل بالمتفرج الى اغوار البحث عن الذات الالهية ويطرح اسئلة ربما يراها البعض محرمة.

في اسرار العشق العمل الجديد للمخرج حافظ خليفة يرحل صحبة نخبة من ابرز الممثلين الى عالم سرمدي عالم تكون فيه الروح سيدة المكان والمقام وكما شطحات الصوفية نراها ترقص باحثة عن الذات الالهية انطلاقا من الذات الانسانية. وشارك في هذه الملحمة الفنية كل من عبد الرحمان محمود والمنجي بن ابراهيم و كمال العلاوي ومحمد توفيق الخلفاوي وخبيب العياري, وشيماء توجان و كمال زهيو ومحمد وسام كريدان و حسن المي في التمثيل

وايمن السعيداني مساعد مخرج و رشاد باللحم مصمم و منفذ انارة وآمال الصغير في تصميم وحياكة الملابس ومفيدة مرواني في القيافة وللتذكير فالنص هو للكاتب الراحل ابراهيم بن عمر رفيق درب المخرج حافظ خليفة وقام بالدراماتورجيا و اعادة صياغة النص: محفوظ غزال .

أسرار العشق ومغامرة وجودية أخرى
هل انتفى منطق الانسان، ليخلد الى منطق الطير، في زمن الذبح حيث يقطع الانسان رقبة اخيه، هذه الحيرة القاتلة سكنت قلبي فادمته، حشرتني في زاوية الفراغ ما بين التيه والمتاه، فالتجأت الى منطق الطير استرق السمع، بعد ان احرقت جسدي وكل ما املكه من زمن الدنيا، متخلص الى حين من منطق انسانيتي الدامية، كانت المشاهد خيالا والصوت همسا وكان الطريق محراب الحق كما الوادي السحيق» هكذا يتكلم صوت مقدما العمل ومحضرا الجمهور الى سفرة هلامية من خلال الركح، سفر يحيل إليه ذاك القماش الابيض الذي زين اركان الركح.

مسرحية « أسرار العشق » هي مغامرة وجودية أخرى للمخرج حافظ خليفة يغوص فيها في عالم التصوف بعد « طواسين» و«برزخ» و«مراحيل» ولكن تصوف هذه المرة جاء في شكل رحلة في عوالم العشق و أسراره والولوج إلى دنيا الصوفية للبحث عن الذات الإلهية انطلاقا من الذات الإنسانية بنفس مسرحي تجريبي معاصر من خلال كتاب «منطق الطير» لفريد الدين العطار ، إذ يلتقي كل من معاذ و صخر و بلقيس و يحي بالهدهد في حالة تيه و حيرة لما آل إليه الإنسان من سفك للدماء و حروب ليطلبوا منه أن يرشدهم إلى السيمرغ أي الملك أو الذات الإلهية فيأخذهم إليها في رحلة مضنية من وادي إلى آخر كاشفا لهم خفايا العشق و أسراره.

رموز وايحاءات
الجميع يلبس الابيض ذاك اللون المحايد، الضوء يقسم الركح إلى نصفين، حركات بطيئة حينا وحثيثة حينا اخر كما اشتياق الصوفي لملاقاة العالم الاخر، يتحركون، يرقصون، تتهدج الحركة تتهدج الأرواح الهائمة التائقة الى ملاقاة الذات الإلهية، «فالعشق.. غيرة وقادة و حرب بلا هوادة»، في العمل الوان تشعرك بالعدم وتدفعك للبحث والسؤال، موسيقى قوية وتقابلها حركات بطيئة.

فامام صعوبات السفر واليأس الذي يداخل الكثيرين اذ تطول الرحلة، يتراجع الكثير من الطيور بأعذار مختلفة، بحيث لا يبقى في نهاية الأمر سوى ثلاثين طائراً، تقرر الاستمرار في رحلة البحث.

وهؤلاء، رمزياً، هم الصوفيون بالطبع. هؤلاء الثلاثون (ويعادل نعتهم بالفارسية كلمة «سي مرغ»، ما له دلالة واضحة)، يواصلون الرحلة، اذاً، تابعين الهدهد، قاطعين الفيافي والتضاريس، ولا سيما الوديان السبعة، التي ترمز هنا الى مراتب الوصول الصوفي السبع: وادي الطلب، وادي العشق، وادي المعرفة، وادي الاستغناء، وادي التوحيد، وادي الحيرة، وأخيراً وادي الفقر والغناء، الذي هو اصعب الوديان وآخرها، فإذا ما تمكنت الطير من اجتيازه وصلت الى مبتغاها. وبالفعل تتمكن الطيور من الوصول، في المقالة الخامسة والاربعين من الكتاب، الى السيمرغ وتجد نفسها في حضرته: «سي مرغ» (ثلاثون طيراً) تواجه الـ «سيمرغ» (الطائر الخرافي المطلوب منه ان يكون ملك الطير). ويتحول المشهد هنا الى لعبة مرايا، اذ تكتشف الطيور الواصلة الى مواجهة عرش السيمرغ، أنه انعكاس لذاتها، وأن ثمة توحّد تام بينه وبينها… والرمز واضح هنا: انه الحلول الذي يهيمن على الفكر الصوفي.

للسينوغرافيا ميزتها
حاول المخرج حافظ خليفة أن يطوع رؤى واحاسيس وأفكار متعددة من خلال سفر في عالم العشق الإلهي وبحث عن الذات القادرة على تحديد كنه الوجود الإنساني ، وما عاشه الإنسان العربي من تغيرات جذرية على مستوى الجغرافيا السياسية الا خير دليل على محاولاته التصالحية مع ذاته و رغبته في إشباع ذاته بمفهوم الحرية الخاص به و بالمفهوم المطلق لها حتى يغير حياته ومصيره وبالتالي وجوده فسعى من خلال اللعب على التقنيات المشهدية والكوريغرافيا وعلى الانارة بشكل رئيسي فقسم الركح إلى فضاءات ومسارات تختزل الأودية لتتحول إلى مشاهد متفرقة من مشهد إلى آخر.

فالعمل هو روح المخرج قدم بنفس تغريبي يعتمد أساسا على اللعب في فضاء مفتوح و فارغ فالإنارة هي وحدها المحددة لسينوغرافيا هذا العمل وخاصة في مشاهد العبور من وادي إلى آخر.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *