جديد الصواري على خشبة مسرح الصالة الثقافية .. خلفان في عرض بلا حواجز / بقلم : يوسف الحمدان

نشر / محمد سامي موقع الخشبة

على خشبة مسرح الصالة الثقافية كان لنا موعدا رمضانيا مع مسرحية ( الحاجز ) لمؤلفها ومخرجها ومصمم سينوغرافيتها الفنان القدير إبراهيم خلفان ، أحد أهم المخرجين بمسرح الصواري ، وصاحب العروض المسرحية المغايرة فيه وفي المسرح البحريني .
وكان من المنتظر أن نكون على موعد أيضا مع تجربة مسرحية تقترح رؤية جديدة ومشاكسة تضيف إلى ما قبلها من عروض أخرجها خلفان روحا جديرة بالتأمل وتتملك إمكانات واسعة ومركبة للتأويل والتحليل والتفكيك ، ومستفزة لمخيلة إنتاج قراءتها برؤى وأشكال متعددة تبعث في العرض روحا حيوية يتخلق العرض معها باستمرار .
ولكن للأسف الشديد ، فإن ما شاهدته في هذا العرض لا يمت بكل ما توقعت حدوثه فيه بأية صلة ، فالعرض أشبه بمشهدية ارتجالية مرتبكة ومقتطعة عنوة من تجربته المسرحية الأهم التي قدمها قبل عامين على نفس الخشبة تحت عنوان ( رجل وامرأة ) لمؤلفها الكاتب العراقي علي الزبيدي وبالممثلين أنفسهم إضافة إلى ممثلين آخرين من بينهم الفنان عبدالله السعداوي والتي سآتي على قراءتها في سانحة أخرى .
كان العرض مكشوفا ومفضوحة أحداثه وبلا ( حاجز ) منذ الوهلة الأولى ، وما ( الكبينتين ) المفتوحتين على المسرح إلا مجرد ديكور جامد لا روح فيه ولا يمت للسينوغرافيا بأية صلة ، هو مجرد موقع ميت خارج إطار الفعل للشخصيتين المبهمتين اللتين أداهما الفنان عمر السعيدي والفنانة نجمة بوعلاي ، كما أن الإضاءة المستخدمة في العرض لا تتجاوز حدود الهندسة النمطية المحدودة للمكان .
يتكيء العرض على شخصيتين متورطتين في ( طبيعة ) علاقتهما مع بعضهما البعض ، فلا نعرف إن كانتا حبيبين أو زوجين أو صديقين أو ندين أو عدوين ، ولا نعرف مدى تأثير قبول أو رفض كل منهما للآخر ، ولم نتمكن من استيعاب اختلاق هذه العزلة بين الغرفتين ( الكبينتين ) إذا كانا في نهاية الأمر بغير حاجة إليهما ، خاصة وأن العرض لا يقتضي وجود مثل هذه السيوغرافيا إذا كانت العزلة أوالحاجز في فحواهما دلالتان ذات اتصال بالذات بالدرجة الأولى وليس بما يكملها من مادة خارجية تبطل مفعولها الفعلي في العرض .
الحوار في العرض بين الشخصيتين أشبه بهلوسة مفتعلة ، لا تتنامى ولا تؤسس لفعل مسرحي تستوقفنا تفاصيله ودقائقه ، ويغلب عليه أحيانا الطابع المسخي الساتيري الكاريكاتوري المستمد من التكوين الأدائي الخارجي للشخصية وليس من التكوين الوشائجي بين الشخصيتين ، الأمر الذي يجعلك في التباس من أمر حادثة القتل والانتحار لهاتين الشخصيتين ، إذ لا يوجد في قلب الحوار الذي يجري بلا حدث يؤازر تحولات ومنعطفات مساراته الدرامية أو حتى ما بعدها ، لا يوجد أي دافع يقود هاتين الشخصيتين إلى هذا المآل المأساوي ( الفادح ) ، فالحوار ضعيف والبنية التكوينية للنص المكتوب والمقروء هشة ومخلخلة ، والمسار الحواري الدرامي قائم على التكرار الممل والممجوج وغير المولد أو القادر على خلق مسار ولو جزئي غير متوقع .
كما أنه وكما هو واضح في العرض المكشوف ( السقف ) والمنزوع الحواجز ، أن كل التفاصيل الإخراجية فيه قد منحت نفسها منذ الخمس دقائق الأولى ، وصار العرض يقتات حضوره منها حتى النهاية ، وهنا لا بد من وقفة أدعوا المخرج الصديق إبراهيم خلفان إلى تأملها جيدا ، ولا يدفع بنفسه وطاقته نحو الإكثار العروضي الممل الذي يسيء حتما ـ من وجهة نظري كمتابع لكل عروضه المسرحية ـ لتجربته المسرحية الفاعلة والمؤثرة والتي سأطرق باب نموذج منها في وقت لاحق ، وأتمنى على المخرج خلفان أن يزيح عن درب رؤيته مثل هذا الحاجز ويبحث عن أفق اكثر انفتاحا وانسجاما مع رؤاه المسرحية الخلاقة التي عهدناها .

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *