سرقات أدبية علي عبد النبي الزيدي خلف قضبان زكريا تامر-سارق ام مسروق ؟

د . مسلم بديري

لا تُعَزُوني .. فما عادت تُسليني كؤوس الكلام

سألني أحدهم ذات يوم عن المسرح 

فارتسمت بذهني للفور صورة ذلك الزيدي الاسمر 

ترى ماذا سيرتسم في ذهني لو سألني الآن, بعد الذي  كان ..؟  

بالصدفة تماما كان كل شيء وانا ابحث عن النصوص المسرحية وقعت تحت يدي مسرحية ” عودة الرجل الذي لم يغب” واخذتها وقراتها بنهم شديد فصرت افترس حروفها افتراسا .. وما ان اتممتها حتى استلقيت على ظهري والابتسامة تملا فمي وتعدو فمي لتملا المكان , لقد كان النص ابداع حقيقي “من حيث الفكرة” فقد راقتني الفكرة كثيرا ففيها تجديد حقيقي ينم عن ابداع غير متناهي وبالصدفة ايضا – بعد فترة زمنية-

كنت اقرا مجموعة قصصية لزكريا تامر وهالني ما رايت….

ان فكرة المسرحية جائت صريحة من خلال العنوان مع بعض المخادعة ” وهي فكرة عودة رجل بعد غياب دام سنوات غير قصار الغياب حقيقة يبدو للقارئ من اول وهلة انه الموت ولكن ما تفتح لخيالك المجال حتى تذهب في تفسير هذا الغياب عدة تفسيرات 

المهم ان تجديد الزيدي لم يكن من صنع يديه بل حافر قلمه لم يطأ حافر زكريا تامر فحسب بل التهمه هو وارضه وبقيت في نفسي انفي ذلك الهاجس الذي راودني وأطرده طردا ولكن :

هل اغالط نفسي ؟الحقيقة لا يمكن ان توارى خلف محبتي ل علي عبد النبي الزيدي  الفكرة التي هي روح مسرحية الزيدي لقد اُخذت نفسها بالنص من قصة ” السجن ” ل زكريا تامر المنشورة ضمن مجموعة الرعد الصادرة عن منشورات مكتبة النوري عام 1970

وسنة النشر كانت هي الصادم الاكبر الذي طبع الهاجس الذي الح معلنا السرقة –الاقتباس –لا اعرف ماذا اسميه حقيقة واخذت محبتي ونفسي الامارة بالخير ان افند هذا الهاجس فجريت وراء الجنون ورحت اردد :

نعم لِمَ لا يكون زكريا تامر من سرق الزيدي علي عبد النبي..؟

وضحكت بكل اسناني كيف تُسرق فكرة نص من كاتب كتب مسرحيته او نشرها سنة 2005 في حين قصة زكريا تامر كتبت او نشرت عام 1970

اذن من السارق او المقتبس اوو ..؟

عموما لا اطيل وادخل في الموضوع مباشرةَ

من حيث فكـــــــــــــــــــــــــــرة النـــــــــــــص:

بالنسبة لزكريا تامر فقد كانت :

رجل يعود بعد غياب (اشار تامر الى ان الغياب هو الموت او السجن ) يعود من مقبرته او سجنه تاركا قبره او سجنه  ليقصد منزله حيث يجد زوجته قد تغيرت هو لما يزل كما تركته والشيء المهم هو ترقب وخوف هذا الشخص العائد من الغياب فقد كان ملاحقا من قبل السلطات او الدولة

بالنسبة ل علي عبد النبي الزيدي فقد كانت :

رجل يعود لزوجته التي تركها قبل اعوام غير قصار ليجدها قد تغيرت وهو كما هو ببذلة العرس وتفاصيل شخصيته التي تغير بعضها .. والمهم هو ترقب وخوف هذا الشخص من السلطات او الدولة والظروف المحيطة .. 

بالنسبة للشخــــــصيات :

في نص زكريا تامر ” السجن”:

شخصيتان هما رجل وزوجته ” مصطفى الشامي و لميا 

في نص علي عبد النبي الزيدي :

شخصيتان :  هما العريس والزوجة

بالنسبة للتفاصيل الاخرى والجو العام للنصين :

تتشابه الشخصيات في ما بينها في النصين المناقشين تقريبا في كل شيء وربما استغل الزيدي تشابه الوضع الذي يعيشه البلد بالنسبة لتامر والبلد الذي يعيش فيه الزيدي 

فق

فقد كان الرجل في نص زكريا تامر محبا للموسيقى والمواويل والعشب الاخضر “على حد تعبيره “

وبطل مسرحية الزيدي ايضا يحب الموسيقى والعزف ووو كما جاء صريحا على لسان البطل

“الليلة تشتاق فيها الموسيقى لأصابعي، سأعزف حتى الفجر، أعزف موسيقا بحجم الورود، بحجم لهفتي وحلمي.. ياه، ما أجمله من حلم، حلم ( يتكلم مع أصابعه ) أيتها الأصابع إياك أن تخذلي حلمي،”

وفي جملة اياك ان تخذل حلمي اشارة واضحة الى تأثير الظروف والنهاية بالنسبة للشخصية وهذا  ايضا من ضمن التشابه بين النصين 

“جملة غير انه تعب من بناء البيوت وستغمض عيناه بعد قليل ” الواردة في نص زكريا تامر اسستغلها الزيدي لرسم ملامح بطله فقد استثمر الزيدي جملة ” تعب من بناء البيوت ” لبيان ان البطل وغيبته كانت لاسباب ومسميات تؤمن بها الدولة فذاك تعب من بناء البيوت وهذا افنى عمره بغيابه يبني للدولة بيوتا ثم يجد نفسه مصدوما باللاشيء والضياع

عبارة ” ولولت زوجته لميا وانتحبت طويلا غير انها كفت عن البكاء لما سادت ظلمة الليل”

الواردة في قصة زكريا تامر استغلها الزيدي في رسم صورة الزوجة التي رغم حزنها الطويل على زوجها رفضت مجيئه بعد سنين لتغير حاله كثيرا وعدم التشابه بين الاصلي وبين الذي رسمت الظروف شيئا جديدا من ملامحه

الظروف المرافقة لعودة الرجل متشابهه في النصين فقد رسم زكريا تامر ملامح انتظار الزوجة باضطجاعها وحيدة على السرير العريض والصمت الذي يرافق حنايا ذوائبها

في حين رسم الزيدي ايظا ظروف الانتظار بالاشارة اكثر من مرة الى السرير الخالي والانوثة المهجورة والصمت ايضا 

كيفية العودة واللون الذي يرتديه الشخصان –الرجال- في النصين كان متشابه تماما بما في ذلك من ايحاء ودلالة..:

فيقول تامر : “سارعت نحو الباب وفتحته بحركة سريعة مفعمة بالتوجس واللهفة, فالفت زوجها واقف كشجرة بلا اغصان متلفعا بكفنه الابيض”

في حين يقول الزيدي : ” ينزل ـ ببطء وحذر ـ من على سلّم سطح الدار، يرتدي بذلة زفاف، يتثاءب، يبدو خائفاً، يترقب، يتفحص المكان بشك، تبدو حركة رأسه تشبه إلى حد ما حركة رأس الدجاجة..”””

وعبارة “شجرة بلا اغصان المذكورة” انفا على لسان زكريا تامر لم تفت الزيدي فقد استغلها في المشهد الاتي من مسرحيته :

” ….. ومع تخلصها تأتي ذراعاه الاصطناعيتان بيديها، تتفاجأ بهما، تصرخ برعب صرخة قوية، وعندما يرى العريس أنه أصبح بلا ذراعين يصيح صيحة مدوية ويهرب بخجل صاعداً سلم السطح…)

دخول البطل وخوفه وتاكيده على اغلاق الباب جاء متشابه في اماكن عده ..

وكما اشرنا الى قول البطل في مسرحية الزيدي ايتها الاصابع لا تخذليني تشابه كبير مع زكريا تامر في رسم تاثير الحرب والظروف الخارجية التي اثرت على البطلين 

فيقول تامر : ” مصطفى يلتصق بها ويقول بلهجة مداعبة : دفئيني , صوت مصطفى يتبدل يفقد مرحه ويتحول الى صوت اجوف مذعور متذمر”

اما الزيدي فيقول :

” 

العريس: (يقف أمام آلة البيانو، يضع أصابعه، يعزف.. يحيلنا عزفه مباشرة إلى موسيقى جنائزية أو ما شاكل ذلك، يتوقف، يترك الآلة مذعوراً) لا أتذكر، لا أتذكر، لا أتذكر، أبعديها عني.) “

وظروف خوف البطل الرجل من الذين يطاردوه فقد رسمها زكريا تامر :

” وجدت نفسها تهرع نحو الباب وتفتحه بتردد فاذا بشرطيين يرتديان ثيابا بيضا فبادر احدهما يقول لها : اين زوجك مصطفى الشامي؟ لماذا سمحتي له بالنوم والعودة ؟ “

اما الزيدي فيقول :

“” المرأة:  

ومن هؤلاء الذين طاردوك؟ 

العريس:  ماذا أصابك؟ ألا تعرفين من هؤلاء ولِمَ يطاردونني؟ “

وفي مقام اخر يقول تامر واصفا بطله :

وانزلاه عن السرير وحملاه كقطعة من الخشب وغادرا المنزل بينما كان بكاء مصطفى يشتد ويتصاعد عبر سكينة الليل وولولة لا نهاية لها “

اما الزيدي فقد اخذ المقال وسخره في مواضع عدة

” (يقف أمام آلة البيانو، يحاول أن يحرك أصابعه، لكنه يفشل، يكرر المحاولة.. لا فائدة) أشعر أن أصابعي، أصابعي… (يتفحص أصابعه).

العريس: أشعر أنها ليست بأصابعي.

 

وغيرها مواضع كثيرة اخذ الزيدي منها ما استطاع ليصنع بها مسرحيته التي يباهي بها كل من يباهى والتي رسمت الجو العام والمصيري للشخصيات ولكن كلمة الحق تقال لقد غير الزيدي شيئا من دور الزوجة

والان ايها القارئ السعيد كما يقول الزيدي

هل تستطيع ان تميز السارق ؟

ولنا وقفات اخرى

المصـــــــــــــادر :

– الرعد مجموعة قصصية لزكريا تامر عن مكتبة النوري دمشق ط1 1970 صفحة 1-11

– بلغني ايها القارئ السعيد مجموعة مسرحية لعلي عبد النبي الزيدي منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق – 2005

————————————————————

المصدر :مجلة الفنون المسرحية – كتابات في المبزان

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *