(عين) المسرحية التونسية” ليس الا”..هذيان الواقع العربي شخصيات مهشمة تبحث عن ذاتها وسط حالة من الفوضى – تونس

في المسرحية التونسية “ليس الا” المشاركة في مهرجان ليالي المسرح الحر 11،لوحات فنية تغطي الحائط الاسود، وجمهور تفاجأ بان الممثلة” انتصار عيساوي” تستند الى الحائط، والموسيقى حاضرة بقوة، وياخذ المشهد الافتتاحي وقته حتى يجلس الجمهور، ليخرج من بينه الممثل”حمودة بن حسين”، ونعرف ان الليلة مناسبة يفترض ان يكون لها طقوسها، وان يكون هناك تواصل بينهما، لكن حالة من العصبية تسيطر على المكان منذ اللحظة الاولى، ليتصاعد الحوار المحموم، او المكتوم، او بالصراخ احيانا، في حالة من الهذيان، للدرجة التي تصبح فيها هذه الشخصيات وكانها مرايا للجمهور، او انها تتماهى معها، ذلك ان واقع وظروف شخصية الرجل والمرأة على المسرح” بغض النظر عن العلاقة بينهما، زوجان او خطيبان” هي ظروف يكاد يعيشها الجميع، وان ماسمي بالثورات العربية، حجبت الرؤية، وخلقت حالة من الاحتقان والتوهان،وفقدان التواصل،والثرثرة الزائدة،والانكفاء نحو الداخل، وروتين قاتل، وفقدت المفردة والجسد تلك المعاني التي كانت تثير اشتعالات في النفس، واثرت سلبا على نمط السلوك والعلاقات الانسانية.13228065_10154170771039104_617871936_n

هي” انتصار عيساوي” فنانة تبحث عن فرصة للغناء، وهو” حمودة بن حسين” فنان ايضا، كلاهما عنده الحلم بالانعتاق، والتعبير بادواته الفنية،وان يكون لديه مكان وسط هذه الفوضى واللامبالاه، لكن الحالة الخارجية المغلقة على الامل والخانقة لكل محاولات التمرد وتحقيق الذات ، انعكست على البيت الذي اصبح مجرد جدران تمنع الحلم من ان يكبر، لابل انها تعمل على تهشيم الحلم وخنق الشخصيات، ودفعها الى العبث، في محاولة للدفاع عن ذاتها، او النزوع نحو الخروج من هذه الدائرة الخانقة باي ثمن، او الوصول الى حالة من الجنون التي ترى فيها ان الموت والاقصاء والقتل وفرض الافكار بالقوة هو.. الحل.

لوحات متتالية تمثل مجمل العرض، تنتقل بالمتلقي من لوحة الى اخرى بسلاسة، ذلك ان الاداء العالي للممثلين، وتوظيف مكملات العرض من اضاءة مدروسة وموظفة جماليا ودلاليا،وخاصة المشهد الذي تمتحن فيه المرأة صوتها، الذي اصبح هو الاخر صوتا نشازا، استجابة وانسجاما مع مجمل الوضع العام الذي لا يمكن ان يكون بيئة وحاضنة للجمال. وبالتالي فان النتيجة هي مزيد من خيبة الامل، والقسوة مابين الشخصيتين، وتضخم التوتر والتنافر فيما بينهما.وامعانا في تصوير حالة الخراب، فان هذا الصوت النشاز، تتم مكافأته بشهادة تقدير جاهزة.

ذلك ان مجمل الوضع لايمكن ان ينتج الا هذا التشوه في الشخصيات والسلوك، فالفنان الذي تراجع موقعه بعد الثورة بنظر السياسين، والقائمين على الشأن الثقافي والفني الذين لايؤمنون بدور الفن، ولا يقدرون قيمته، ولذلك ياتي الجرح مؤلما وعميقا في نفس الفنان الحساس، وهذه الشروخ داخل الفنان هي تعبير عن معاناة شرائح الشعب المختلفة، فقد تمدد السياسي على حساب الثقافي والاقتصادي والاجتماعي، فكان طبيعيا هذه النقلات المفاجئة في الشخصيات، والحوارات المبتورة، والتحولات الصادمة، وخاصة المرأة التونسية المعروفة بالوعي والنزوع نحو التحرر، وردود الفعل العصبية، والقفز بالفراغ، وهيمنة الفكر المتطرف على عقول الشباب، والذي جسدته المسرحية بهذا الخطاب المتطرف، والنقاب ، والدعوة الى الموت.

مسرحية”ليس الا” لا تتحدث عن واقع تونس فقط انما تتمدد باتجاه الوطن الكبير، الذي يعيش الفراغ والثرثرة السياسية، وشخصيات تبحث عن ذاتها، وسط حالة من عدم اليقين.

“ليس الا” عمل فني اعتمد على اشراك المتلقي،في اجواء من الكوميديا السوداء، وحمل عناصر عرض ناضجة بدءا من النص الى الديكور والاضاءة والموسيقى،والاخراج الذي لم يعتمد اسلوبا موحدا، وبالطبع اداء الممثلين”النجمين، ليكون واحدا من العروض المجددة في المسرح التونسي.
المسرحية فازت بالجائزة البرونزية لافضل عمل متكامل.

رسمي محاسنة
ميديا نيوز

شاهد أيضاً

الكتاب المسرحي العربي للمرة الأولى في جيبوتي. اسماعيل عبد الله: حضور منشورات الهيئة العربية للمسرح في معرض كتب جيبوتي حدث مفصلي في توطيد الثقافة العربية.

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *