(عين) الناقد مجدي الحمزاوي يكتب عن العرض المغربي “طايطوشة”.. والديكور المحمول!!

مجدي الحمزاوي

وطايطوشة هو اسم العرض المسرحي الذي شاركت به دولة المغرب في الدورة العشرين لفعاليات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي؛ وقبل مشاهدة العرض بأيام كانت هناك محاولات شتى لمعرفة ماذا تعنيه هذه الطايطوشة؟ أو حتى معرفة تاريخ الفرقة التي ستقدم هذا العرض؛ وكانت هناك اتصالات عبر الإنترنت مع الأصدقاء المغاربة لمعرفة ما خفي عن هذه الطايطوشة أو عن فرقة تياترو كوم أو عن المخرج حفيظ البدري؛ وكل ما عرفناه بعد محاولات البحث أن طايطوشة هذه ربما تكون اسم لامرأة ما؛ وأن المخرج حفيظ البدري ربما يكون فردا من عائلة البدري التي تملك مسرحا خاصا وعائليا في المغرب ( والعهدة على من أخبرنا ولا يمكن أن نجزم بصحة هذا)؛ وخابت محاولات البحث عن تاريخ الفرقة؛ المهم بما أن النفس دائما تتوق لمعرفة ما خفي عنها كما أنها في بعض الأحيان أمارة بالسوء؛ فقد كان الأمر بالمشاهدة ومحاولة اكتشاف ما خفي؛ فعلا كانت المشاهدة التي فجرت قضية مهمة لا بد أن ينتبه لها المختصون والمتخصصون وكل من يهمه الأمر هذا إن كان الأمر في هذا الواقع المتردي يهم أحدا في الأساس. فالعرض كان بالعامية المغربية التي لم كانت عسيرة على الفهم من جانب المتلقي المصري؛ وبالرغم عني وجدتني أفكر هل سايكس بيكو تتحقق بصورة أفضل مما كان يأمله من وضعها؛ وأننا على وشك أن يكون لكل قطر عربي لغته الخاصة؛ أم أننا سنتدارك الأمر ونحاول أن يكون هناك لهجة تجمع الكل أو تكون لهجاتنا قريبة من المصدر الأساسي ألا وهي الفصحى العربية؛ ولا يتحدث كل قطر عربي باللهجة التي توارث آلياتها من العهود الاستعمارية السابقة؛ فآلية النطق بالفرنسية كانت هي السائدة في هذا العرض؛ مع أن الغريب يكمن في أننا بعد العرض عندما تحدثنا مع المخرج والممثلين تحدثوا بلهجة مفهومة لنا مع أنها هي اللهجة المغربية! فلماذا إذن تم ما حدث من شبه انفصال بين خشبة المسرح والصالة؟ _ أعرف أنه موضوع شائك ولكن لابد من الخوض فيه قبل فوات الأوان؛ فيكفي ما يحدث الآن من تطبيق لدعاوى قديمة رفضت حينها؛ ألا وهي الكتابة بالحروف اللاتينية؛ وزيارة قصيرة للمواقع الشهيرة التي يدخلها العرب وخاصة شبابهم سندرك مدى فداحة الأمر؛
ولنعد إلى ما تم فعلا من هذه الطايطوشة؛ فبعد دقائق من العرض أدركت أن هذا الموضوع المطروح حتى وإن كانت اللهجة لا تبين؛ هو موضوع معروف بل وأستطيع التنبؤ بما سيتم لاحقا؛ وبعد العرض أدركت السبب في هذا حينما أخبرنا المخرج وأيضا القائم بالبطولة في العرض بأن ما تم هو إعداد عن نص سعد الله ونوس ( بلاد أضيق من الأحلام )؛ ولكن الأمانة تقتضي أن يفرغ المرء مرجعيته مما يعرفه سابقا عن النص وأن يكون التعامل مع ما قدم فعلا للجمهور لأسباب عديدة منها أن هذا النص ليس بشهرة نصوص ونوس الأخرى وأيضا لأننا لو تناولنا هذا الأمر فسيكون هناك حديث لابد منه عن المقارنة بين النص الأصلي والنص المعد؛ وستكون هذه المقارنة أيضا في غير صالح العرض؛ فيكفي فقط أن ونوس قدم نصا صالحا للفهم بجميع الدول العربية وجاء الإعداد ليجعله قاصرا على المغرب فقط!!
العرض في مجمله يتحدث عن قصة حب بين فتاة قدمت لنا كرسامة وشاب لم نعرف ماهيته أو ماذا يعمل وإن كانت هناك بعض إشارات إلى أنه ربما يشارك هذه الفتاة في الاهتمام أو نفس العمل؛ ويتحدث عن الصعوبات التي تواجه قصة الحب هذه سواء من جانب السلطة أو حتى المجتمع الإنساني نفسه متمثلا قي تنكر الأصدقاء؛ وكشف الادعاءات التي لقنت لهم.. الخ ؛ وقصة الحب هذه التي تحاول أن تطلق خارج الأطر الاجتماعية أو السلطوية ولكن المجتمع وكل من يحيط بهم يرفض هذا التوجه ويحافظ على ناموسه الخاص حتى وإن كان هذا الناموس يحوي الزيف أو عفا عيه الزمن ؛ وبالصدفة رأيت في النشرة اليومية المصاحبة لفعاليات المهرجان كلمه للمخرج يحاول أن يشرح بها جديده أو إسهامه في حركة المسرح التجريبي بذكر ما قام به وما خيل إليه سواء أنه تجديد وتجريب ؛ فيقول: تجربتنا في طايطوشة تقوم على الديكور المحمول . ثم تحدث بعد ذلك عن مسميات كبيرة مثل الفضاءات التي نختلف من حيث دلالتها وإحداثياتها والتي نتخيلها أقرب إلى الحلم ؛ ثم حديث عن تقنيات السرد السينمائي التي قام بها ؛ وكلام آخر من هذا القبيل !!
ومن الواضح أن مخرجنا لم ير أو يشهد عروض مسرحية من زمن بالرغم من أنه كما يقول يحمل دبلوم الدراسات لعليا المتخصصة في النقد المسرحي والدراما تورجيا! وألا لكان عرف أن الكثير جدا من العروض يقدم بلا ديكور أساسا ولكنه في نفس الوقت يكون هناك سينوجرافية تتواءم مع هذا الاختيار ؛ ,أما بالنسبة لديكوره المحمول هذا ؛ وطبها يقصد به الديكور الخفيف سهل الحمل والتنقل به من مكان لمكان _ مع أني أكاد أوقن أن ديكوره جاء مشحونا وليس محملا بحقائب الفريق _ وواضح أيضا أن الكثير جدا من العروض المسرحية ينحو هذا النحو بل أن بعض الفرق المسرحية المصرية وخاصة الفرق التي تتشابه ظروفها مع فرقة تياترو كوم هذه تقوم باستغلال الديكور الممكن تواجده بمكان العرض المسرحي وذلك في حالة تنقلها ؛ بحيث يكون الاعتماد الرئيسي على ما يتوافر من مقاعد ومناضد .. الخ ؛ وبالطبع فإن هذا الاتجاه لا يمكن أن يكون مصريا صرفا وبالطبع هناك في الأقطار الأخرى من يشارك في هذه الأمر ؛ فإن تشابه المقدمات لابد أن يمنح تشابها في النتائج.
وبالنسبة لديكوره المحمول هذا ففد بدأ العرض باثنين من الممثلين فتي وفتاة يجلسان بمقدمة يمن المسرح واستظلا بمظلة من النور! نعم مظلة تأخذ شكل شجرة صغيرة أو مظلة ؛ فلم تبين لأن فروع هذه الشجرة المظلة ملأى بالمصابيح الكهربية المنيرة والتي تعمل بالتيار الكهربي العادي أي أن هناك سلك كهربي موصول بمصدر كهربي خارج خشبة المسرح ويمتد إلى هذه المظلة دون أي اعتبار لسلامة ممثليه ؛ وإن كان قد اتخذ الاحتياطات من سمك السلك الموصل وعزله.. الخ فهو بالطبع لا يمكن أن يكون قد اتخذ الاحتياطات بالنسبة لقرب هذا المجال الكهربي المعقد من رؤوس ممثليه ؛ المهم هذا هو ما حدث وقد كانت هذه الشجرة مثمرة أيضا ويدخل الحبيبان وكل واحد منهما قد التق بمؤخرته مقعد ! لماذا الله أعلم ؛ ولكن فيما يبدو قد كان هذا الأمر متماشيا مع هذا الديكور المحمول فقد كان كلا منهما يحمل مقعده؛ وبعد دقائق من العرض احتل الحبيبان مكان الفتي والفتاة تحت المظلة ؛ إذن فالموضوع مثمر ؛ وربما كان يقصد شجرة الحلم أو ما شابه ؛ ولكن لو كانت فعلا شجرة الحلم فأين ذهب السابقان؟ المهم أنه يدخل أحدهم من يمين المسرح يجر مكنسة وهذه المكنسة مربوط بها رصيفا ؛ ويتناوب دخول هذه المكنسة والرصيف في الكثير من الأحيان لكي يختزلا مكان الشارع أو المكان الذي يوجد فيه الحبيبان كناية على أن الأمور تضيق بهما وعليهما _ وهذا التناول يحسب لهذا المخرج ولو كان قد أعطى الاهتمام الكافي لهذه الدالات فقط وركز عليها بما يشير لكل ما يمكن أن يقف أما الحلم لكان أجدى _ ثم اللجوء إلى الصديق الأستاذ واستدعاء المكان الذي يتواجد به خارج خط الشارع ؛ وفي اللجوء إليه تتسع المساحة لهما ولكنهما يكشفان زيفه ويخرجان وتدخل المكنسة ويكون الأمر أكثر ضيقا وهذا أيضا يحسب له ؛ ولكن هذه الأشياء الجيدة كلها تضيع وسط هذه الحركة المسرحية الأفقية التي لابد أن يواجه بها الممثلان الجمهور مهما كان الأمر والدافع نتيجة لهذه المقاعد الملتصقة بالمؤخرة ؛ ولا تتحدث عن إضاءة لها أي تواءم مع حالة الضيق أو البراح ؛ فكان الأمر مجرد عبارة عن إنارة ملونة في بعض الأحيان فقط؛ ولكن يجب علينا أن نقول أن الممثلين كانوا فعلا على مستوى من الجودة خاصة في تعبيرات الوجوه سواء البطلة فاطمة الزهراء أو من قاموا بالأدوار المساعدة ؛ ولكن دائما ما كان الكل في المسرح يحاول أن يجد سببا لارتباط المقاعد بالمؤخرة ؛ وللأسف انتهى العرض ولم نعرف ‘ مع أن هذه المقاعد لم تستعمل أمثر من خمسة دقائق في عرض استمر لأكثر من ساعة
ومنه لله هذا الديكور المحمول فربما قد كان هو السبب في كل ما تم وربما كان أيضا هو السبب في نطق الممثلين بسرعة استعصت على الفهم ؛ في محاولة لإنهاء العرض والتخلص من هذه الحمولة

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *