غازي قهوجي الكاتب الساخر ورائد السينوغرافيا في لبنان

لم تتمكن سخريته اللاذعة التي عُرفت بها نصوصه أن تنقذه من براثن المرض العضال فانتصر عليها وخطفه في الحادي والسبعين من عمره. غازي قهوجي ابن مدينة صور القديمة لم يكن فناناً فقط ولا كاتباً ساخراً ولا أستاذاً أكاديمياً في العلوم البصرية بل كان أيضاً وجهاً من وجوه بيروت، بيروت ما قبل «النكسة» السياسية والاجتماعية، بيروت الثقافة، بيروت المختبر المفتوح، بيروت المقاهي الجميلة التي كانت يحسن فيها الجلوس والنقاش واللقاء…

كان غازي قهوجي أول فنان سينوغرافي في لبنان يحمل شهادة دكتوراه في هذا الميدان وما يضم من فنون بصرية شاملة، مسرحية وتلفزيونية وسينمائية. وفن السينوغرافيا غالباً ما يُفسّر شعبياً في كونه فن الديكور وهذا سوء فهم كبير، فالسينوغرافيا لا تقل أهمية عن الكتابة والإخراج وسواهما. هذا فن الفنون المشهدية كلها. وفي أحيان يمكن اختصار العمل المسرحي في فضائه السينوغرافي لا سيما في المسرح الصامت أو ما يسمى «مشاهد بلا كلام». ولعل ما زاد من تمعن قهوجي في هذا الفن إغراقه في تعليم أصوله أكاديمياً في الجامعة اللبنانية ثم في الجامعة اليسوعية، مضيفاً إليه تاريخ الفن البصري والأزياء التي تعد جزءاً من السينوغرفيا. لكن قهوجي كان فناناً قبل أن يكون أكاديمياً، فهو أبدع في خلق فضاءات سينوغرافية بديعة عبر تعاونه مع مخرجين لبنانيين وعرب، في المسرح والتلفزيون والسينما. وأهم أعماله تجلت مع المخرج الرائد يعقوب الشدراوي ومنها على سبيل المثل مسرحية «الطرطور» المقتبسة عن نص للكاتب المصري يوسف إدريس ومسرحية «اسكندرية بحرك عجايب» التي كتب نصها أسامة العارف. وتعاون قهوجي مع الأخوين عاصي ومنصور وكانت أولى ثمرات هذا التعاون مسرحية «بترا» (1977) التي قدمت في بيروت والشام وفي كازينو لبنان مخترقة حواجز الحرب الأهلية، ثم تلتها أعمال أخرى. ولم يغب قهوجي عن ريبرتوار زياد الرحباني فأنجز سينوغرافيا مسرحية «فيلم أميركي طويل» التي حملت ملامح تطور مسرح الرحباني الابن ورسّخت أسئلته وقضاياه الإنسانية والسياسية والجمالية.

كان غازي قهوجي حاضراً بشدة في الحياة الثقافية والفنية في لبنان. فهو ساهم في تأسيس «المسرح اليومي للأطفال» مع الفنانين فايق حميصي أحد رواد الفن الإيمائي وعمر الشماع. وكان هذا المشروع من أهم المشاريع الموجهة إلى الأطفال. وعطفاً على حضوره البيروتي اعتنى قهوجي بما يسمى فنون المناطق والمدن، فساهم مساهمة رئيسة في انطلاقة مهرجان سوق الفرنج في صيدا الذي أشرفت عليه النائبة بهية الحريري، وكذلك في مهرجانات صور. وكان عضواً مؤسساً في «الحركة اللبنانية الثقافية» التي يترأسها الشاعر بلال شرارة.

إلا أن قهوجي سرعان ما أصابته لوثة الكتابة ففاجأ أصدقاءه ببرنامج إذاعي (صوت الشعب) يقرأ فيه مقالاً ساخراً وحمل البرنامج عنوان «قهوجيات». ولم يلبث هذا العنوان أن انتقل إلى الصحافة فكان بمثابة زاوية في مجلة «النقاد» التي أصدرها لفترة الناشر والصحافي رياض الريس. وعندما توقفت المجلة دأب على كتابة مقالاته في صحف لبنانية وعربية. وجمع قهوجي مقالاته في أربعة كتب صدر آخرها هذه السنة وعنوانه «مكدوس وما كدونالد». أما الكتب التي سبقته فهي: «أركيلة الحلم العربي»، «ما هب ودب» و»عرب الصابون» وكلها صدرت عن دار رياض الريس. في مقالاته هذه أو نصوصه بدا قهوجي ساخراً، مراً في سخريته، ناقداً لاذع القلم، يعلّق بطرافة على الظواهر الشاذة في المجتمع وعلى «الأمراض» الاجتماعية والثقافية التي يعانيها لبنان والعالم العربي. واعتمد أسلوباً سهلاً وبسيطاً، مختصراً لا يعرف الإطالة. وفي أحيان بدت مقالاته أقرب إلى اللوحات واللقطات والقصص الهازئة التي تدفع القارئ إلى الضحك شفقة وألماً، فهي عندما تقرص تترك وراءها أثراً موجعاً.

غازي قهوجي هو بحق رائد فن السينوغرافيا في لبنان هو جاءه من صميمي التخصص الأكاديمي، وتمكن من الارتقاء بهذا الفن إلى مرتبة الإبداع، جاعلاً منه عنصراً رئيساً في بناء العرض المسرحي والمسلسلات التلفزيونية.

 

عبده وازن

http://www.alhayat.com/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *