سعيد حجاج مابين القلق الوجودى ورحلة البحث عن الحرية /دالياهمام

 

المصدر / محمد سامي موقع الخشبة خاص

تقدم الهيئة العربية للمسرح ثلاث مسرحيات من زمننا ” للمؤلف سعيد حجاج،وهى ” الم الوقت،القفص ،نبض التماثيل ” يبدو معنى” العزلة” هو الجامع مابين المسرحيات الثلاث حيث يرزح الجميع تحت نير العزلة مع الحياة فى عموميتا وشموليتها، فالعزلة فى المسرحية الأولى “الم الوقت” تكمن فى كون بطلتى المسرحية تعيشان فى حالة من الوحدة والإنعزال عن العالم وعدم التواصل مع الحياة فقد وصلتا إلى سن جعل كلا منهما تنتظر الموت،
الذى لايأتى بحيث يطول الإنتظار وتصبح الحياة فى حالة من العدمية والدائرية ،وأصعب مافى هذه العدمية أنه لاشئ سوى الثرثرة وألم الوقت ولهذا تتخذ “حكمت ” إحدى البطلتين قرارا بدفع “امينة” البطلة الآخرى لقتلها عبر المحاولات الدؤوبة والمستمرة لحثها على ذلك ،فحكمت تشعر أن نهاية أمينة قد اقتربت ،وهكذا ستحيا فى عزلة أكثر ،هذه المحاولات لدفع الآخر لقتل الذات يفعلها “جيرى”فى مسرحية إدوارد البى “قصة حديقة الحيوان”دافعا بطرس” لقتله “بعد أن أصبح غير قادر على التواصل مع الحياة بأسرها وهى دراما” لا معقول،عبثية “إختر التسمية التى اردت فلن ندخل فى جدال المصطلحات “وإنما الأهم أنها تحاول رسم “صورة شاعرية “وهذا مايفعله سعيد حجاج يرسم صورة شاعرية مليئة بإحساس القلق نحو الوجود، وتنتهى مسرحيته لتكتمل الصورة حيث “تنظر حكمت إلى المطلق متمتمة بكلام غير مفهوم وتعلو الموسيقى “.
أما العزلة فى المسرحية الثانية “القفص”
فتبدو فى ذلك البيت و من خلال الأسرة المتكونة من “الأب والأم والإبن”
حيث يقرر المسئول عزلهم عن الحياة بتلك الأقمشة الملونة التى تغطى بيتهم “وهم بطبيعة الحال نموذج لطبقتهم” حيث تقول الأم”كيف لك أن تتصور أن يرى المسؤولون منظر منزلنا القذر وتتأذى أعيونهم “إذن فقد فرضت عليهم العزلة كى لايراهم المسئول وزائره ،المسرحية تستقى مادتها الدرامية من حدث واقعى حينما زار المحروسة ذلك الزائر الغربى ، وما أشبه هذه العزلة، بعزلة أبطال “جان بول سارتر “فى مسرحيته “جلسة سرية ،لا مفر” فهى عزلة تبدو أبدية أيضا،ففى “القفص” نسيت الأسرة دفئ الشمس وشكلها فهل هى دائرية كحياتهم ام أنها مثلثة كالطبقات الإجتماعية التى هم ادناها ام مستطلية كما تظن الأم،ولكن الأهم فى كل ذلك أنها مغلقة كما حياتهم التى لايتخللها دفئ الشمس ونورها،والمنطق العبثى هو المنطق الحاكم فى مسرحية القفص حيث الأسئلة العبثية والأجوبة كذلك فالأب يسأل
الاب – اين اخوك
الام – انتحر البارحة وترك خطاب
الاب – واين دفنته
الام – فى مقبرة من الارز والطماطم
وهكذا هو العبث حالة غير منطقية ،وفى ظل هذا الجو العبثى لايطلب الإبن سوى مطلب واحد على الدوام فتح النافذة ليستنشق نسيم الحرية ويرى الشمس فيجد أن الحل الوحيد،هو أن يكون كما “المخلص” الوقود الذى يصنع النار التى تشرق منها شمس الحرية فما ان يشع وهج الحريق بإنتحار الإبن ، حتى تفتح النافذة ليرتشف الأب والأم نسيم الحرية ويتأكدا بأن الشمس مستديرة.
وتكمن العزلة فى المسرحية الثالثة “نبض التماثيل”
فى إبتعاد الملك عن شعبه وإنعزاله وسؤاله الدائم عن معنى ” الحرية”فيجيبه الوزير بأنها تمثال ويؤكد الحكيم انه من حجر”وكأن الكاتب يشير إلى تمثال الحرية الشهير، فالمظهر حرية بينما الجوهر شئ آخر “،وهنا يقرر الملك بناء تمثال الحرية ، وأن يمول بناءه بفرض الضرائب على الشعب لتبدوا جلية فكرة التناقض مابين ظاهر الحرية وباطن الإستعباد ،وهكذا لم يدرك الملك ان هذا التمثال قد ينبض بالحرية التى تلهم الشعب بأن يثور، فلا يكفى أن تكون الحرية ظاهرية بينما البطون خاوية فالجوع لا يصنع حرية ،وهنا يصنع الحاجب لعبته بأن يوهم الحاكم عبر الصوت المسجل بهدير الجماهير طالبة الحرية الحقة ،ويضمن الكاتب مقولة” ابو القاسم الشابى” “اذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد ان يستجيب القدر” ليثير الذهن بتذكر الثورات ،وهكذا يرتعب الملك فينزل فى السرداب خوفا من ان تفتك به الجماهير ، تاركا التاج ليرتديه الحاجب ولاتدرك بطانة الملك انه قد تغير تحت التاج ،إن الهام هو التاج نفسه لا من يرتديه، وهنا يحاول الحاجب إرثاء العدل وطرد البطانة الملكية ،فالحاجب من طين كطين الشعب كما قال فى بداية المسرحية.
وأخيرا فإن الكاتب سعيد حجاج يقدم رؤيته الدرامية “عبر مسرحياته القصيرة هذه” فى حالة من التكثيف والبوح الكاشف عن قلق العصر وروح الانسان الدائمة التوتر الباحثة عن الحرية ،وغير القادرة على التواصل مع الآخر ومع الحياة فى ان معا لذلك فقد بدأ عتبته النصية بجملة”3 مسرحيات من زمننا” وقد عبر عن زمننا فعلا، والمسرحيات الثلاث كما حالة مسرحيات العبث تبدأ من نقطة متعسفة وأرضية واقعية لتناقش قضايا حية وحقيقية إنسانية وسياسية وإجتماعية دونما خوف فى إطار من رسم الصورة الشعرية ويكتفى الكاتب بعرض مسرحياته من خلال شخصيات قليلة العدد فى المسرحيات الثلاث .

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *