رهين الأسوار… بين تجربة الديودرام ، والبحث عن الذات

منـــاضــل التميمي

على هامش المهرجان الدولي للأبداع العربي للشعر في القيروان التونسية بدورته الثانية ، أتحفنا المخرج المسرحي القيرواني المبدع صدوق صدام بعرضه المسرحي النخبوي ( رهين الأسوار) بتجربته الجديدة التي أسماها ب(الديودرام) وهي تجربة فريدة ومتفردة تنتمي لأروقة المسرح المونودرامي العراقي حسب ماأدلى به لنا قبل بداية العرض ،فكان عرضاً يسردُ قصة شاب غائص بالوعي والقراءات ويتعرضُ للأنتهاك والقمع والتعذيب خلال أحداث الثورة التونسية ، ويحتدم بجملٍ من أسئلة الضياع والجنون العقلي والدهشة ، وفي بقعة ضوء أخرى نشاهد أمه التي أصابها العمى والضرر والحسرة وهي تقاسم أبنها تلك الأوجاع جراء البحث المضني عن ولدها الضائع في النار والحديد ،

فالعرض المسرحي كان بلا شك ظاهرة تستوقف بالدقة الدارين والمختصين في المسرح ، فضلاً عن المتلقين النخبة من المثقفين والأدباء والاعلاميين ، والأهم في الفرجة كان في تقنيات الممثل عبد الجليل طالبي في شخصية الشاب عبد الكريم الذي شغل مساحات شاسعة من النص المؤدى ، حوارياً ، وحسياً ، وحركياً على صحراء الخشبة بغض النظر عن الأستعانة بالتقنيات الأخرى، وهنا لابد أن نثني بنجاح هذة التجربة بأجتهادات مخرج المسرحية الفنان صدوق صدام الذي أضفى لنجاح العرض لمسات تجربته الديودرامية وكحلها بنكهات وجماليات ومنولوجات درامية أستقاها من تعاريف ومصطلحات وخيال خصب ورصين بخلطة ألوان فردية مميزة أتاحت لهُ الهروب من الأشكال والقوالب المستهلكة والمتنوعة لمسرح المونودراما ليستقر بمعطف أنجازه وأبتكاره المشذب الرشيق طامحاً في تخليص عرضه المثابر من قواعد الدراما التقليدية دون الأخلال بثوابت الشكل العام لمسرح المونودراما ،هذا بالأضافة الى أن العرض المسرحي في (رهين الاسوار) مرانا على مشاهدة وفرجة الكثير من اللوحات التشكيلية المكثفة ، أي بمعنى أن العرض كان متخماً بالصور وبكل عناصر النص المسرحي والتقنيات الأخراجية المتكاملة ، حتى حدت بنا الفرجة لدرجة التركيز العالية بالوصول الى المعنى الترميزي ، فكان العرض عبارة عن بوستر سياسي حقق فيه ماأراد أن يقولهُ بمنتهى الدقة والأبداع ، ومثل تلك العروض المسرحية الحديثة تحتاج أكثر من وقفة كونها عروضاً خرجت عن المألوف السائد المتراكم، كعروض نصوص الممثل الواحد، ولعل المنطق العام ، والدراية بجماليات العرض المسرحي يدعونا للتقصي عن هذا التوجه خاصةً وأن التحولات الفكرية والفلسفية والنفسية في المجتمعات العربية التي احتدمت بما يسمى (بربيع الثورات الاخيرة) أتاح للكثير من الكتاب والمخرجين وحتى الممثليين أن يغوصوا بعيداً عن الموضوعات المتكررة ، وأن يجتهدوا بأبتكار وصناعة بدائل تعصف وتتخطى حتى المسارح المحترفة في أسباغ تعاريف وتجارب وخلق بنى مسرحية جديدة ، وتقديم الواناً وتعابيراً تفضي بالساكن الى ماهو متحرك ومجدي ويبتعد عن العروض السابقة بأجمل وكثير في الجودة اللغوية والأفعال الادائية ، كتشكل أدبي ،ودرامي مسرحي جديد ، ليتخذ المسرح شكلاً أخراً بعيداً عن الشكل التقليدي كما ذكرنا أنفاً ، وهذا ماكنا نطمحُ اليه

في عرض مسرحية (رهين الأسوار) المتنامي في السرد ، والصراع ،والأداء ، والحبكة ، والتجربة ، وبقي أن أقول يحتاج هذا التوجه الى ورشٍ وتطبيقاتٍ عملية لدعم تجاربه ، وفي كتابة نصوصاً خاصة (بالديودرام)، ومن ثم التنفيذ والأعلان عنه أعلامياً وترسيخه وتطبيقه ليؤسس مساراً جمالياً وأبداعياً خاصاً .

——————————————————

المصدر : مجلة الفنون المسرحية 

 

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *