حين رايتك لصالح الفالحي في قاعة الفن الرابع حين تثور الأجساد على الركح… يصبح الممنوع مباحا/ بقلم مفيدة خليل

المصدر/ المغرب/ محمد سامي موقع الخشبة

هل سبق أن تعاملت مع جسد من تحب ككيان مستقل يستحق البحث والدراسة والتحليل بعيدا عن «نداء الطبيعة» و «الواجب الزوجي» و «الشبقية»؟ هل «قبّلت» من تحب لانك تحبه ام فقط اكتفيت بنداء الجسد؟ ان سُئِلت يوما في احد البحوث هذه الاسئلة؟ ربما ستكون الاجابة «لا»

ولكن صالح الفالحي اجاب الجمهور «بنعم» وقدم عملا متحررا من كل التابوهات على الركح ، عمل تساءل فيه عن الجسد وكيف يكون وعاء سياسيا.عن الجسد وحكاياته، عن لغة الجسد الصامتة التي لا نأبه لتفاصيلها، عن نداءات الجسد الملحة للحياة ورغبته في التحرر من عقدة العيب والحرام و «السترة» ، عن الحب المحرم والعلاقات الجنسية وتابوهات الجسد تحدثت الاجساد في مسرحية «حين رأيتك» لصالح الفالحي ،عمل متحرر من كل ربقة القيود المسلطة على الجسد، قدمه كل من بسمة العشي و بشير الغرياني ورحمة فالح و ايمن السليطي و رامي زعتور و طلال ايوب ونضال السهيلي وبسمة البعزاوي و هبة الطرابلسي.

في مصالحة بين الأنا والجسد تضيع اغلب العلاقات
جميل ان نتمرد على الموجود، جميل ان نصنع الاختلاف، جميل ان نحب ونتعامل مع الجسد ككتاب مفتوح كلما قرأت صفحة إلا وزاد معه التشويق جميل ان يكون الجسد حرّا غير مكبل بفكرة العادات والتقاليد جميل ان نتعامل مع اجسادنا ككيان مستقل له مطالبه الحسية بعيدا عن نداءات الطبيعة، جميل ان تعشق جسد من تحب دون الغوص في مطبات الممنوع و العيب وبعيدا عن اقاويل المجتمع ونظرة دونية للجسد.
هكذا رأى صالح الفالحي الجسد وقدمه مجموعة من الممثلين على الركح، في مشاهد بعضها حميمي وبعضها الاخر متوتر كأغلب العلاقات العاطفية والجسدية.
جلسا على الركح، عاشق ومعشوقته يتحدثان عن الجسد والسلطة التي تمنع جسديهما من العيش والتحرر، عن الحب والبطالة والجنس تحدثا ثم غابا في مشهد قبلات كتلك التي نشاهدها في افلام الابيض والأسود كما قالت احدى المشاهدات، على الركح تركا مفهوم «العقل» جانبا وتحدثا عن الجسد فقط.

مشهد حميمي سلط الضوء عن الجسد والجنس، مشهد حلل فيه صالح الفالحي مع الممثلين مجموعة من الاراء والمسلمات التي نعيش بها في المجتمعات العربية خاصة، مشهد تحدثت فيه الاجساد الصامتة عن الفرق بين «الجسم» وهو ذاك الذي يشغل حيزا فضائيا اي له طول وعرض وارتفاع و«البدن» اي الجسم الذي لا روح فيه و «الجسد» وهو البدن الذي به روح و تحبل سلوكياته بكثير من المعاني والدلالات كما جاء في فلسفة ميشال فوكو.
لساعة ونيف استمتع جمهور قاعة الفن الرابع بلحظات مصالحة بين «الانا» و «الجسد» مصالحة بين العقل و الجسد، فعلى الركح وفي مشاهد كثيرة شاهد المتفرج ان الجسد هو مرجع اصلي لكل القيم، فبالجسد نحب وبالجسد نعبر عن الفرحة حسين نرقص و بالجسد نعبر عن الرفض، ليكون الجسد عنوان انخراط في الحياة كما يقول سبينوزا او هو الحياة نفسها بكل مظاهرها وتجلياتها.

الجامعة…الحب…العلاقات الجنسية…وسياسة الدولة؟
المسرحية مسرحيات، وفضاء العرض فضاءات، فأساس الحكاية هو بحث جامعي يطلبه استاذ مختص من طلبة ماجستير علم اجتماع بخصوص « العلاقات العاطفية والجنسية» ومن علاقته المتصدعة بزوجته الصحفية تنطلق حكاية البحث، ثم يقدم الطلبة شاهاداتهم واعترافاتهم امام الكاميرا عن العلاقات العاطفية التي عاشوها بين اسوار الجامعة.

في البحث والحديث يكتشف المتفرج الخوف الشديد الذي تحمله الفتاة عادة تجاه جسدها وتجاه جسد الرجل، الخوف الذي يكبر معها، خوف عنوانه «غشاء البكارة، والحب عيب» ، خوف يجعلها تائهة تخاف ان تقترب ممن تحب وتحاول قمع جسدها بكل السبل ، قمع عنوانه الالغاء اي الغاء حضور الجسد في العلاقة العاطفية والإقصاء بمعنى اقصاء الجنس من العلاقة والإسكات بما معناه اسكات نداء الجسد امام صوت الذهن، كما جاء حديث بين الاستاذ المشرف واحد الطلبة في مسرحية «حين رأيتك»، قمع وصفه ميشال فوكو بإعدام ما يجب اعدامه في اطار «التحريم والتغييب والقمع».

الخوف من الجسد ليس حكرا على المرأة فالرجل ايضا يخاف الجسد ويخاف العلاقات الجنسية بسبب «المادة» ففي «حين رايتك» تقول بعض الشهادات ان «الجنس» عند الرجل مجرد رغبة لا غير، رغبة يقتلها داخلها ويقمعها ويحاول تغييبها لانه «ما يخدمش والحب موش للبطال».

بعيدا عن الجسد والعلاقة معه كحرية شخصية يكون الجسد وعاء سياسيا ايضا، فالأجساد تثور والأجساد قادرة على التعبير وان خنقت العبارات وكثيرة هي الاجساد التي كانت حاملة لرسالة سياسية ويصبح الجسد ناشطا سياسيا حين يتعلق بالانجاب و الحد من نسبة الولادات وتقنين أطر الزواج، ويصبح الجسد اقتصادا حين يتعلق بالدخل الفردي فجسد 400 دينار لا يمكن ان يتزوج جسد 1500دينار، إلا في حالات نادرة، وجسد 850 دينار رجل، يمكنه الزواج بجسد انثوي 800 دينار لان الكفة تكون متوازنة» كما جاء في المسرحية.
في المسرح الوطني قدم صالح فالحي مسرحيته التي ترك فيها للجسد الحرية ليحب ويصرخ انه كيان مستقل يريد ان يعيش لا ان يخضع لسيطرة الدين والعقيدة والعدادات والتقاليد، مسرحية جريئة الطرح والتقديم قدمها مجموعة من الممثلين من مدرسة الممثل دون أقنعة أو زينة، عمل غابت عنه كل وسائل الزينة والتلطيف في المشاهد والعبارات.

المسرح الوطني يتعرض لهجمة بسبب «قبلة» و«اقتباسا لآية قرأنية»
انطفأت شعلة الهجمة التي تعرض لها المسرح الوطني بعد اتهامه من احدى نواب البرلمان الكويتي انه يقدم أعمالا خادشة للحياء قاصدا مسرحية «برج الوصيف» ولكن يبدو أن الهجمة عادت بأكثر شراسة بعد عملي «حين رأيتك» لصالح الفالحي و«الهاكم التكاثر» لنجيب خلف الله.

أول اتهام «أخلاقي» وثاني اتهام «ديني»..!
بالنسبة للعمل الاول «حين رأيتك» اتهم بافساد الشباب ونشر الرذيلة، والعديد من صفحات التواصل الاجتماعي تشن هجمة على المسرحية بسبب «قبلة» على معلقة المسرحية، قبلة ثارت لها حفيظة المدافعين عن الاخلاق الحميدة واعتبروها تشويها للهوية الاسلامية لتونس وناشدوا «الغيورين عن الابداع الحقيقي» الدفاع عن هوية تونس؟ فهل يتعارض الفن والابداع مع «صورة لقبلة؟»، وهل «تلك القبلة» بين ممثلين على الركح، تشين الحركة الابداعية وتمس من «عواطف الغيورين على الوطن» إلى حد تمزيق معلقات المسرحية في شوارع الباساج وشارع باريس وشارع الحبيب ثامر؟ ذاك الذي أثارته القبلة؟ لماذا لم تثر الاقدام الحافية حميته؟ لماذا لم يستهجن الاحكام الصادرة ضد شباب شارك في حركات احتجاجية فحكم بـ 15 عاما سجنا؟ لم صمت أمام اطفال ينامون في الشارع؟ فهل القبلة اشد عنفا من دموع طفل جائع حافي القدمين؟.

أما العمل الثاني فالهجمة عليه أشد وقعا..، لأنها مغلّفة بطابع ديني والسبب «نرفض أن يقتبس مقطع من آية قرآنية في مسرحية» كما قال رضا الجوادي إمام جامع اللخمي بصفاقس سابقا، رأي شاركه فيه الكثيرون ونادوا القضاء النزيه، والدولة المسلمة والشعب الغيور للتدخل.

«الهاكم التكاثر، حتى زرتم المقابر» جملة كتبها الملحق الصحفي للمسرح الوطني وبسببها يتعرض الى هجمة كبيرة ناعتين اياه بالكفر والزندقة؟ فهل ستتواصل الحملة على انتاجات المسرح الوطني الجديدة؟ ولماذا كل هذا العنف في ردود الافعال وهم لم يشاهدوا العملين حتى؟.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *