دروس في النقد الحلقة الثالثة : النقد التفكيكي العنوان : أثر الجيو – عتمة وانتشاره مسرحية ستربتيز انموذجا/د.جبار صبري

تقدمة واصفة
المشهد الاول فقط :المسرح إظلام . الفضاء مسكون بالفراغ . بقع ضوئية تكشف أربعة أبناء وجوههم الى أفق الخشبة المعتم ، ظهورهم الى المشاهدين . يلوّحون بايديهم الى مخلص ما . عندما تتلاشى إشارة خلاصهم يتنافرون

الجيو – عتمة

يضعنا العرض المسرحي ستربتيز في سلسلة من مواضع لا قرار لها في إمكان التوقف عند عتبة الشكل او عند عتبة المعنى اذ طالما يندلق في أبصارنا نزيف الشكل طالما يندلق ايضا ماء التخصيب لإيجاد معنى لا يراهن عليه في إيقاف ذلك النزيف وَمِمَّا يتجلى من هذا التدفق اندلاقا هو استمرار لعبة التخصيب كمحاولة منا لبلوغ معنى محدد من جهة واستمرار تأجيل ذلك المعنى لما استنزفه أثر ذلك الشكل الذي ما ان نراه حتى يحرض فينا سؤال ما بعده او ما يضمره من معنى ما من جهة ثانية .
ان بدء ذلك الشكل يتمظهر علينا بوصفه كتابة العرض التي تمايز داخلها اولا من حيث :
١- دال الظلام
٢- دال البقع الضوئية
٣- دال الممثلين
٤- دال المؤثر الصوتي
اننا اذ نميز اولا دال الظلام فان ذلك التميز يشير الى :
١- القلق
٢- الخوف
٣- التوتر
٤- التشوق الى ما بعده
كذلك ان ما يشيره الأثر الناجم عن البقع الضوئية يمكن ملاحظته عند استدعاء مدلوله من خلال :
١- الكشف الملحوظ بدءً يؤدي الى جرّ المتلقي الى سدّ شغفه بمتابعة عتبة المشهد الاول .
٢- انكشاف العالم مثلما انكشاف السر يتم تدريجيا
٣- صورة الواقع المعيش متباينة : كثير من الظلام ينزاح عنه قليل من الضياء
٤- محاولة لإزاحة الظلام الجيو – مسرحي نحو الظلام الجيو – نفسي . هذا ايضا ترك مشاهدتنا للممثلين تتطلع الى احصاء المعنى من حيث تتبع اثر ما انكشف من أولئك الممثلين بوصفهم أجسادا ترنو الى بلوغ معنى معين يمكن للمَشاهِد ان يستدل عليه مما :
أ – الحد الأفقي لمنظورهم هو حد مجهول الملامح والمصير طالما كان حدا غارقا في مستنقع الظلام المعتمد كفضاء يتمثل سينوغرافيا المشهد المسرحي .
ب – التوسل بالخلاص هو توسل الهروب من الذات ، الوطن ، الأيديولوجيا ، الهوية على اعتبار ان ما يطفح حولهم من ظلام يطفح في داخلهم مثلما في خارجهم وليس لهم من مواجهة الا النفور عما يجري من ظلام وطني – ذاتي .
ت – الأنا محتاجة بوصفها الجسد – الذات – الهوية الى اخر لينقذها مما هي فيه وَمِمَّا يحيطها .
ث – التراصف المنظور للممثلين ينبئ عن تكرار دوال الممثلين / الابناء الذين بإحرازهم هذا يؤكدون ذات النسق الجاري عليهم والذي مفاده ان جميع الابناء عبارة عن سلسلة من أفراد في مجتمع لا يشكل ذلك المجتمع المتعدد الا صورة واحدة تنعكس في فرد واحد ممسوخ الملامح ومجهول الذات والهوية .
د – ان اثر اجسادهم المتعرية ازاء ايديولوجيا لا وجه لها الا مسخ الذات هو ذلك الأثر الذي يستدعي عموم النسق الحاضن للابناء في دائرة الصراع – الاستبداد – الخضوع – القهر .
من هنا نلحظ ان النسق قد شكل من دائرة علاقات ترمي الى رصد معانٍ مؤجلة يمكن استدعاؤها عن طريق :
١- اختلاف دال الظلام مع دال البقع الضوئية
٢- اختلاف دال الظلام مع دال الممثلين
٣- اختلاف دال البقع الضوئية مع دال الممثلين
وعبر هذا الاختلاف الذي يوفر لنا استدعاء المعنى الرابض هناك في لحظة تأجيله المستمر نبين مدلولات تلك الدوال على نحو :
١- ان الظلام بقدر ظهوره يعاني من حاجته الى تلك البقع الضوئية التي يبحث من خلالها وجوده او معناه هند المشاهدين وان هذا المعنى سوف يتأرجح في :
أ – الضياع
ب – الامل
ت – الحضور
ث – الغياب
٢- الجيو – عتمة تعد شكلا من أشكال الجيو – وطن وان انكشاف او حضور الممثلين بأجسادهم إنما هو ذلك الحضور الذي يمنح الجيو – عتمة القدرة على إحالتها الى الجيو – دال : ذلك الجسد الذي من خرائطه الحاضرة توافر الفعل بالهروب منها والبحث عن مخلص آخر يساعد تلك الاجساد بتحقيق ذواتها عن تحقيق رفع المسخ عن دوالها .
٣- ان ظهور اجساد الممثلين هو محاولة للتصريح بــ :
أ – أثر حضورهم الجزئي ينبئ بمعتقلهم داخل النظام الشمولي المظلم
ب – اثر حضورهم الجزئي يؤكد وجود مجتمع غارق في راديكالية السلوك الجمعي الذي لا يميز بين احد من هؤلاء الابناء بقدر ما يساوي في نسبة أثرهم المتكرر وحسب .
ت – كل ضوء او انكشاف هو مرآة تعكس وجه النفس التي تعاني غربة واغتراب حاملها : ذلك الجسد الممروض بأثره .
ان الامر الذي جعل معنى الخلاص عبر الجسد ، الإشارة هو معنى يتناسل الى سلسلة لا تحصى من المعاني في لحظة من الانتشار والتشتت تناسب مع ذلك النفير المتقاطع مع حركة الاجساد والتي بلغ حد خلافها حد تخالفها الدموي في نفسها وعلى نفسها ومع مجتمعها وصولا الى مدار الدولة الذي انغلق على تلك التقاطعات المتخالفة التي تؤدي ابدا الى فورة من الضياع والجهل والانتقام تحت يافطة واسعة من أدلجة القهر والاستلاب.

محمد سامي/ موقع الخشبة

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *