عروض القاهرة التجريبي 24..لغة المسرح الإنسانية والتكثيف الجمالي-القاهرة/ بشار عليوي

 

صورة المهرجان
أي حراك مسرحي عابر للهويات مُتنوع الاتجاهات والأساليب والرؤى الجمالية والفكرية حد التُخمة، يُثير الجدل بوصفهِ دليل نجاح يُحسب لهذا الحِراك عبرَ الاحتفاء بهِ من قبل الغالبية من المسرحيين سواء المُتلقين لنتاجاتهِ أو ممن واكبوا فاعلياتهِ على جميع الصُعد وهذا دليل عافية معرفية وثقافية عامة، وأزعم أن الدورة الـ24 من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المُعاصر والتجريبي الذي اختتمتْ فعالياتها على جميع مسارح القاهرة مؤخراً كانت مُتميزة وتتوافق مع التوصيف أعلاه، فكُل واحدة من فعالياتهِ بحاجة الى عدّة وقفات تحليلية لسياقاتها ونتائجها بعيداً عن الملاحظات النقدية التأثرية ذات المحمل الانفعالي اللحظوي، وبالتالي فإن المهمة عسيرة إزاء الناقد الموضوعي الذي يتوخى الدقة والعلمية والمهنية في مُلاحقة فعاليات المهرجان (العروض/ الورش/ الندوات) نقدياً إذا ما عَرفَ الناقد مُسبقاً أنهُ وسيط مُهم بين تلكَ النتاجات وبين جمهرة المُتابعين لتلكَ الفعاليات .

الورش المسرحية
إن دورة “القاهرة التجريبي24” قدْ حَفلتْ بعديد التطورات التي جذرتْ بشكل أوضح لوجود المهرجان على خارطة المهرجانات المسرحية الدولية التي تزخر بالجديد والجِدة وهُما من أهم سمات “التجريب” المسرحي، فضلاً عن توَصيف المهرجان بصفة “المُعاصرة” وهي صفة أزعم أنها أضافتْ الكثير لماهيتهِ حينما وفرتْ للقائمين عليهِ والمُشاركين فيهِ على حدٍ سواء  فرصة مواكبة أهم التحديثات التي طرأت على المشهد المسرحي الجديد في العالم، فمن أهم التطورات لهذهِ الدورة هي استحداث قسم مُستقل للورش المسرحية التطبيقية مواكبةً للتحديثات التي طرأت على المشهد المسرحي المُعاصر ولأول مرة في تاريخ المهرجان والذي عادَ قوياً بعد توقف اضطراري بعد ثورة 25 يناير 2011 المصرية، إذ تمت إقامة 9 ورش مسرحية تدريبية هي (ورشة جماليات التدفق) من تأطير المخرج والمدرب المصري المصري الأصل”هيثم طنطاوي” و(ورشة المسرح الوثائقي) تأطير المُمثل “دينيس بوتكس” و(ورشة العيادة المسرحية) للمخرج والناقد العراقي د.جبار خماط ،و(ورشة الإضاءة المسرحية) تأطير اللبنانية منى كنيعو، و(ورشة مسرح الشارع) للمخرج المصري اسلام سعيد، و(ورشة دراسة المشهد) لمدرب التمثيل البريطاني جيلز فورمان، و(ورشة محاضرة الكتابة المسرحية) للمخرج للسنغالي فيمي أوسوفيسان، و(ورشة محاضرة الإخراج المسرحي) للمخرج الصيني مينغ جين خواي، و(ورشة الموسيقى والرقص المسرحي) للمُدرب نيكولاس كانتيون.

المحاور الفكرية
كما تمَ عقد سلسلة من المحاور الفكرية التي أعدتْ لها وأشرفتْ عليها الباحثة المصرية د.أسماء يحيى الطاهر، والتي شُكلتْ لوحدها فعالية ثرية مُستقلة حينما أضافتْ الكثير للطبيعة المُعاصرة للمهرجان لاشتمالها على أبرز التيارات والمفاهيم النقدية المُعاصرة بصيغة دراسات بحثية ونقدية وطرحها على طاولة النقاش من قبل ثُلة من أبرز الباحثين والنُقاد من مُختلف دول العالم، فضلاً عن سخونة النقاشات التي دارتْ حولَّ تلكَ الدراسات ولا يُمكن الحُكم على طبيعة المهرجان بشكل مُكتمل دونَّ الأخذ بنظر الاعتبار المحاور الفكرية وما دارَّ فيها، أبرزها محوران جَسّرا للعلاقة بين المسرح العالمي والعربي حول طروحات الأُستاذة الألمانية “د.أيريكا فيشر ليشته” المُتخصصة عالمياً بدراسات فن الأداء وتناسج ثقافات الفُرجة وبعنوان (جماليات الأداء في العرض المسرحي عند إيريكا فيشر لشته) (وتناسج ثقافات الفُرجة) وبمُشاركة الناقد المغربي د.خالد أمين، والناقد الأمريكي الشهير مارفن كارلسون والاستاذة الألمانية د.تروستن يوست، والباحثة المصرية والمُترجمة د.مروة مهدي مُديرة مركز المسرح العربي والتبادل الثقافي في ألمانيا التي قدمت دراسة مهمة تعنونت بـ(مفهوم الأدائية وإشكاليات الترجمة للغة العربية)، والناقد المصري د. محمد سمير الخطيب، والالماني فيليب ابينيه، والباحث المغربي د.هشام بن الهاشمي، والباحثة البولندية ماتجوريتساتا سوجيراه، ومحور (المسرح بين التراث المدينة) بمُشاركة المغربي د.رشيد امحجور، والباحث المصري د. محمد أمين عبد الصمد ، والباحث السنغالي فيمي أوشوفيسان ودراستهِ المهمة (نحو مسرح عالمي بحق: نسج تجارب مع قواعد الدراما الأُوروبية)، والنيوزيلندي د.جوناثن جيل هارس، والباحث التونسي د. محمد المديوني ودراستهِ (في التراث والمسرح والمواطنة)، والناقد المصري محمد مسعد، ومحور (الخرووج من الخطاب السائد والبُنى التقليدية الى آفاق المعاصرة والتجريب) بمُشاركة رئيس المهرجان د. سامح مهران والناقد أحمد خميس والناقد هبة بركات.

عروض المهرجان
لقد تنوعت عروض المهرجان الأجنبية منها والعربية بالإضافة الى المصرية على  الصُعد كافة مما شَكلَّ عامل تأكيد لصفتي “التجريب” و”المُعاصرة ” اللتين توسمَّ بهما المهرجان  ، فالمُتابع لطبيعة العروض الأجنبية يجد أنها قد قاربتْ كثيراً مُستوى التحديث الذي طرأ على المشهد المسرحي للبلد الذي قَدمتْ منهُ، فضلاً عن أنها هي مُخرجات فعالية ورشوية مُنضبطة، وهذهِ إحدى سمات المسرح المُعاصر عالمياً، فالعرض الصيني المونودرامي (حُب التاسعة والنصف) إخراج “مينغ جينج خواي” أبرز المُخرجين المسرحيين في الصين والعالم، تجسيد الممثلة “هوانغ زيانغلي”، من انتاج ستوديو مينغ المسرحي الذي اهتم بتحديث الأبنية الجمالية للمسرح الصيني المعاصر، وقد شكلَ هذا العرض علامة فارقة في المهرجان، حينما اعتمد على عديد الوسائط المُستخدمة داخل الفضاء المسرحي بوصفها مثابات أساسية أرتكز عليها العرض عملت على تجسيد خطاب العرض الفكري واعطاهِ قوة مادية وكان أبرزها تلكَ الوصلة الإشهارية المُجسدة التي تم توزيعها قبل بدء العرض باحتوائها على مجموعة التخطيطات المُجسدة بوصفها قراءة ما قبل العرض وتوظيف مُتقن لوسيط الإشهار الترويجي، فضلاً عن تفوق المؤدية على نفسها حينما اعتمدتْ بشكل كامل على ماهية جسدها وتطويعهِ لصالح مُعطيات العرض الجمالية والفكرية حينما كسرت أُفق التوقع لدينا عن السرد التمثيلي في المونودراما بوصفهِ دائماً ما يكون مشحوناً ومُعباً نفسياً ويعتمد الملفوظ الحواري أساساً لهُ، لكن تأثيث فضاء هذا العرض مع مُجمل الأداءات الحسنة لـ”هوانغ زيانغلي”، قد جاء بالتوافق مع ما أرادهُ المُخرج لهذا العرض المونودرامي ، عبرَ شحنهِ دلالياً بكل ما هوَ بصري عبرَ التكثيف الجمالي لحضور الوسائط بمختلف أنواعها داخل جسد العرض، فكان من العلامات المهمة في “القاهرة التجريبي24” ، وهوَ من العروض المسرحية التي تؤشر اتساع خطوات التحديث التي طرأت على جسد المسرح الصيني المُعاصر عبرَ أشتغلات واحد من أبرز مُخرجيهِ، أما العرض البلجيكي (عطيل) تأليف رشا فاضل واخراج العراقي المُغترب حسن خيون، فقد أرادَ إيصال فكرة مفادها تابه تاريخ الطُغاة حينما ربطَ بين حياة عُطيل ومصير صدام حسين، وهي مُقاربة نجدها قاصرة في إعادة قراءة النص الشكسبيري وهي واحدة من عديد المحاولات التي تُعيد إنتاج النص عبر محاولة عصرنتهِ بالاعتماد على الأداءات الجسدية للمؤدين بالتماهي على مع الوسائطية المُستخدمة وقد افتقد العرض لعنصر الإيقاع الضابط لمُجمل التحولات الجمالية التي صنعها (خيون) وكان من المُمكن تكثيف الوصلات البصرية وتسريع ايقاعهِ ، لكن هذا لا يمنع من الاشادة بالأداء الحسن للمؤدية “ساتيا روزنز” ، فيما كان العرض الأمريكي (الى الأمام) المُستوحى عن كتاب الموتى المصري، اخراج: كانيزا شال، ويتحدث عن الحياة الأُخرى ما بعد الموت في اسلوب حواري جمالي رشيق، مع حضور عناصر السينوكرافيا التي أثثت فضاء العرض بجميع أركانهِ، أما العرض الروسي (زمن العجائب) إنتاج معمل المسرح الحركي، فكرة وإخراج: ليديا كوبينا، هوَ نتاج عمل ورشوي على صعيد الكتابة الدرامية والأداء الجسدي للمؤديات، فهوَ عرض انساني ينتصر لقضايا المرأة المُعاصرة ومشاكلها، ويتساوق مع ذات الوصف العرض الأرميني (رحلة فوق المدينة) تأليف أونش اسليبيكان، إخراج: نارين جريجوريان، الذي كان من أفضل عروض المهرجان بإجماع من شاهدهُ، وكذلك الحال مع العرض المغربي (خريف) انتاج فرقة أنفاس، اخراج أسماء هوري، والعرض الأردني (ظلال أنثى) لفرقة المسرح الحر، تأليف: هزاع البراري واخراج: اياد شطناوي، والعرض المصري (نساء بلا غد) تأليف جواد الاسدي، اعداد وإخراج: نور نواف غانم، والعرض التونسي الجريء (نساء في الحب والمقاومة) تأليف مريم العكاري، اخراج فتحي العكاري و والعرض الفرنسي اللبناني المشترك (ليلة خريف) تأليف واخراج: سيرين اشقر، وأخيراً العرض الجورجي (الشقيقات الثلاث) تأليف: تشيخوف، إخراج: قنسطنين بورتسيلادزي، وجميع هذه العروض نطقت بلغة مسرحية انسانية موحّدة انتصرت لقضايا المرأة في عصرنا الحالي.

 

http://www.almadapaper.net

 

شاهد أيضاً

المسرح السوري في سنين الجمر(2-2): هل كتب السوريون تراجيديتهم؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *