رقصة الموت.. معالجة بريطانية علي مسرح سويدي جهنم الصغري تفتح الستار علي مسرح العلبة : عصمان فارس

نشر : محمد سامي موقع الخشبة

مسرحية رقصة الموت للكاتب السويدي اوجست سترند برغ تعرض بنجاح باهر ومعالجة إخراجية معاصرة، مبنية علي قيم فنية وجمالية خلابة ومبهرة من ناحية التمثيل والسينوغراف والرؤية الاخراجية الفذة والمبهرة، وابداعات المخرج البريطاني ‘جون كيرد’.
وللمخرج تجارب اخراجية عديدة في السويد، سينوغراف ـ بيني كيرتس ـ تمثيل ستينا اكبلاد، اوريان رامبري، بيورن كرانات، سوفيا بكري، اريك ماكنسون، كونيلا لندبلوم، يوهنا سكوبي وتعرض علي المسرح الكبير دراماتن المسرح الملكي في ستوكهولم كتب اوجست سترند بري مسرحية رقصة الموت سنة 1901.
وقد يطلق بعض النقاد والباحثين علي هذه المسرحية تسمية “جهنم الصغري” لأنها مبارزة بين طرفين حتي لحظات الموت، صراع ومبارزة مابين الزوج وزوجته وفي هذه المبارزة يصب كل واحد علي الآخرعذابآ من السباب المرير الى أن يموت الزوج في رقصته الاخيرة بالسكتة القلبية. والمسرحية واحدة من أم أعمال أوجست سترندبري، تضاء بعبقرية وبطريقة المؤلف ولغته الرصينة وما تحويه من جمالية وقوة متوهجة. وتتجلي ملامح وخصوصية سحر اللغة الخلابة مابين البعد عن الحقيقة والواقع وصدق الحياة الغامر والطاغي، فالمسرحية صورت وعكست خفايا البيت والاسرة بشكل رائع فهي عبارة عن وشيجة خلقت حالة التوازن مابين الزوج والزوجة وما يسود بينهما من تناقض وكراهية متبادلة. حاول المخرج ازالة البناء التقليدي لشكل المسرح ،إزالة الستارة من مسرح العلبة واستخدام باب القلعة يرفع الي الاعلي بتقنية عالية ومن ثم ظهور البيت وفي الخلف في عمق المسرح هبوط جدارالقلعة لتشكل بعد هندسي مدروس بشكل تقني وفني ذات أبعاد جمالبة وألوان توحي للمتلقي انه يشاهد اماكن مختلفة في ان واحد من حيث الاحداث متزامنة بطريقة بناء النص المسرحي والدراماتورج والحداثة في المسرح الاوروبي.
رغم حالة السرد في النص المسرحي لكن المخرج ستطاع ابعاد شبح الملل لدي المتلقي في الاعتماد علي قدرة وامكانيات الممثلة ستينا إكبلاد والممثل اوريان رام بري بدور الزوج والمثل بيورن كرانات، واشرك المخرج صوفيا بكاري ممثلة شابة شغلت حيز كبير من اهتمام الصحافة السويدية بقدرتها وامكانيتها الرائعة في التمثيل في السينما والمسلسلات التلفزيونية رغم انها التجربة الاولي لها مع نجوم المسرح الملكي في ستوكهولم، كانت الممثلة سوفيا بكاري جميلة في حركاتها وأدائها الصادق البعيد عن المبالغة والتشنج،وسبق للممثلة سوفيا أن أدت دور اوفيليا في مسرحية هاملت في مدينة غوتنبرغ ولها عدة أدوار في التلفزيون السويدي ويقابلها في التمثيل الشاب كريستوفر سفنسون وكان أدائه منسجمآ ومتناغمآ في الايقاع مع سوفيا في قصة حب شبابية مليئة بالحركة والحيوية. ثلاث ساعات ونصف مع استراحة واحدة لن نشعر بالملل بسبب تجسيد الادوار الرائعة من قبل الممثلين وكذلك المعالجة الدراماتيكية للنص إخراجيآ والسينوغراف الفني الحديث.

التنويعات العجيبة
هذا هو مسرح اوجست سترندبري المليئ بالتنويعات المهمة والعجيبة من الاشكال والاساليب المختلفة لتحديد معالم المنظر من ناحية والتركيزعلي الصراع الروحي الداخلي وعلي العلاقة الوجدانية مابين الشخصيات ،علي سبيل المثال في هذه المسرح ية ‘رقصة الموت’ ومسرحيات هنريك ابسن هناك خصوصية الحب الممنع و تابوا الحب , اصدقاء إثنين يحبون فتاة واحدة كما في مسرحية ييت الدمية .ومسرحيات سترندبري تعكس الحالة النفسية والذاتية لشخصية المؤلف في علاقاته الخاصة با لمرأة واحيانآ يصفها سلبية وجوانب اخري ايجابية وسرية في حياتها.
ويقدم سترندبري في مسرحية رقصة الموت هذه النظرة التي تتشح بالفضاعة واللامنطقية يتضح السخط والاشمئزاز اللذين نجدهما ماثلين فيها. إن المعاناة معروفة ونجد إحتجاجآ قويآ علي ماهو مستحيل ودائم . يعتبر الكاتب السويدي اوجست سترندبري متفوق في طريقة كشف ورسم شخصياته وكشف دواخلها بطريقة علم النفس الديناميكي في كل أعماله، فهو مبدع بطريقة تكنيكية الخالصة في بناء النص الدرامي ،والوصف التفصيلي المقنع للعلاقات المدمرة فعليآ مابين الجنسين، وللتأكيد على ألعدائية والشعور بالذنب في العلاقة مابين الكونت إدجار وزوجته أليسا وتدخل الدكتور كورت لمعالجة واصلاح الامور وحل كافة المشاكل والخلافات العائلية مابين الطرفين ولكن دون جدوي، تتعقد العلاقات وتتشابك وتصبح أكثر سلبيآ،ولكننا نتعرف من خلال الالم الناتج علي الوهم كأنه الحقيقة ا لكبري،الكل يشعر غريب في بيته وغير مرغوب به حقآ ،لا أحد ينتمي روحيآ ونفسيآ لهذاالطرف أو ذاك وهذاالشعور يتجه بالشخصيات نحو الموت وإلغاء الحب مابين الطرفين الزوج وزوجته. كل العلاقات المدمرة في مسرحيات اوجست سترندبري هي نمودج من القدر وهلوسته وهو القائل ـ ‘أستطيع الكتابة بشكل أفضل عندما أعيش حالة الهذبان والهلوسة’ ـ وهذه المعتقدات والافكار والاحلام خارجة عن طاقة الانسان، والحياة هي القدر وهذا النمودج الاساسي في شكل الاسرة التي تدمر نفسها بشكل فطري.وقد وجه اوجست سترند بري جل نشاطه الابداعي الدرامي في المعركة الازلية والابدية الناشبة بين قلوب الجنسين من رجال ونساء حبآ وكرهآ، ويستند القارئ لمنهج واسلوب اوجست سترندبري نقل المذهب الطبيعي في المسرح من أكثر من مسرحية من مسرحياته من بيئة الطبقات الفقيرة الي بيئة الطبقات الوسطي ذات الغني والوفرة ,وبصور وفق المذهب الطبيعي الانفعالات السفلي والعواطف الدنيئة التي تسيطر علي سلوكيات وشخصيات هذه الطبقة من الناس وتنحط بهم الي ماهو أشقى مما تشقي منه الطبقة الدنيا.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *