طه رشيد: المسرح العراقي حي رغم الأزمات

سجّل المسرح العراقي حضورا مهما خلال فعاليات الدورة 17 لأيام قرطاج المسرحية التي احتضنتها العاصمة التونسية، حيث حضرت رموز مخضرمة تمثل مختلف أجيال هذا المسرح وعرضت أعمالا جسدت تنوع تياراته.

في هذا الحوار -الذي جرى على هامش المهرجان- يستعرض المسرحي والإعلامي العراقي طه رشيد مدير الإدارة والإعلام بنقابة الفنانين العراقيين أوضاع المسرح العراقي في ظل الاضطراب السياسي والأمني الذي تعيشه البلاد.

ويسلط رشيد الضوء على حيوية الإنتاج والابداع التي لا يتم تسليط الضوء عليها بالقدر الكافي في خضم التركيز الإعلامي الخارجي على مشاهد الدم والعنف، كما يقدم أولويات نقابة الفنانين العراقيين في المرحلة المقبلة.

 لطالما حظي المسرح العراقي بمكانة طليعية ضمن التجارب العربية، لكن هذا الحضور سجل تراجعا خلال المخاض العسير الذي تعيشه البلاد منذ 2003، فكيف تشخص هذا الوضع حاليا؟

إنه تراجع في تسليط الضوء على الحركة المسرحية العراقية لا في الحركة بحد ذاتها. واضح أن الإعلام الخارجي الذي ينقل ما يجري في بغداد لا يسلط الضوء على حيوية الحقل الثقافي والفني ككل، فحيوية المسرح العراقي ظلت متدفقة، والإنتاج لم يتوقف على الإطلاق، وقدمنا -بالأرقام- في 2014 وحدها 17 عملا مسرحيا، وهذا العام -رغم التقشف- قدمنا عدة أعمال مسرحية.

كما ينبغي التذكير بمبادرة مهمة تمثلت في تنظيم المهرجان العراقي المسرحي الأول ضد الإرهاب في يونيو/حزيران الماضي، بمساهمة 11 محافظة. وخلال هذا المهرجان تكفلت كل محافظة بإنتاج مسرحية، على أن الموضوع الأساسي تمركز حول الارهاب، وتواصلت بعده حركة الإنتاج من خلال أربعة أعمال مسرحية جديدة.

وأود الإشارة إلى مشروع مهم يجري الاشتغال عليه حاليا، وهو مسرحية بعنوان “مكاشفات”، تتناول الجدل الذي جرى بين الحجاج بن يوسف الثقفي وابن طلحة. والعمل من تأليف سامح محمد وإخراج غانم حميد. كما يواصل المسرح التجاري نشاطه بكثافة، خاصة في أيام الأعياد.

 لا يمكن تصور نشاط فني مفصول عن صدى ما يحدث في البلاد، فكيف يتمثل المسرح العراقي هذه التحولات والمخاضات الأليمة التي يعرفها المشهدان السياسي والأمني؟

في أي تحول تاريخي ثمة موضوعان يتوزعان اهتمام العمل الفني في علاقته بالواقع: ما قبل التغيير وما بعده. بعض الفنانين يجد نفسه ملازما قراءة الماضي بما يمثله من ذاكرة للاستبداد والمعاناة الفردية والجماعية، وآخرون يرون أن الأهم يكمن في محاكاة الواقع الحالي مباشرة باضطراباته وتقلباته، وهما توجهان متكاملان يغنيان مجرى المسرح العراقي عموما.

 تشكل الطائفية عنوانا كبيرا للاصطفاف السياسي، وخلّفت ندوبا عميقة في النسيج الاجتماعي الوطني، فما موقف المسرح العراقي من هذا الوضع؟

بشكل عام، لم يتخلف المسرحيون العراقيون كجزء أصيل من المجتمع يحمل قضاياه ومعاناته عن رفع الصوت ضد الطائفية المقيتة بوصفها سرطانا مفضيا إلى التهلكة. لنتوقف عند مسرحية “روميو وجولييت في بغداد” التي قدمها مناضل داود في إطار مهرجان الدورة 17 لأيام قرطاج المسرحية. لقد حوّل المسرحية الشهيرة إلى حدوتة عراقية، وأعاد صياغة الحكاية العاطفية الشهيرة من منطلق أن الخلاف ليس بسبب الحب لكنه بسبب الطائفية، وتدخل عوامل من خارج المحيط الأسري للعاشقين بهدف إجهاض هذا الارتباط وتعميق خط الكراهية والتنابذ المذهبي، والعمل ككل رسالة ضد الطائفية.

 لكن أمام هيمنة هذه الهواجس المتعلقة بالوضع الأمني والسياسي على فكر صناع المسرح في العراق، ألا يحمل ذلك خطر تلون التجربة العراقية باللون ذاته على الصعيدين الفني والموضوعاتي؟

لا أعتقد ذلك، فالتجارب والاختيارات الفنية شديدة التنوع في الساحة المسرحية، ومع ظهور موجة واسعة من الأعمال التي تناولت مثلا آفة الإرهاب فإن ذلك لا يحمل على القول بنمطية وأحادية المسرح العراقي اليوم. من الطبيعي أن ينجذب الفنان المسرحي إلى التفاعل مع آفة تمس الحياة اليومية والاجتماعية بشكل مباشر، لكن التميز يبقى مطروحا على مستوى الرؤية الفنية وزوايا المعالجة.

 في المراحل السياسية الانتقالية، كثيرا ما تنتشر ظواهر تصفية ما يسمى رموز النظام السابق بما في ذلك الرموز الثقافية والفنية. كيف يمكن إسقاط هذه الظاهرة على المشهدين الثقافي والفني العراقيين؟

لا نستطيع أن نأخذ شعبا كاملا إلى المقصلة. شخصيا، بعد عودتي إلى الوطن اكتشفت أن كثيرين من الزملاء كانوا ينتمون إلى النظام السابق، لكن هذا لا يمكن أن يصبح مدخلا لتصفية عمياء. لنتذكر أن الانتماء إلى الحزب البعثي كان يتم بالترغيب أو الترهيب، بل إن الالتحاق بكلية الفنون الجميلة كان رهينا بحيازة بطاقة الانخراط في الحزب، باستثناء المتورطين في قضايا جنائية يتولاها قضاء عادل، فلا يحق التورط في تصفية حسابات.

 ما أهم الاتجاهات الفنية التي تتوزع عليها تجارب المسرح العراقي حاليا؟
يمكن إجمالها في مسرح جاد ممثل في المسرح الوطني ومسرح تجاري شعبي. للأسف اختفت الفرق الأهلية الخاصة بعد 2003، وهو ما ضيّق خريطة المشهد، لكن هناك نية لتفعيل دور هذه الفرق في المستقبل. من جهة أخرى، ينبغي الإشادة بحيوية شباب يناضلون من أجل تقديم أعمال بتمويل ذاتي ومبادرات خاصة.

 المسرح على ارتباط شديد بهوامش الحرية والديمقراطية، وفي ظل الانتقادات التي توجه إلى النظام السياسي العراقي ككل، ما الوضع في المسرح؟

 المؤكد أنه بعد 2003 دُفن مقص الرقابة، ولا أجامل بالقول إن الفنان العراقي له حرية انتقاد الوضع القائم، إنها حرية يمارسها حتى أبناء فرقة المسرح الوطني (مسرح الدولة)، فهناك أعمال كثيرة توجه سهام النقد ضد الفساد الإداري والرشوة والمحاصصة الطائفية، بل إن مسرحيات تم عرضها في ساحة التحرير خلال المظاهرات العارمة التي عرفتها بغداد، وكانت ذات لهجة تحريضية ضد الفساد ومختلف أشكال الانحرافات في السلطة. لكن في المقابل، لا يمكن إنكار سطوة المحظورات الاجتماعية والدينية التي ما زال يستحضرها الفنان العراقي كرقابة ذاتية.

 عرف المسرح العراقي في محطات كثيرة هجرة العديد من المثقفين، خاصة المسرحيين الذين واصلوا عطاءهم من الخارج. أيّ دور اليوم للمسرحي المغترب في إغناء التجربة المسرحية الوطنية ككل؟

طبعا هي ظاهرة تجسدت في موجات من الهجرات إلى الخارج العربي أو الغربي، بدأت أساسا في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، خاصة في صفوف اليساريين المضطهدين، وأنا منهم، فقد غادرت وطني عام 1978، ثم اكتست حجما كبيرا وسط التسعينيات بسبب ويلات الحصار الاقتصادي الذي ضرب آنذاك على العراق.

“الفنان العراقي له حرية انتقاد الوضع القائم، إنها حرية يمارسها حتى أبناء فرقة المسرح الوطني (مسرح الدولة)”

الملفت اليوم أن أبناء المهاجرين العراقيين باتوا يشكلون أيضا ثقلا ضمن خريطة المسرح العراقي في المهجر. ودليل ذلك أن “فرقة السلام” التي شاركت في الدورة 17 لمهرجان قرطاج جاءت من السويد، وتتكون من ممثلين من الدانمارك والسويد وهولندا، لكن يظل من المبكر القول إنهم يشكلون ظاهرة أو حساسية خاصة في المسرح العراقي.

 بوصفك مسؤولا في إطار نقابة الفنانين العراقيين، ما طبيعة التحديات الرئيسية التي تواجه النهوض بالمجال الفني والمسرحي بالعراق؟

إمكانيات النقابة ضعيفة ماديا، لكننا نمتلك سلطة معنوية، لأن الهياكل انبثقت عن انتخابات شفافة جرت عام 2014 بالمسرح الوطني. لا ننسى أن النقابة تأسست عام 1969 وكانت جزءا من النظام البعثي، لكنها أصبحت اليوم في موقع آخر، وهكذا ينبغي أن تكون صوتا مدافعا عن الفنانين.

أمامنا رهان تعديل القوانين المتجاوزة، ومنها قانون النقابة الذي يعود آخر تعديل له إلى 1973، كما نناضل أيضا من أجل تفعيل قانون تقاعد الفنانين وضمان إطار يسهل علاج المرضى منهم خارج العراق، وقد فتحنا حوارا مع السلطات بشأن هذه المشاريع.

حاوره/ نزار الفراوي-تونس

http://www.aljazeera.net/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد العاشر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *