(عين)المسرحي المصري مناضل عنتر يقدم رؤية جديدة لـ «هاملت» – مصر

لم يزل «هاملت» نصاً يحتمل العديد من التأويلات، ويمكن معالجته من دون الارتباط بمكان أو زمن، النص المسرحي الذي كتبه شكسبير، وحمل مضامين وقضايا وجودية في المقام الأول، والذي صار بمرور الوقت جديراً بأن يصطف والنصوص المهمة، من حيث تباينات تفسيراته وتعددها، من دون إصدار الأحكام القاطعة بشأنها، أو الوصول إلى نتيجة قاطعة تخص حالة وشخصية هاملت، وهو ما يشجع الكثير من المسرحيين التعرّض إلى النص، ومحاولة تقديم رؤية تتناسب وشخصية المخرج والأحداث التي شكَلت وعيه.
وفي تجربة جديدة لهاملت، يقدم المخرج ومُعد العرض مناضل عنتر، أولى تجاربة المسرحية الدرامية، وهو المعروف بأعماله كراقص ومصمم ومخرج. والعرض يعد أحد العروض المسرحية الفائزة بالمنحة الأولى لمكتبة الإسكندرية للمسرح، التي خصصت هذا العام لدعم الرؤى المسرحية التي تتناول نصوص شكسبير العالمية، احتفاءً بمرور 400 سنة على وفاته. العرض بطولة.. طه خليفة، أحمد طارق، وسام صبحي، مصطفى عبد الهادي، إيمي رزيق، وكريم رفعت. وتم تقديمه مؤخراً على مسرح الهناجر ــ قاعة هدى وصفي ــ في دار الأوبرا المصرية.

هاملت بالمصري

حاول المخرج والمُعد مناضل عنتر أن يقدم شخصية هاملت في شكلها المصري، مع إعادة تفسير شخصيات النص الأصلية، وفقاً لهذه الرؤية، فاعتمد على أشعار نجيب سرور «أفكار جنونية من دفتر يوميات هاملت»، إضافة إلى المواويل الجنوبية الشعبية ــ فن الواو أو المربعات ــ والموسيقى الشعبية. كذلك اختصر شخصيات أخرى من النص الأصلي وأعاد دمج بعضها. فاقتصر العرض على .. هاملت، هوراشيو، أوفيليا، العم، الأم، بولونيوس، كما استحدث شخصية هاملت الصبي، كمحاولة لتجسيد حالة الفصام التي يعانيها هاملت، والتي أدت إلى مرضه بالفعل.

الشخصيات

رغم اجتهاد الممثلين، إلا أن معظمهم لم يكن إلا مجرد أداة لتقديم الفكرة ــ يعود الأمر للنص المُعَد لا الممثل ــ ولم يخرج عن هذا إلا الممثل الذي قام بدور بولونيوس. والد أوفيليا ومستشار الملك مغتصب العرش، فهو القوة الجبارة التي تقود الجميع وتعرف الجميع، لذلك لا يموت كما في النص الأصلي، بل ينهض بعد قتل هاملت له، ويلقي كلماته الساخرة من الجميع. كما أن أداء الممثل القريب من الأداء الطبيعي غير المتكلف، أعطى العرض نغمة متباينة عن نغمة الأداء الكلاسيكي السائدة. من ناحية أخرى يظهر هاملت عبر شخصيتين، شاباً وصبياً، كتجسيد حالة الفصام كما أسلفنا، وأيضاً لم تأت النهاية بموت هاملت كما في النص الأصلي، بل من خلال التصالح بين هاملت وذاته ــ الشاب والصبي ــ والمحاولة من جديد في لغة ورؤية متزنة، رغم موت أوفيليا ورؤيته أمه على حقيقتها.

العرض المسرحي

احتل الرقص التعبيري أجزاء كبيرة من العرض المسرحي، واختصر بذلك العديد من الحوارات بين الشخصيات. وربما كان الأداء التعبيري الراقص هذا أفضل ما في العرض، بخلاف بعض المنولوجات وطريقة أداء الممثلين لها، والمبالغة في تعبيرات الوجه، مما خلق حالة من الفصام ــ كحالة هاملت ــ بين العبارات الرنانة، والبلاغة السقيمة، ودروس الحكمة التي يتلقاها المُشاهد، خاصة في حوارات هوراشيو، وهو يشرح حالة هاملت، ويُنظّر ــ الإسقاط ــ درامياً لما نعيشه اليوم من مؤامرات وتحالفات، وما شابه من حالة تحياها فئة كبيرة من المصريين الآن.
من ناحية أخرى حاول المخرج خلق حالة من التجريد الشديد، خاصة الديكور، حيث الستائر السوداء ــ حالة الحداد الدائم ــ واللعب من خلال الإضاءة بأن يقسم المشهد إلى لقطات من خلال النور والظلام، كذلك الزي العصري للشخصيات البذلات السوداء الكاملة، بخلاف رداء أوفيليا الأبيض، والأزياء المزركشة التي ترتديها الأم على الدوام ــ لم نجدها في لحظة تشعر بحالة الحداد هذه ــ بخلاف شخصية بولونيوس، الذي خرج في النهاية عن سجن هذه الملابس، السترة ومحاولة خلع قميصه، فربما هو الحقيقة الوحيدة في العرض المسرحي، إذا اجتهدنا وادعينا أن ثمّة حقائق يمكن الحديث عنها. هذا التجريد ينأى عن زمن الحدث الحقيقي ــ زمن النص الأصلي ــ ويجعله آنياً إلى حدٍ كبير.

عن اغتصاب السلطة وأشياء أخرى

العم القاتل مُغتصب العرش، والشاب الباحث عن ثأر الأب، والموعود بأن تؤول السلطة إليه في النهاية، فهو الوريث الشرعي للعرش، ولكن من خلال وصاية هذا العم. كان على هاملت في رحلة التردد الخائبة أن يقف أمام نفسه بداية، أن يكتشف آفاتها ومفاسد هذه النفس، أن يتصالح مع نفسه الخربة أولاً، حتى يفكر في تحقيق العدالة، ورغم فقده حبيبته وتآكل روحه، إلا أن هناك شيء من الأمل ــ لن تجدي المأساويات في مثل هذه المواقف ــ ما كان قد كان، الأمل في ما سيكون، وعليه وحده أن يقرر كيف ومتى يفعل.

محمد عبد الرحيم
(القدس العربي)

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *