شكسبير”.. تألق أدبي عالمي شابته شكوك الانتحال

وليام شكسبير مؤلف مسرحي وشاعر بريطاني؛ يعد أشهر كاتب في تاريخ بريطانيا ومن أبرز الكتاب في الثقافة الغربية وفي الأدب العالمي. عُرف بتمكنه من ناصية النثر والشعر معا وجزالة التعبير، وبالقدرة الفائقة على وصف الطبيعة البشرية، وإن كان الغموض لا يزال يلف أصالة بعض نصوصه الأدبية وفتراتٍ من حياته. وقد ترجمت أعماله الأدبية إلى أكثر من ثمانين لغة.

المولد والنشأة

وُلد وليام شكسبير يوم 23 أبريل/نيسان 1564 في مدينة سترات فورد-آبون-آفون وسط إنكلترا لأسرةٍ مختلطة، فوالده قروي كان يعمل في بيع الجلود، وكانت له أنشطة تجارية واسعة استطاع من خلالها التسلل إلى صفوف الطبقة الأرستقراطية بزواجه من ابنة أحد النبلاء.

الدراسة والتكوين

التحق شكسبير مبكرا بالمدرسة الابتدائية في ستراتفورد، ثم دخل ثانوية الملك إدوارد السادس التي كانت من أعرق وأفضل المدارس بمنطقته، إذ كان التلقين فيها شديد الكثافة خاصة في اللغات والأدب اللاتيني والتاريخ والمنطق والبلاغة.

غادر شكسبير مقاعد الدراسة عام 1577 -وهو في سن الثامنة عشرة- لأسباب غير معروفة، فالدراسات التي أجريت عن سيرته لم تستطع كشف انشغالاته والأنشطة التي مارسها في هذه المرحلة إثر مغادرته مسقط رأسه. لكن بعض الروايات تربط هذا الانقطاع المفاجئ برغبة الأسرة في إدماج الفتى اليافع في عالم المال والأعمال ليكون سندا لوالده.

التجربة الأدبية

اشتُهر شكسبير بنصوصه المسرحية التي ناهزت 137 نصا وتُرجمت إلى كثير من لغات العالم، وما زالت تُجسد في مسرحيات بكل أصقاع الأرض، كما اشتهر بقصائده ونصوصه السردية المواكبة لنزعة تلك الحقبة. ومع ذلك، لا تزال فصول من حياة شكسبير غير معروفة وربما كان ذلك هو السبب في غلبة الجانب الأسطوري على تناول سيرته.

فعلى سبيل المثال لا تعرف وثائق تفيد في تحديد مسار شكسبير خلال الفترة بين عاميْ 1580 و1592، ولا تفسر انتقاله من موطنه الأصلي في ستاتفورد إلى العاصمة لندن الذي يعتقد أنه كان في هذه الفترة.

وعزت دراسات تاريخية هذا الفراغ إلى تواري الرجل عن الأنظار وممارسته التعليم ردحا من الزمن في منطقة نائية من بريطانيا. لكن من المؤكد أن شكسبير عمل في مسرح لندن ممثلا ثم كاتبا لفرقة مسرحية في عام 1594، وفي تلك المرحلة تكثف نشاطه الأدبي فكتب أشهر نصوصه المسرحية والشعرية.

وإن يكن اسم شكسبير ارتبط بفن المسرح بسبب الصيت العالمي الذي حققته نصوصه المسرحية التي تُرجمت إلى أكثر من ثمانين لغة، فهو أيضا شاعر مفلق حتى إنه سُمي “شاعر إنكلترا الوطني” وله قصائد تعد بالعشرات.

وفي عام 1611، قرر شكسبير اعتزال النشاط الأدبي والحياة العامة والتفرغ لحياته الخاصة، لكن تقاعده هذا لم يكن هادئا البتة، إذ دخل في صراعٍ قضائي مرير حول بعض الأملاك العقارية.

هجوم على شكسبير واتهامه بالانتحال

ورغم أن شكسبير كتب عشرات المسرحيات والسونيتات (الشعر الغنائي) فإن نسبة هذه الأعمال إليه ظلت محل شك ومثار جدل، منذ العثور على رسالة في أرشيف معاصره الكاتب البريطاني روبرت غرين (1558-1592)، تضمنت هجوما شرسا على شكسبير واتهمته بالسطو على نصوص أدبية للغير. ونُسبت أعماله لكتـّاب أمثال: فرانسيس بيكون وكريستورفر مارلوي، بل وإلى الملكة إليزابيث الأولى.

ففي عام 2005 صدر ببريطانيا كتاب بعنوان “وصية الحقيقة.. إماطة اللثام عن شكسبير الحقيقي”، رأى فيه مؤلفاه الباحثان برندا جيمس ووليام روبينشتاين أن مؤلف أعمال شكسبير رجل يدعى هنري نيفيل، وهو سياسي تيودري (نسبة إلى أسرة تيودر التي حكمت بين 1485 و1603) ودبلوماسي ومالك أراض.

وقال المؤلفان إن الفترة التي عاش فيها نيفيل تناسب بالضبط فترة حياة شكسبير، كما أن أحد الأسباب الرئيسية التي جعلتهما يشككان في نسبة مؤلفات شكسبير إليه هو “افتقاده التعليم وقلة اطلاعه على آداب البلاط”.

وتقول برندا جيمس إنها أمضت سبع سنوات في “تدقيق الأدلة” قبل أن تلجأ -طلبا لمزيد من التمحيص- إلى رأي روبينشتاين الأستاذ في “جامعة ويلز”، الذي اقتنع بما توصلت إليه فقرر مشاركتها في تأليف هذا الكتاب.

غير أن روجر برينغل مدير “مؤسسة شكسبير” يرى في الجدل المثار بشأن علاقة الأخير بالأعمال المنشورة باسمه “محاولة من أنصار نظرية المؤامرة لبيع سلعهم الغريبة”.

وجه شكسبير ومسرحه

وفي عام 2009 كشفت مجموعة تعمل في مجال التراث البريطاني عن لوحة لوجه شكسبير رُسمت في حياته عام 1610 وظلت ملكا لعائلة واحدة على مدار قرون حتى ورثها مقتني التحف إليك كوبي. وقالت إنها اللوحة الوحيدة التي رسمت له أثناء حياته، أما اللوحتان المعروفتان له فقد رُسمتا بعد وفاته.

وفي العام نفسه أيضا أعلن علماء آثار بريطانيون أنهم عثروا على بقايا أول مسرح لشكسبير، وأنه ربما تم تمثيل مسرحية “روميو وجولييت” آنذاك على خشبته.

وفي عام 2016 احتفلت المكتبة البريطانية بالذكرى الأربعمائة لرحيل شكسبير، ونظمت عرضا تحت عنوان “شكسبير في عشرة أعمال”، قدمت خلاله أعماله الأدبية التي جُمعت مباشرة بعد وفاته.

وتضمن العرض النسخة الوحيدة المكتوبة بخط يده لمسرحية لم تعرض قط لأن مقص الرقيب حال دون ذلك. كما نُشرت بهذه المناسبة مجلدات تضم أهم أعماله التي ترجمت إلى أكثر من 80 لغة.

المؤلفات

اشتهرت من أعمال شكسبير نصوصه المسرحية التي تأتي في طليعتها المسرحيات التالية:

– “روميو وجولييت”: كتبها بين عاميْ 1591 و1595، وتدور فصولها في مدينة فيرونا بإيطاليا، وتروي فصول صراع مرير بين أسرتين نافذتين، تنشأ في أتونه علاقة حب صادقة بين الفتى روميو والفتاة جولييت.

– “يوليوس قيصر”: مسرحية كتبها عام 1595، وتروي حياة القيصر الروماني والمؤامرات التي تعرض لها من وسطه الاجتماعي والسياسي، لأسباب تدور في مجملها حول الصراع على الحكم.

– “هاملت”: تراجيديا في منتهى المأساوية كتبها بين عاميْ 1600 و1602، ويُقال إنه استلهمها من موت ولده الوحيد هامنت.

– “عطيل”: تراجيديا يُعتقد أنه كتبها عام 1603، واستوحاها من قصة إيطالية تروي حياة ضابط مغربي سامٍ في جيش “جمهورية البندقية” أحب فتاة تدعى “ديدمونة” فتزوجها، لكنه قتل حبيبته بسبب الغيرة. وتتناول المسرحية بذلك فكرتين رئيسيتين هما: الحب والخيانة.

كتب شكسبير أيضا نصوصا كوميدية إلا أنها لم تنل من الشهرة ما نالته نصوصه التراجيدية، ومنها مسرحيات: “القريبان النبيلان”، و”حكاية الشتاء”، و”العاصفة الليلة الثانية عشرة أو كما تشاء”. وأنتج أيضا عشرات النصوص الشعرية.

الوفاة

توفي وليام شكسبير يوم 23 أبريل/نيسان 1616، في يوم ذكرى ميلاده الثانية والخمسين.

المصدر/ الرسالة نت

محمد سامي / موقع الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *