علي سالم.. فيلسوف المسرح السياسي

للكاتب المسرحى على سالم نحو 15 كتابا و27 مسرحية، ولعل مسرحيته الأشهر «جماهيريا» مدرسة المشاغبين، مثلما كانت بوابة شهرته، إلا أنها استأثرت بالضوء والاهتمام الذي شغل كثيرين عن عطائه الآخر.

وتجاوزا لفكرة الخلاف أو الاتفاق مع القناعات السياسية لسالم، فإنه يجب أن نعيد قراءة بعض من أفكاره لكى يكون الاختلاف أو الاتفاق منهجيا. وفى عجالة نقدم قراءة في بعض من أفكاره وكتاباته وقبل ذلك يتعين الإشارة لمحطات سريعة لسيرته، فهو مولود في 1936 في دمياط، وكان والده شرطيا، وتوفى في 1957 وكان سالم في الـ21 من عمره، وكان أخوه قد سقط في حرب 1948 وبدأ على سالم نشاطه بالتمثيل في عروض ارتجالية بدمياط ثم عمل بعدة فرق صغيرة، قبل أن يعين في مسرح العرائس ويتولى مسؤولية فرقة المدارس ثم فرقة الفلاحين.

وكانت أولى مسرحياته التي قدمته كاتبا محترفا «ولا العفاريت الزرق»، ثم كتب مسرحية «حدث في عزبة الورد،» والتى قدمها ثلاثى أضواء المسرح جورج وسمير والضيف، واستمر العرض 4 أشهر في سابقة من نوعها في وقتها، ثم توالت أعماله، ومنها «الناس اللى في السماء الثامنة» وهى مسرحية شبه هجائية تروى حكاية كوكب يخضع لسيطرة ملك وطاقم من العلماء الذين يؤمنون بأن الحب مرض يجب علاجه بإزالة «غدد الحب» من أجسام الأطفال، وينظم الواقعون بالحب انقلابا برئاسة وزير الطب لتلك المملكة، ثم كانت مسرحيته «الرجل اللى ضحك على الملائكة» ثم «أنت اللى قتلت الوحش- كوميديا أوديب» ثم المسرحية التي بها في أنحاء العالم العربى، فهى الكوميديا «مدرسة المشاغبين» التي تروى حكاية معلمة للفلسفة تحاول تأديب صف من التلاميذ المشاغبين.

ثم أحاط بعلى سالم الكثير من الجدل، بعدما اكتسب الكثير من الأعداء، حين دعم مبادرة السلام التي قام بها السادات في نوفمبر 1977 بشأن السلام بين العرب وإسرائيل، ولكنه لم يزر إسرائيل حتى سنة 1994 بعد التوقيع على اتفاقية أوسلو الأولى، وسجل سالم أحداث رحلته ولقاءاته مع إسرائيليين في كتاب رحلة إلى إسرائيل بعد صدوره في مصر، تمت ترجمة الكتاب إلى اللغتين العبرية والإنجليزية، حيث صدر أيضا في إسرائيل، وفى بلدان أخرى، وكان واضحا في قناعاته هذه، وجاهر بها في كل مناسبة، ولم يتراجع عن موقفه رغم ما تعرض له من الإدانات يكاد معها عموم الجمهور لا يذكرون لعلى سالم من مسرحياته سوى مسرحية مدرسة المشاغبين.

وقد ترسخت في ذهن قطاع كبير من الشباب على نحو دفع كثيرا من الكبار والتربويين للقول بأن هذه المسرحية أفسدت أجيالا من التلاميذ والطلاب، رغم أن لعلى سالم الكثير من المسرحيات الأخرى، وتم تنفيذ بعضها على خشبة المسرح، بل شكلت إغواء للمسرحيين في بيوت وقصور ثقافة مصر ومراكز الشباب أحيانا، ومن هذه المسرحيات «الناس اللى في السماء الثامنة» و«ولا العفاريت الزرق» و«الراجل اللى ضحك على الملائكة» وحدث في عزبة الورد وطبيخ الملائكة، وأنت اللى قتلت الوحش- كوميديا أوديب وعفاريت مصر الجديدة والملوك يدخلون القرية والعيال الطيبين وأولادنا في لندن وبكالوريوس في حكم الشعوب، وهى مسرحية مهمة أعادت «المصرى اليوم» نشرها على حلقات، وكانت المسرحية قد عرضت في نهاية السبعينيات، وحققت نجاحاً كبيراً وجدلاً أكبر، وبعد أكثر من ٣٠ عاماً من كتابته وإنتاجه، لأنه لا يزال يعبر عن حال كثير من المجتمعات العربية حالياً، وكأنه كان يستشرف المستقبل، أو كأن أزماتنا وأمراضنا السياسية والاجتماعية ثابتة لا تتغير، ولا تتحول، ولا تؤثر فيها السنون التي تمضى بالعالم كله حاملة تطويراً ملموساً، فيما نبقى نحن في ثلاجات التجميد «محلك سر»..!

 

ماهر حسن

http://www.almasryalyoum.com/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *